كوارث العالم العربي
إبراهيم العلوش
حلّت كارثتان جديدتان على العالم العربي خلال الأسبوع الماضي، هما زلزال المغرب وفيضانات مدينة درنة في ليبيا. كارثتان طبيعيتان، ولكن السياسة تسهم في تضخيم الأضرار الإنسانية بكوارث العالم العربي.
زلزال المغرب وقع في 8 من أيلول الحالي، بمنطقة جبلية قليلة السكان وفقيرة وبقوة تعادل سبع درجات على مقياس “ريختر”، وأودى بحياة أكثر من ثلاثة آلاف شخص بالإضافة إلى آلاف الجرحى وعشرات الآلاف من المهجرين والمشردين الذين صاروا ينامون في العراء.
تعاطف العالم مع كارثة المغرب، وأبدت أكثر من 60 دولة استعدادها لإرسال المساعدات العاجلة والفرق التقنية المؤهلة للإنقاذ والبحث عن المحاصرين تحت الأنقاض، وأعلنت منظمات دولية كثيرة، منها منظمة “الخوذ البيضاء” في الشمال السوري، استعدادها للمساعدة في الإنقاذ، خاصة أنها راكمت خبرة في كارثة الزلزال المدمر الذي وقع في شباط الماضي في كل من تركيا وسوريا.
بعد يومين، وفي 10 من الشهر الحالي، وصل إعصار “دانيال” الذي ضرب اليونان إلى ليبيا، وقد تأخر عدة أيام علّه يعطي فرصة للمسؤولين الليبيين لاتخاذ الإجراءات اللازمة والاستعدادات المسبقة لتفادي الأضرار المحتملة على المدنيين.
لكن الكارثة الليبية سرعان ما فاقت بقسوتها الكارثة المغربية، إذ إن أربع مدن ليبية تأثرت، وأبرزها مدينة درنة التي غمرت أحياءها مياه الفيضانات وضاع ربع المدينة تحت الماء، بعد انكسار سدين على وادٍ يشق المدينة إلى نصفين، وفاضت مياههما مع فيضانات الإعصار “دانيال”، ووصل عدد الضحايا إلى أكثر من خمسة آلاف، بالإضافة إلى أكثر من عشرة آلاف مفقود، وقد رجح مسؤول ليبي أن يكون عدد الضحايا قد فاق الـ20 ألفا.
ذكر السكان مشاهد مروّعة للناس الذين يرتقون البنايات إلى الطوابق العليا، فترتفع المياه إليهم فيهربون إلى الأعلى وينهار البناء بهم أمام أعين جيرانهم الذين يستعدون لموت وشيك، وغيرها من مشاهد يوم القيامة، التي وصفها الليبيون الناجون وهي تهزهم وتعيد توحيدهم ولو إلى حين، وتجعل العالم ينظر إلى ليبيا كبلاد منكوبة، فيها المدنيون مهملون وسط انشغال العسكر والحكومات والمسؤولين من كل الأطراف الليبية بتقاذف الاتهامات وادعاءات المشروعية.
رغم أن السدّين المتسببين بزيادة الدمار كانا بحاجة ماسة إلى الصيانة منذ العام 2002، أي قبل عشر سنوات من انهيار حكم القذافي، كان العسكر يشترون الذخائر والصواريخ بمئات الملايين ويتعامون عن صيانة السدّين، اللذين سرعان ما انهارا مع وصول مياه الفيضانات، فحياة الناس ليست من أولويات السياسيين ولا العسكر.
رفض بعض المسؤولين الليبيين المساعدات الدولية، وقال الناطق باسم حكومة طرابلس الغرب، إن الليبيين لا يحتاجون إلى الغذاء زاعمًا وجود الإمكانات المادية للإنقاذ. ولكن الجثث ظلت تطفو خلال الأيام الماضية على الشواطئ، ولم تقم أي جهة بانتشالها، خاصة أن جيش خليفة حفتر الذي عيّن حاكمًا عسكريًا للمدينة ورفض إجراء الانتخابات المحلية غير آبه بمساعدة السكان، ولا يهمه إلا تثبيت نفوذه واستعادة شرعيته التي خسرها بعد الجرائم التي ارتكبها مع ميليشيات “فاغنر” في الغرب الليبي، التي وصلت إلى تسميم ألعاب الأطفال وارتكاب المجازر العشوائية، علّه يأخذ مكان القذافي، المستبد الذي انتهى مقتولًا في أحد الشوارع بعد حكم دام 40 عامًا.
المسؤولون المغاربة بدورهم رفضوا المساعدات الدولية إلا من أربع دول، هي إسبانيا وإنجلترا وقطر والإمارات، ورفضوا المساعدات الجزائرية التي كان من الممكن لها أن تكون أكثر قربًا وأكثر تعاطفًا بين شعبين متجاورين، وكان من الممكن أن تفتح باب السلام بين الدولتين المتحاربتين منذ نصف قرن بسبب النزاع على إقليم الصحراء الغربية.
ورفض المغرب المساعدات الفرنسية، وهي الدولة الحليفة للمغرب، وتوجه الرئيس الفرنسي ماكرون بخطاب إلى الشعب المغربي مباشرة، يعلن عن تعاطفه معهم في مأساة الزلزال ويبدي استعداد فرنسا لمساعدة المغرب التي رفضها المسؤولون المغاربة. وهذه الخطوة اعتبرها بعضهم مخالفة للأعراف الدبلوماسية.
تأخرت فرق الإنقاذ في المغرب وفي ليبيا لأن المسؤولين يغلّبون المنافع السياسية والمصالح الفردية على مصالح الناس المنكوبين، والسلطات ترفض التفاعل الدولي رغم رمزيته وأهميته في التفاعل مع العالم، ويجعل البلاد المنكوبة أكثر تأهيلًا للتجديد وإعادة النظر في نزاعاتها الداخلية والخارجية، فالنكبات قد يكون لها بعض المنافع رغم مرارة المعاناة والشعور بالصدمة الذي تخلّفه الكارثة.
العالم العربي في حالة كارثية خلال السنوات الـ50 الماضية، وقد أسهم السياسيون مع العسكر في العالم العربي بمضاعفة المصائب والكوارث، ولعل الكارثة السودانية التي اندلعت ربيع هذا العام لم تكن كارثة طبيعية، وإنما سياسية وعسكرية، ومثلها الكارثة السورية التي قام جيش الأسد فيها بتدمير المدن واستجلاب المستعمرين ومنحهم الامتيازات والمواني من أجل استمرار عائلة عديمة الكفاءة.
العسكر والسياسيون غير الأكفاء يجب أن ينضموا إلى قائمة مسببي الكوارث في العالم العربي، بالإضافة إلى الأسباب الطبيعية الأخرى، مثل الزلازل والبراكين والقحط والأوبئة. لقد ترك العسكر والسياسيون في العالم العربي ملايين الضحايا نتيجة حروبهم وسياساتهم الفاشلة، وهم لا يزالون يسهمون في إعادة أجزاء كبيرة من العالم العربي إلى العصر الحجري، والكوارث التي حلّت على سوريا ولبنان والعراق والسودان وليبيا مجرد أمثلة من البلدان العربية المنكوبة بالفشل السياسي، الذي يتسبب في انهيارات متلاحقة وضياع أجيال كان من الممكن أن تبني الازدهار والرفاهية في العالم العربي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :