تواصل إيطاليا مساعيها للحد من موجة تدفق اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين إلى أراضيها خلال الأيام القليلة الماضية، ما دفعها إلى فرض حالة الطوارئ في جزيرة جنوبية، وطرح قضايا مثل “حصار بحري” لشمال إفريقيا، وتشديد الإجراءات على حدودها البرية مع دول الاتحاد الأوروبي.
واستقبلت إيطاليا نحو 130 ألف لاجئ ومهاجر في 2023، ويعتبر هذا الرقم ضعف عدد المهاجرين عام 2022.
طوارئ في لامبيدوزا
وصل إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، خلال ثلاثة أيام، ما يقارب الـ8500 مهاجر، على متن 199 مركبًا، بحسب مفوضة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وبالنسبة للعدد الكبير من المهاجرين إلى جزيرة لامبيدوزا، أعلن مجلس مدينة الجزيرة، الواقعة في جنوب إيطاليا، حالة الطوارئ، منذ 13 من أيلول.
تبلغ الطاقة الاستيعابية للنقطة الساخنة نحو 400 شخص فقط، ومؤخرًا يتم إعادة هيكلة الجزيرة بإدارة الصليب الأحمر الإيطالي الجديدة لجعل الجزيرة قادرة على الاستيعاب على التعامل مع أعداد كبيرة على المدى القصير.
كما رتبت إدارة المحافظ في مدينة أجريجينتو بصقلية، سفينة لنقل حوالي 700 شخص من جزيرة لامبيدوزا لنقل المهاجرين إلى جزيرة بورتو إمبيدوكلي، مع نقل 180 مهاجرًا آخرين على متن طائرة تابعة للمنظمة الدولية للهجرة.
إجراءات في البحر
من دون الحصول على رد من الاتحاد الأوروبي، وافقت الحكومة الإيطالية، على بدء إجراءات جديدة، هدفها الحد من وصول الوافدين.
ومن بين الاجراءات، إنشاء المزيد من مراكز الاحتجاز المخصصة للمهاجرين الذين رُفضت طلبات لجوئهم، مع زيادة المدة القصوى لهذا الاحتجاز من أربعة أشهر إلى 18 شهرًا.
وأعلنت رئيسة الحكومة الإيطالية، جورجيا ميلوني، الاثنين 18 من أيلول، عن إجراءات “استثنائية” للحد من تدفق طالبي اللجوء، إلى جزيرة لامبيدوزا.
كما دعت ميلوني لفرض “حصار بحري” على شمالي إفريقيا لمنع مهربي البشر من إطلاق قوارب التهريب، إلى البحر الأبيض المتوسط، حتى تمنع المتاجرين بالبشر من إطلاق قوارب التهريب الخاصة بهم إلى البحر الأبيض المتوسط.
ولم تستبعد الخطة أن يكون “الحصار البحري قيد النظر”، إذ ذكرت المتحدثة باسم المفوضية، أنيتا هيبر، في 18 من أيلول، أن المفوضية “تدعم نقاش الاحتمالات التي أثارتها إيطاليا”.
ووقعت ميلوني ورئيس الوزراء الهولندي، فون دير لاين، والرئيس التونسي، قيس سعيد، في منتصف تموز، على “شراكة استراتيجية وشاملة” تهدف إلى مكافحة الهجرة غير الشرعية وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين الكتلة والدولة الواقعة في شمال إفريقيا، إذ تقع على طريق رئيسي للمهاجرين واللاجئين المسافرين إلى أوروبا.
“وجود أوروبا على الحدود الأكثر عرضة للهجرة غير الشرعية الجماعية يؤكد أن حدود لامبيدوزا ليست الحدود الإيطالية فحسب، بل الحدود الأوروبية أيضًا”، بحسب ما قالت ميلوني.
وفي البر
رئيس الوزراء النمساوي، كارل نيهامر، تحدث في مقابلة له مع صحيفة “كرون تسايتونج”، في 17 من أيلول، عن دراسة فرض ضوابط استثنائية على الحدود مع إيطاليا في منطقة شنغن.
أشار نيهامر عن زيادة وتكثيف السلطات النمساوية للرقابة الحدودية في المناطق القريبة من الحدود الإيطالية، ردًا على إعلان حالة الطوارئ في جزيرة لامبيدوزا الإيطالية.
كما أضاف نيهامر أنه تحدث مع رئيسة الوزراء الإيطالية، جيورجيا ميلوني، عن طريق الهاتف حول هذه القضية قائلًا، “نحن نتابع مسار القضية، كما تتعلق القضية أيضًا بمكافحة طرق المهربين (…)”.
