لم يستطع كثير من أهالي اللاذقية إعداد مؤونة لفصل الشتاء هذا العام، بسبب ارتفاع الأسعار، بينما لا يزال الدخل الشهري ضعيفًا لا يكاد يكفي طعام ثلاثة أيام بالحد الأعلى.
نعمى (39 عامًا)، موظفة حكومية، اعتادت أن تموّن المربيات والملوخية، إضافة إلى الكشك و”المكدوس” واليقطين اليابس وغيرها، إلا أنها هذا العام لم تستطع أن تموّن سوى كيلوغرامين من الملوخية الخضراء، ويصبح وزنها بعد التجفيف نحو نصف كيلو، إضافة إلى أربعة كيلوغرامات من اليقطين، ونصف كيلو كشك، متخلية عن الأصناف الأخرى.
قالت نعمى، التي تتقاضى راتبًا شهريًا قيمته نحو 200 ألف ليرة، إنها لم تستطع إعداد أي كمية من “المكدوس”، مضيفة أنها استعاضت عنه بشراء كيلو زعتر بسعر 40 ألف ليرة، ليكون طعام طفليها في المدرسة.
ويبلغ سعر كيلو الفاصولياء اليابسة 40 ألف ليرة سورية، أي أقل من ربع راتبها بقليل، وقالت إن كيلو اليقطين كان الأرخص، إذ بلغ 3000 ليرة لذلك موّنت منه، واشترت كيلو الملوخية بـ12 ألف ليرة، واليوم سعره يابسًا نحو 70 ألف ليرة.
ويبلغ الحد الأدنى للرواتب الحكومية في سوريا 186 ألف ليرة (الدولار الواحد 14000 ليرة).
تحمل نعمى همومًا وتساؤلات عن كيفية مواجهة الشتاء المقبل مع عائلتها بلا مؤونة، دون أسف على عدم تموين الملوخية لأنه لا يمكن طبخها دون دجاج، ولا قدرة لها على شرائه، حسب قولها.
المربيات حلم
تحوّلت المربيات المحببة للأطفال على مائدة الإفطار قبل ذهابهم للمدرسة إلى حلم بعيد المنال، بسبب ارتفاع سعر مكوناتها بشكل كبير.
ورغم أن لميس (46 عامًا)، موظفة حكومية من كسب، تمتلك عديدًا من الأشجار المثمرة مثل التين والمشمش، لم تستطع صنع سوى كيلوغرامين من مربى المشمش بسبب ارتفاع سعر السكر، الذي كان وقتها نحو 13 ألف ليرة.
وقالت لميس لعنب بلدي، إن كل كيلو فواكه يحتاج إلى كيلو سكر، وأحيانًا إلى كيلو ونصف كما في مربى الباذنجان، الذي نسيته تمامًا هذا العام رغم أنه طبق محبب لدى عائلتها.
ويصل سعر كيلو السكر اليوم إلى 16 ألف ليرة سورية، بينما يبلغ سعر كيلو التين في موسمه 22 ألف ليرة وسطيًا، ما يجعل تكلفة إعداد كيلو واحد من التين تصل إلى 38 ألف ليرة، لا تكفي لعدة أيام، وهذا دون حساب تكاليف الغاز اللازم لطهوه.
وارتفعت أسعار الفواكه كثيرًا هذا العام، فالمشمش لم ينخفض عن 10 آلاف ليرة في موسمه، والكرز 15 ألف ليرة، إضافة إلى التين الذي يتراوح سعر الكيلو منه بين 18 ألفًا و25 ألف ليرة بحسب نوعه وجودته.
“راحت على من تأخر”
نجحت بعض العائلات بتجهيز مؤونة لبعض أصناف الخضراوات، مثل الباذنجان الذي كان سعره معقولاً في فترة “التيبيس”، وكان يتراوح بين 2000 و2500 ليرة، كذلك اليقطين بسعر بين 2000 و3000 ليرة.
