علي عيد
على السلطة الفاسدة أن تقلق من الإعلام المهني المسؤول دائمًا، وكلما توترت العلاقة بينهما علينا أن نعرف أن هناك ما يخفيه المتنفذون، صفقات سياسية أو اقتصادية مشبوهة، ملفات فساد، خطط يراد تمريرها ببرود، دكتاتوريات لا تريد من يزعجها.
تتغير العلاقة ويتفاوت مستوى التوتر حسب طبيعة البلد وقوانينه وثقافته، باعتبار أن حرية الإعلام والصحافة دليل على مستوى الديمقراطية، والتزام الدولة بالحقوق الأساسية للإنسان، وعلى رأسها حرية التعبير والإعلام، وفق ما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 في مادته الـ”19″، والاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان المدنية والسياسية، التي وافقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1996، في مادتها التاسعة.
في سوريا، وخلال حكم الأسدين الأب والابن، كان الإعلام ممسوكًا من السلطة، على الرغم من النصوص الدستورية التي تضمن حرية الصحافة واستقلاليتها كما ورد في المادة الـ”42″ من دستور 2012، والمادة الـ”38″ من دستور 1973.
وكان غياب التوتر بين السلطة والإعلام دليلًا على الحالة غير الصحية، وانعدام الحريات العامة والخاصة، وأنتج هذا الوضع المستمر حتى اليوم بيئة إعلامية عقيمة، إذ جرى استخدام الإعلام كأداة بيد الحاكم، لا كسلطة مستقلة تسهم في كشف وتعرية الفساد، ومناقشة التوجهات العامة للدولة سياسيًا واقتصاديًا كحق أساسي.
يقودنا الحديث عن سوريا إلى شقّ آخر من السلطة، وتعاملها مع الإعلام، وهي سلطة المعارضة، إذ ألغى “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” حضور وسائل الإعلام لتغطية الانتخابات التي جرت في 12 من أيلول الحالي، في دلالة على الرغبة بتمرير المناسبة دون شهود، على اعتبار أن هذه الانتخابات لا تتم بوجود مراقبين خارجيين، وهذا يفسر أن العلاقة ستكون متوترة دائمًا بين هذا النوع من النشاط السياسي غير الشفاف والإعلام المسؤول.
في الولايات المتحدة مثلًا، وعلى الرغم من عيوب سيطرة حزبين تاريخيين (الديمقراطي، الجمهوري) على الحياة السياسية، فإن مسيرة الانتخابات الرئاسية تخضع لرقابة صارمة من الإعلام، وأكثر لحظة حرجة في هذا السباق، هي تلك المناظرات التي تجري في العلن وعلى الهواء مباشرة في الإعلام، وأمام أنظار الملايين، وهو المكان الذي تُطرح فيه الإشكاليات ويكوّن الشارع اتجاهًا ثم يتبنى موقفًا من طروحات هذا المرشح أو ذاك، وبالتالي يقرر أين يضع صوته عندما يتوجه إلى الصندوق الشفاف.
لا يقتصر توتر العلاقة مع الإعلام على ائتلاف المعارضة السورية، بل يمتد إلى نشاط اللجنة الدستورية وعملية التيسير التي يقوم بها مكتب المبعوث الدولي، إذ جرت ثماني جولات لمفاوضات اللجنة الدستورية في غرف مغلقة، وهي عملية تجري تحت شعار “يقودها السوريون”، بحسب ما يردده المبعوث الأممي غير بيدرسون، لكن لا أحد من السوريين يمكنه أن يثق بتفاصيل عمل مكتب المبعوث، لأنه يدير ما يعتقد أنه ملف سياسي أمني أكثر منه ملف حقوق إنسان أو ملف حق رأي عام ينتظر ملايين السوريين ما ينتج عنه، وهي ربما من عيوب الرجل الذي أدار سابقًا ملف مفاوضات أوسلو، ويبرع في التسويات السياسية بالغرف المغلقة، وهذه الغرف عدوها الأول هو الإعلام.
تبحث الحكومات الرشيدة عن طرق لتوطيد العلاقة مع الإعلام، إدراكًا لدوره في إيصال المعلومة، وضمان تطبيق التشاركية، وفتح النقاشات الهادفة، ومعرفة مزاج الشارع وتطلعاته، وقياس مستوى الرضا وردود الفعل، ويتقلص هذا الدور للإعلام كلما اتجهت الحكومات نحو القرار الفردي، وابتعدت عن الناس، أو أنها كانت لا تملك الكفاءة في إدارة الأزمات وتحقيق التفاعل الإيجابي.
تشتكي بعض الحكومات أو دوائر السلطة من انتشار معلومات غير حقيقية في قضايا حساسة، وقد يكون مصدر تلك المعلومات تسريبات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا دليل على أن الحكومات لم تبنِ علاقة جيدة مع الإعلام ولم تستثمر في تطويره، فكلما تم حجب المعلومات عن الإعلام ستلاقي الأخبار المجهولة المصدر رواجًا، وإثرها تتحول علاقة السلطة بالجمهور أيضًا إلى علاقة مسمومة.
بناء العلاقة الجيدة مع الإعلام لا يكون بتوزيع الهدايا والأعطيات للصحفيين أو رؤساء التحرير، وإنما بتوفير المعلومة، والسماح للصحافة بالنفاذ إلى الأرقام والبيانات، ومعرفة الخطط، وفسح المجال لمناقشتها.
بالعودة إلى سوريا، قيل في انتخابات ائتلاف المعارضة المذكورة، إن مسؤولًا هدّد باستخدام “الحذاء” لإجبار زملائه على اختيار هادي البحرة رئيسًا، تناقل الجمهور خبر التهديد، كان سياسيون معارضون في مقدمة من روجوا الواقعة، وسواء كانت حقيقة أم مجرد شائعة، فهي دليل على أن هذا الجسم يعمل بعيدًا عن رقابة الجمهور، ولو كان حريصًا على بناء الثقة، لما ألغى دعوة الصحفيين لحضور مجريات جلسة الانتخاب، لكنه الخوف من الصحافة.. وللحديث بقية.