وأعلنت الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود والسواحل (فرونتكس)، في 14 من أيلول، عن ارتفاع عدد اللاجئين والمهاجرين بشكل غير شرعي عبر عبورهم الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023 إلى نحو 232 ألفًا و350 شخصًا.
ويعتبر طريق العبور عبر وسط البحر الأبيض المتوسط من شمال إفريقيا الأكثر نشاطًا، فقد وصل عدد العابرين 114 ألفًا و300 شخص، ويعتبر هذا أعلى رقم شهده هذا الطريق من 2016، نقلً عن الوكالة الأوروبية.
استجابة أوروبية
وأعلن وزير الداخلية الفرنسية، جيرالد دارمانان، عن زيارته لروما، في 18 من أيلول، لإيصال رسالة “حزم” في الآونة الأخيرة لمواجهة العبور غير القانوني في البحر المتوسط، جراء تزايد الهجرة إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية.
أخبر دارمانان، إذاعة أوروبا 1″ وقناة “سي نيوز” الاثنين، أن فرنسا تريد مساعدة إيطاليا على مراقبة حدودها الخارجية، إذ تعد إيطاليا، من أولى المحطات للمهاجرين مرورًا من البحر المتوسط إلى أوروبا.
وأكد دارمانان أنه يريد عكس موقف “حازم”، قائم على عدم إمكانية توجيه أي رسالة إلى المهاجرين الذين لجأوا إلى الجزيرة وسيتم الترحيب بهم مهما حدث.
وأضاف دارمانان مستطردًا، “علينا تطبيق القواعد الأوروبية، إذا كان هناك طالبو لجوء مؤهلون لنيل اللجوء ويتعرضون للاضطهاد لأسباب سياسية، فبالطبع هم لاجئون، وفي هذه الحالة، يمكن لفرنسا (…) كما فعلت على الدوام، استقبال هؤلاء الأشخاص”.
وزارت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، في 17 من أيلول، استجابة لدعوة رئيسة الوزراء الإيطالية، مركز استقبال المهاجرين في جزيرة لامبيدوزا.
وهدفت خطة زيارة دير لايين، إلى تحسين إدارة الوضع الحالي من خلال توزيع طالبي اللجوء بين الدول الأوروبية بشكل أفضل، مع تفادي تكرار تدفقهم بأعداد كبيرة على سواحل إيطاليا بشكل يستنزف قدرات الجزيرة اللوجستية والإدارية.
كما تركز الخطة على زيادة التعاون بين إيطاليا والوكالة الأوروبية للهجرة والوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود والسواحل (فرونتكس)، لتسجيل المهاجرين مع أخذ بصماتهم وغيرها من إجراءات التسجيل.
وقالت رئيسة المفوضية إن على “فرونتكس” والوكالات الأخرى مضاعفة وتعزيز مراقبتهم البحرية، مع دراسة الخيارات لتوسيع العمليات البحرية في البحر المتوسط.
وأوضحت دير لايين أن قضية المهاجرين تعد “تحديًا أوروبيًا وتحتاج إلى استجابة أوروبية”، على حد قولها.
لا لتوسيع منطقة “شنغن”
في المقابل، أكد رئيس الوزراء النمساوي، كارل نيهامر، معارضة حكومته لتوسيع منطقة شنغن بلا حدود، لافتًا إلى أن الحماية الحالية للحدود الخارجية غير كافية كفاية للتوسيع، مدعيًا أن الضوابط المؤقتة على الحدود بين دول شنغن هي دليل على أن المنطقة لا يمكنها استيعاب أعضاء جدد.
وبالرغم من استياء رومانيا وبلغاريا بسبب رفض النمسا إدراج البلدين في منطقة شنغن للاتحاد الأوروبي الخالية من الحدود، ما زالت المستشارة الاتحادية متمسكة بحق النقض.
وأكد نيهامر، لصحيفة “كلاين تسايتونج”، أنه “لا يمكن تنفيذ التوسع إلا عندما تعمل حماية الحدود الخارجية، وهذا ليس الوقت المناسب”.
كما أشار إلى الضوابط المؤقتة على الحدود بين دول شنغن، مبررًا إحداها من بين أمور أخرى، بسبب ضغط الهجرة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي.
وفي الآونة الأخيرة، هددت رومانيا بمقاضاة النمسا بسبب حق النقض، إذ لا يتم التحكم في الحدود عن طريق أعضاء دول شنغن.
