عمر الحلبي – عنب بلدي
بدأت المرأة بملء فراغ تغيب الشباب في سوريا، ولوحظ توجهها لشغل شواغر جديدة في الحياة الاقتصادية في مهن كانت حكرًا على الرجال، بهدف تأمين مصاريف الحياة اليومية والمعيشة، بعد أن غيبت الحرب رب الأسرة وأصبحت فجأة المعيل الأساسي.
ساهمت المعارك المحتدمة على الأرض السورية، وحملات الاعتقال المتكررة بهدف الإلحاق بالجيش، بتعزيز هجرة الذكور وإفراغ البلاد من الشباب، وبالتالي خلق فجوة ديموغرافية وجندرية، جعلت أصحاب الأعمال المتبقين يعانون عند تأمين العمالة “الماهرة”، وخاصة المتعلقة بالمهن اليدوية.
وعلى الفور دخل إعلام النظام على الخط وسعى لتجميل الظاهرة، وبات يتناول إقبال المرأة على الأعمال التي لم تعمل بها من قبل من باب “الشجاعة” و”النضال”، وأن المرأة السورية لا يقف بوجهها شيء. كان ذلك بهدف التغطية على المشكلة الأساسية، وهي ضرب بنية المجتمع الديموغرافية عبر تهجير فئة الشباب “الفتية” التي تشكل دعامة المجتمع السوري.
ويؤكد ذلك معاون وزير النقل في حكومة النظام، عمار كمال الدين، عندما يعلق على حصول عشر نساء على شهادات قيادة عامة في دمشق، قائلًا إن “المرأة السورية كعادتها نبع من العطاء والابتكار وهذا ما ثبت ويثبت في كل يوم من خلال ما نراه ونشاهده ونسمعه عن المرأة السورية وقدرتها الدائمة والمتجددة على التحدي والصمود والعطاء”.
مضيفًا “من أنجبت الأبطال والشجعان، وتحدت الظروف ووقفت مع الرجل في جميع مجالات العمل حتى في ميادين القتال والدفاع عن الوطن، لن يصعب عليها أي أمر آخر ولن تتوانى أو تتورع عن الخوض في مجالات… كانت حكرًا على الرجال”.
سيدات يقدن حافلات
صورة عمل النساء والفتيات التي صدّرتها الأزمة الاقتصادية، استغلها النظام بالترويج مرة أخرى، لمفهوم حرية عمل المرأة وتحركاتها، على عكس ما يحصل في مناطق المعارضة السورية، عبر العمل في قيادة حافلات عامة كان يقودها رجال فقط.
وعلى هذا يعلق معاون وزير النقل “أبدت فئة من الفتيات اللواتي يعملن في مجال التربية (رياض الأطفال) كمرافقات للطلاب، الرغبة بتعلم قيادة المركبات المخصصة للنقل إلى المدارس، وسجلن في مدارس قيادة المركبات لنيل شهادة قيادة سيارة من الفئة العامة ليتمكّنّ من ممارسة عملهن ضمن إطار قانوني”.
ويشير إلى أن المتدربات العشر أنجزن الدورة بنجاح نتيجةً للرغبة الحقيقية في التعلم، وأبدين تفوقًا في فحوص السلامة المرورية والمواد النظرية التي خضعن لها، وخاصة أنهنّ دُربن على برنامج عمل خاص بنقل طلاب المدارس، ابتداءً من قواعد المرور وحتى التصرفات والإجراءات الخاصة بالمهنة.
مجالات عمل جديدة
ليس غريبًا على النساء والفتيات السوريات ملازمة الرجال في أعمال الحياة اليومية، سواء في معامل أو شركات وحتى في أسواق عامة وفي مجالات الصناعة والزراعة والسياحة وغيرها، لكن ظاهرة غير مألوفة بدأت تنتشر مع اشتداد حملات النظام في سَوق الشباب إلى الخدمة في الجيش، وهي تسيّد النساء على عرش مهن عديدة منها: المقاهي، والبيع في سوق الهال، وقيادة وسائل نقل عامة وغيرها، بعدما كانت هذه المهن وغيرها من نصيب الرجال فقط.
وكانت الأرقام الرسمية تشير إلى أن عمالة النساء في سوريا لا تشكل أكثر من 16% من قوة العمل السورية، وأن نسبة البطالة وصلت بين الإناث إلى نحو 11.1% عام 1994، وارتفعت إلى الضعف تقريبًا بين عامي 2004 و2009.
أما لدى الذكور، فقد كانت النسبة 6.3% وارتفعت إلى نحو 10.5% خلال الفترة نفسها، وفق جريدة الأخبار المقربة من النظام، لكن الأرقام وخلال السنوات الخمس الماضية ورغم ندرتها إلا أنها ترجح تغيرًا لصالح النساء بعدما أصبحت قطاعات كثيرة تطلب عاملات لسد الثغرات.
تهديد بنية المجتمع السوري
اليوم بات الزائر أو المتجول في مناطق سيطرة النظام يلحظ أن الأسواق والأماكن العامة تزدحم بالنساء، ويطغى الطابع الأنثوي على الذكوري، وذلك بنسبة 80% حسب تقديرات خبير اقتصادي من دمشق (رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية)، وهذا برأيه “يهدد بنية المجتمع”.
ولفت إلى أن معظم المؤسسات العامة والخاصة “تشكو نقص اليد العاملة الشابة، بدءًا من مراقب الدوام ونهاية بالأطباء والمهندسين”، مضيفًا أن أغلب التقارير تؤكد ذلك “فلا يخلو يوم إلا ونسمع عن إعلان جهة عامة عن حاجتها لموظفين وبأعداد كبيرة، وكان آخرها وزارة التربية التي أعلنت عن حاجتها لـ 60 موظفًا”.
وانعكس نقص العمالة من الذكور على مجمل القطاعات الاقتصادية الأخرى، فمثلًا في طرطوس توقف أكثر من 25 باصًا للنقل الداخلي لعدم وجود سائقين، وفي دمشق توقف 12 باصًا للنقل الداخلي أيضًا لنفس السبب.
ارتفاع نسبة عمالة النساء
وكنتيجة طبيعة ساهمت عمالة النساء في رفع نسبة الأنشطة التي تقوم بها المرأة السورية مقارنة مع الرجل بما يقارب 40% كحد وسطي، وفق ما يقول الخبير الاقتصادي.
وأشار إلى أن هذه النسبة ارتفعت إلى 90% نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي نتيجة لظروف فرضتها الحرب على الرجال.
ونوّه الباحث الاجتماعي إلى أن هذه الحملة دفعت النساء إلى تحمّل مسوؤليات أزواجهن، وخصوصًا في السير بالمعاملات التي أوقفها الزوج، لترتفع بسبب ذلك نسبة الوكالات العامة للرجال كبار السن الذين تتجاوز أعمارهم 50 عامًا، وهو سن الاحتياط، أو للنساء من أجل تسيير المعاملات بدلًا عن أولادهم أو أزواجهم.
ومن المتوقع أن تتعاظم النتائج المترتبة على زيادة عمالة النساء في سوريا، على الحد المتعارف عليه، ما سيترك نتائج اجتماعية خطيرة على المجتمع السوري الذي شهد “كوارث” اجتماعية واقتصادية عديدة، منذ اندلاع الثورة ولما تتكشف نتائجها بوضوح بعد.