لكن الذين انتظروا للتموّن بالبندورة المطبوخة التي تُعبأ في علب زجاجية (مرطبانات) حتى اليوم، “راحت عليهم”، مثل جورجينا (56 عامًا) التي ذهبت إلى سوق “الهال” حتى تشتري صندوق بندورة يزن نحو 10 كيلوغرامات، فتفاجأت أن سعرها بات بالجملة 42 ألف ليرة، لذا عدلت عن الفكرة وعادت إلى منزلها دونها.
وقالت جورجينا وهي تعمل ربة منزل، إنها اعتادت إعداد المؤونة بكل أشكالها وأنواعها لأبنائها، لكن هذا العام لم تستطع إعداد حتى ربع الكمية التي اعتادت أن تتموّن بها.
وأوضحت أنها في السابق كانت تشتري 30 كيلو بامية، أما هذا العام فاكتفت بشراء خمسة كيلوغرامات فقط، بسعر 8500 ليرة للكيلو الواحد، متسائلة “ماذا نأكل في هذه الشتوية؟ لم يبقَ لنا شيء، استغنينا عن اللحمة والفروج، لكن هل يعقل ألا نستطيع تموين بعض الخضراوات؟”.
لا كشك أو لبنة “مدحبرة”
مؤونة الكشك ليست شائعة كثيرًا في اللاذقية، لكن هناك عددًا لا بأس به من العائلات التي تتمون بها، مثل عائلة جميل (45 عامًا) وهو موظف بإحدى المؤسسات الحكومية في مدينة جبلة.
وقال لعنب بلدي، إنه في عام 2021 موّن في منزله أربعة كيلوغرامات من البرغل صنع منها الكشك، وفي عام 2022 انخفضت إلى كيلوغرامين، لكن هذا العام موّن فقط نصف كيلو، بسبب ارتفاع سعر البرغل واللبن بدرجة كبيرة، وتراجع قدرته الشرائية.
نصف كيلو من البرغل بسعر 5800 ليرة، وكيلوغرامان من اللبن بسعر 16 ألف ليرة، وكمية لبنة صغيرة بسعر 6000 ليرة، أي أن الرجل دفع 27 ألفًا و800 ليرة ثمن نصف كيلو من الكشك، وهو مبلغ يصفه بـ”الكذب”.
وأضاف، “لا منملك غير أن ندعي رب السما عليهم، حرمونا أكلنا وأفقرونا، هل المسؤولون جائعون بسبب العقوبات؟ هل لا يجدون الأكثل مثلنا؟ وهل يحار الرئيس ماذا يفعل ليؤمّن أكل عائلته مثلنا؟”.
وبما يخص اللبنة “المدحبرة”، التي كانت تعتبر زاد الطلاب في سكنهم الجامعي، تعدها لهم أمهاتهم، فقد غابت تمامًا عن المشهد هذا العام، على الأقل عن مشهد الشريحة التي التقيناها، وعددها 16 شخصًا تقريبًا.
وأجمعوا أنهم لم يفكروا بهذا النوع من المؤونة منذ نحو عامين، في حين قال واحد منهم وهو حسام (48 عامًا)، إنه اضطر لشراء خمسة كيلوغرامات من الحليب بسعر 6000 للكيلو الواحد، حولتها زوجته إلى لبنة “مدحبرة” ليرسلها إلى ابنته التي تدرس في جامعة “دمشق” وتقيم بالسكن الجامعي.
كما تخلّت عائلة حسام الذي يعمل إداريًا في جامعة “تشرين” عن مؤونة البصل والثوم، واختارت شراءه وقت الحاجة بالكيلو أو النصف كيلو، وحتى بالحبة إن اقتضى الأمر، لافتًا إلى أن أسلوب الشراء بالحبة متبع كثيرًا خصوصًا للثوم والفواكه.
وتعتبر المؤونة أساسية في حياة السوريين، خصوصًا أن أسعار الخضراوات ترتفع في الشتاء لكونها خارج الموسم كما كانت قديمًا، بخلاف اليوم حيث ترتفع في كل وقت من دون أي ضوابط.
اقرأ أيضًا: مؤونة “المكدوس”.. عائلات تغير المحتوى وأخرى تخفض الكمية
–