ألمانيا تعترض
علقت الحكومة الألمانية اتفاقها مع إيطاليا لاستقبال اللاجئين طوعًا، في 13 من أيلول، بسبب عدم احترام روما لالتزاماتها بحسب قواعد قانون دبلن الموضع من قبل الاتحاد الأوروبي، بحسب قول وزارة الداخلية في برلين.
و”بمجرد أن تحترم الحكومة الإيطالية قواعد دبلن، سيتم استئناف آلية التضامن من جديد”، بحسب المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية.
وأضاف المتحدث، على تعليق الاتفاق بين ألمانيا وإيطاليا، أنه بحسب خطة التضامن الطوعية للاتحاد الأوروبي، سبق أن تعهدت ألمانيا بمساعدة أعضاء الدول التي تعاني بشكل خاص من أعداد المهاجرين من خلال استقبال 3500 شخص.
واستقبلت ألمانيا حتى الآن 1731 شخصًا من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى عن طريق هذه الآلية، إضافةً إلى 1043 شخصًا من إيطاليا، بحسب وكالة “رويترز”.
وينطبق هذا على أكثر من 12 ألفًا و400 شخص، نقل منهم عشرة أشخاص فقط إلى إيطاليا حتى الآن.
“كوترو”.. قانون جديد
صدر قانون في إيطاليا، في 5 من أيار الماضي، لتقويض حقوق المهاجرين مع إمكانية حصولهم على إقامات، بالإضافة أيضًا إلى بعض الخدمات الأخرى.
أُطلق اسم “كوترو” على القانون نسبة إلى بلدة كوترو في إقليم كالابريا بأقصى جنوب شبه الجزيرة الإيطالية، حيث غرق مايقارب 80 مهاجرًا نهاية شباط الماضي.
نُشر نص القانون في الجريدة الرسمية بإيطاليا حينها، وضم مجموعة من الإجراءات التي “تقوّض حقوق المهاجرين”، بحسب انتقادات معارضي القانون.
ويهدف قانون “كوترو” إلى صعوبة الحصول على إقامة “الحماية الخاصة”، إذ أصبحت تُمنح لشريحة معدودة ممن “يعانون أمراضًا شديدة جدًا ولا يمكن معالجتها بطرق مناسبة في البلدان الأصلية”.
واجترح القانون نوعًا جديدًا من الجرائم التي تسفر عن “القتلى والجرحى جراء تهريب المهاجرين غير الشرعيين”، وتصل عقوبة المهربين إلى السجن حتى 30 عامًا في حال وفاة أحد من الأشخاص المهاجرين أو عدد منهم عند عبورهم البحر المتوسط.
كما شدد القانون أيضًا العقوبات بحق كل شخص “يحفز ويوجه وينظم ويموّل وينقل الأجانب إلى الأراضي الإيطالية”.
وأضاف القانون الإيطالي بندًا يمنح السلطات الاحتفاظ بالمهاجرين ممن اعتُبروا “غير شرعيين”، لفترات زمنية أطول في داخل مراكز الاحتجاز، إذ أن المدة القصوى للاحتجاز تصل حتى 135 يومًا.
وترغب الحكومة الإيطالية بناء “مركز احتجاز للترحيل” في مناطق البلاد، حيث تملك نحو عشرة مراكز تتسع لـ1500 شخص.
وجددت إيطاليا لائحتها للبلدان الآمنة بموجب القانون، إذ مكنت إعادة المهاجرين إليها، ومن بين البلدان، نيجيريا والجزائر والسنغال والمغرب وتونس وغامبي أيضًا ضمنها.
وسيستقبل المهاجرون ضمن “نظام الاستقبال والإدماج (Sai)” المخصص فقط لمن حصلوا على اسم “لاجئ” وليس لطالبي اللجوء، ولم يعد نظام “Sai” كافلًا لإمكانية الوصول إلى الخدمات القانونية والاجتماعية والصحية وحتى التربوية كدروس اللغة الإيطالية للبالغين والإدماج المدرسي للقصّر كما كان سابقًا.
وبحسب قانون “كوترو”، يوجد عدد محدد للإقامات التي ستمنح في السنوات الثلاث المقبلة، فعلى سبيل المثال، ستمنح التأشيرة لـ82 ألف شخص في عام 2023.
إقرأ أيضًا: إيطاليا.. إجراءات “استثنائية” للحد من تدفق طالبي اللجوء