تعا تفرج
مازوتاتك في برميلك
خطيب بدلة
لا ندري ماذا سيفعل النظام السوري بعدما أوقف الدعم عن المحروقات، ومن أين سيحصل على المال عندما تشح موارده، فعوائد “الكبتاجون” لا تدخل خزينة الدولة أصلًا، بل يتقاسمها الصناع والتجار والمهربون، وأما لعبة زيادة الرواتب ورفع سعر المحروقات فهي مجربة، ومضمونة، لتشليح المواطنين نسبة محددة من دخلهم.
تزامنت عملية وقف الدعم مع زيادة كبيرة للرواتب، بلغت 100%، رافقها بكاء الموظفين المساكين الذين حسبوها، وقَرَّشُوها، فوجدوا أنهم خسروا، بهذه الزيادة، ثلثَ رواتبهم الحالية، التي كانت قد انخفضت أكثر من 3000% خلال الحرب التي شنها نظام الرئيس الوريث على الثورة، واستقرت، بعد كل حساب، على عشرة دولارات في الشهر.
عبّر أحد الشبان الموهوبين عما حصل بتمثيلية قصيرة: يدخل الشاب إلى الدار، فيجد أبواز أفراد أسرته كلها ممطوطة، يسألهم: شو في؟ مرارًا، ولا يجيبون، فيقول: لا تقولوا لي زادوا الرواتب! فينطلق عويلهم، ويتعانق كل اثنين منهم ويقولان: زادوها، إهي إهي، زادوها!
مَن كان يظن أن حافظ الأسد، عندما قرر دعم المحروقات وبعض المواد التموينية، أراد أن يساعد الطبقات الفقيرة، ساذج بلا شك، والحقيقة أنه كان يشتغل على مبدأ العطاء، فكل قرار من هذا القبيل، كانت تسبقه عبارة “بتوجيهات حكيمة من الرفيق المناضل”، وبعدما دعم أسعار المحروقات والخبز، جلس وأفراد نظامه يتلذذون بمشاهدة الناس المزدحمين عند أبواب الأفران، وطوابير السيارات الواقفة أمام محطات البترول، وأتاح له هذا الأمر تقديم فرصة ذهبية للهوامير الذين يبنون ثروات طائلة من خلال اشتغالهم بتهريب المحروقات إلى لبنان وتركيا، فلو كانت أسعارها طبيعية، غير مدعومة، لما وُجدت هذه “السبوبة” التي لا تقتصر فائدتها على المهربين، بل واستفاد منها ضباط الجمارك، ورجال الأمن، وقد حدثني أحد الأصدقاء عن سيارة مازوت ضبطتها دورية أمنية وهي متجهة إلى تركيا، وأحضرتها إلى الفرع في إدلب، وبعد لقاء صاحبها مع رئيس الفرع بقليل، أمر رئيس الفرع بتركها تغادر مع حمولتها، بعدما قبض من المهرب ربع مليون ليرة، أي ما يعادل راتبه مع تعويضاته لمدة 20 سنة، ومما كان يحكى، أن مجموعة من ضباط الجيش السوري كانوا يهربون المحروقات السورية إلى لبنان، عن طريق بلدة نيصاف، التي قيل، على سبيل الدعابة، إنها بلدة تشتهر بهوائها العليل، بسبب ارتفاعها عن سطح البحر، وبتهريب المازوت السوري!
وأما عن الفوائد التي كان يجنيها حافظ الأسد ونظامه من هذا الوضع، فحدث عنها ولا حرج، لأن النظام الفردي الدكتاتوري لا يمكن أن يعيش في جو نظيف، معافى، وهو لا يضمن، بهذه الفوضى، رضا هؤلاء الطفيليين المرتشين عنه وحسب، بل وتقوم أجهزته الأمنية بوضعهم تحت الضرب، فتقول لهم، صراحة أو تلميحًا: أضابيركم موجودة عندنا، وكل من يخطر بباله أن يلعب بذنبه نستطيع أن نسحبه من ذنبه، ونأتي به صاغرًا، وهؤلاء الفاسدون، المرتشون، هم الذين يجبرون عامة الناس على الخروج في الشوارع، وتعييش الدكتاتور المجرم، كلما أصدر قرارات تقضي برفع سعر المحروقات، وزيادة الرواتب، رغم أن هذه الزيادة تكون مبكية، وليست سارة!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :