تعليم أبناء السوريين في لبنان.. الخاص والحكومي “أحلاهما مرّ”

  • 2023/09/17
  • 1:38 م
أطفال داخل روضة "النموذجية العاملية" الخاصة في لبنان- 12 من أيار 2023 (مدرسة العاملية)

أطفال داخل روضة "النموذجية العاملية" الخاصة في لبنان- 12 من أيار 2023 (مدرسة العاملية)

عنب بلدي – حسن إبراهيم

منذ ثلاثة أشهر، وقبل بدء العام الدراسي الحالي في المدارس اللبنانية، تحمل السيدة السورية فاطمة (30 عامًا) هموم تسجيل طفليها محمد وأميرة في مدرسة خاصة لصعوبات تسجيلهما بمدارس حكومية تتلخص بالتنمر والدوام المسائي، إضافة إلى التوقف المتكرر للتعليم في تلك المدارس خلال الأعوام الماضية.

إدخال الطفل محمد (سبع سنوات) إلى الصف الثاني والطفلة أميرة (خمس سنوات) إلى “روضة ثالثة”، تطلّب تكاليف باهظة أثقلت كاهل العائلة، وأرغمت الأسرة منذ أشهر على الاقتصاد في شراء الاحتياجات واقتصارها على مواد أساسية، بما يتناسب مع راتب زوج فاطمة الذي يتقاضى نحو 200 دولار أمريكي شهريًا من عمله ضمن إحدى المزارع.

لا يعد اختيار المدرسة الخاصة ترفًا أو رفاهية للسوريين في لبنان، بقدر ما هو أحد خيارين “أحلاهما مرّ”، بحسب عائلات سورية تحدثت إلى عنب بلدي، فظروف المدارس الحكومية “المتردية” كافية لإجبار العائلات على العزوف عنها.

ضبابية قطاع التعليم ومشكلاته وغياب معايير التسجيل بين مدرسة وأخرى، والدفع بالدولار بدل العملة اللبنانية المحددة للتعامل، و”صرخة الأهالي من غلاء الأقساط” كما وصفها رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، حملت آثارًا مضاعفة على السوريين في لبنان، وسط ما يعيشه هذا البلد من أزمات متلاحقة وظروف متردية اقتصاديًا وسياسيًا.

لا يوجد رقم رسمي لعدد الطلاب السوريين في المدارس اللبنانية، وفي أحدث إحصائية عن مركز الإحصاء اللبناني عام 2019، كانت نسبة الطلبة السوريين 20% من طلبة لبنان، وقالت “هيومن رايتس ووتش“، إن لبنان يستضيف 660 ألف طفل سوري لاجئ في سن المدرسة، في أحدث تقاريرها نهاية عام 2021.

وتقدّر الأمم المتحدة أن 30% من العدد المذكور، أي 200 ألف طفل، لم يذهبوا إلى المدرسة قط، وأن 60% لم يُسجلوا في المدارس خلال السنوات الماضية.

الدفع بالدولار

دفعت فاطمة مبلغ 400 دولار كقسط لطفلها محمد، و375 دولارًا لطفلتها أميرة، خلال السنة، وهي مقسمة على دفعات حددتها المدرسة، ورسوم تسجيل عن كل طفل تبلغ 10 دولارات، بالإضافة إلى 15 دولارًا للمدرسة بدل احتياجات من أوراق ومطبوعات.

واشترت السيدة كتبًا للطفلة بقيمة 75 دولارًا لأن الروضة تلزم الطالب بأن تكون الكتب جديدة، في حين تمكنت العائلة من تأمين كتب مستعملة للطفل محمد، بمساعدة من مدير المدرسة الخاصة في بلدة السعديات، وتبعد 26 كيلومترًا عن العاصمة بيروت، لكنه اضطر إلى شراء كتاب جديد لمادة الرياضيات بقيمة 13 دولارًا.

لم تتأكد السيدة بعد من أخبار متداولة عن طلب المدرسة لباسًا خاصًا بالطلاب قيمته نحو 20 دولارًا، وتريد أن تُلبس طفليها لباس العام الماضي الذي اشترته حينها بعشرة دولارات.

وتفرض كل مدرسة خاصة لباسًا مدرسيًا خاصًا بها يختلف عن غيرها من المدارس، وفي حال نقل الطالب من مدرسة إلى أخرى يجب عليه شراء لباس جديد.

ويضاف إلى ما سبق تكلفة شراء القرطاسية 30 دولارًا، ومبلغ 150 دولارًا أجرة نقل للباص (أوتوكار) لكل طالب سنويًا، وتزيد التكلفة بحسب بُعد المنطقة عن المدرسة.

بعد حساب تقريبي أجرته فاطمة، قالت، إن تكلفة تسجيل طفلين في مدرسة خاصة بلبنان يعادل عمل العائلة ستة أشهر في حال لم تصرف الأسرة أي دولار من الراتب.

وتحدد المدارس الخاصة في لبنان أسعار الأقساط بالدولار، وتصدر لوائح بذلك، رغم حديث سابق منذ بداية العام الدراسي 2022- 2023 لوزير التربية والتعليم العالي في لبنان، عباس الحلبي، عن أن يكون دفع الأقساط في المدارس الخاصة بالليرة اللبنانية.

ولم يمنع ذلك من فرض دفع أقساط المدارس بالدولار، رغم قرار الحلبي الذي حمل عدة محاذير يُعتبر تجاوزها خرقًا قانونيًا، مفادها عدم جواز فرض المدارس الخاصة غير المجانية أي مبالغ أيًا كانت تسميتها وأيًا كانت مقاديرها على أولياء أمر الطلاب المسجلين فيها، بالإضافة إلى القسط المدرسي الذي تستوفيه من كل منهم.

وتشهد الليرة اللبنانية تراجعًا كبيرًا في قيمتها أمام الدولار الأمريكي، وتساوي كل 89 ألف ليرة لبنانية دولارًا أمريكيًا.

مدارس حكومية مسائية ودون دمج

من جهته، الشاب السوري حسين (33 عامًا) لا يزال مترددًا بين تسجيل طفله علي (ثماني سنوات) في الصف الثاني وطفلته سمر (أربع سنوات) في صف “روضة ثالثة” بمنطقة كسروان، وبين عدم تسجيلهما بسبب الأقساط “المخيفة”، وفق قوله.

وذكر أن عمله في مطعم براتب نحو 220 دولارًا أمريكيًا لا يستطيع أن يسد أقساط التسجيل، وأن دوام المدارس الحكومية المسائي مرهق للطالب والأهل، وعزل الطلاب السوريين عن اللبنانيين فيها أمر لا يأتي بأي نتائج إيجابية.

وتمتد فترة التعليم المسائي لأربع ساعات من الساعة الثانية ظهرًا حتى السادسة مساء دون أوقات راحة للطلاب، وهو أمر يضعف من جودة التعليم وقدرة الطلاب على تلقي المعلومة، بالإضافة إلى اضطرار عديد من الطلاب للعودة في وقت متأخر إلى منازلهم، جراء طول المسافة بين المدرسة وأماكن سكن عائلاتهم، مع عدم توفر المواصلات، بحسب دراسة صادرة عن مركز “الدراسات اللبنانية” (CLS).

وسبق أن قالت وزارة التربية إنها لن تقبل أي محاولة لدمج طلاب نازحين وتوطينهم من خلال القطاع التربوي الخاص، ووصفت دمج التلاميذ السوريين بالمدارس الخاصة بـ”التوطين المقنّع”، واعتبرت أن قرارها يأتي من “سياسة وطنية وتربوية واضحة، تقضي بإعادة النازحين إلى المناطق الآمنة في سوريا وهي كثيرة”.

وعن البدائل، يحار حسين بين استدانة المال لأجل تسجيل علي وسمر في مدرسة خاصة أو إبقائهما في المنزل وتلقي بعض التعليم من والدتهما، حتى “تفرج الأمور”، حسب قوله.

ونوّه الشاب إلى أن الطفل علي يُفترض أن يكون في الصف الثالث، لكنه تأخر عامًا عن الالتحاق سابقًا في صفوف الروضة، لعدم قدرة العائلة ماليًا، ما زاد عليه عامًا دراسيًا إضافيًا.

وتضع المدارس الحكومية والخاصة في لبنان شرطًا لقبول أي طالب ضمن الصف الأول، وهو أن ينهي دراسة في صف رياض أطفال واحد كحد أدنى، من بين صفوف رياض الأطفال التي تبدأ من روضة أولى بعمر ثلاث سنوات، وروضة ثانية بعمر أربع، وثالثة بعمر خمس سنوات.

دوامة أوراق

يتجنب كثير من السوريين تسجيل أطفالهم في مدارس حكومية، لأن الأوراق المطلوبة بداية التسجيل كثيرة وغير متوفرة، منها تسوية الإقامة وأوراق أخرى يصعب تأمينها، وكل عام تتدخل المنظمات الإنسانية للضغط على وزارة التربية لتجاوزها.

وقبل بدء العام الدراسي، تظهر حملات كراهية وعنصرية بحق الطلبة السوريين في لبنان، تقودها صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها لافتات في الطرقات مفادها أن “السوريين احتلوا المدارس اللبنانية”، ويغذيها جو سياسي عام يريد عودة السوريين إلى بلادهم.

وزير التربية والتعليم، عباس الحلبي، استغرب عبر بيان، في 12 من أيلول الحالي، اتهام الوزارة بالعنصرية واللاإنسانية لجهة التدابير المتعلقة بتسجيل “النازحين” في المدارس الرسمية والوثائق المطلوبة منهم، وقال إنه مقتنع بحق كل تلميذ موجود على الأراضي اللبنانية بالوصول إلى التعليم الجيد، وإن الأوراق المطلوبة هي استنادًا إلى النصوص القانونية في التسجيل.

وتساءل الحلبي، أين هي العنصرية واللاإنسانية في تعليم النازحين، وهل حالت هذه العنصرية المزعومة دون تطور عدد “النازحين” في المدارس الرسمية في عهده لتصل إلى 200 ألف، فيما كان قبله نحو 170 ألف “نازح”، وهو وزير للتربية منذ أيلول 2021.

وعرقلت وزارة التربية اللبنانية دخول الطلاب السوريين إلى المدارس من خلال منع الطلاب من إجراء الاختبارات المدرسية دون تقديم أوراق رسمية، ما أجبر عديدًا من العائلات السورية على دفع مبالغ تفوق قدرتها، والعودة إلى سوريا بظروف خطرة لاستخراج الوثائق الرسمية، بحسب تقرير صادر عن منظمة “هيومن رايتس ووتش” عام 2021.

وشهد العام الدراسي 2022- 2023 اضطرابات شتى أثرت على مسار التعليم طوال شهرين على الأقل، ما أثر على أكثر من 450 ألف طفل (من روضة الأطفال حتى الصف الثاني عشر)، وفق ما ذكرته منظمة “يونيسف” عبر بيان في 16 من آب الماضي.

وقالت المنظمة، إنه رغم الدعم الذي تقدمه، “تستمر الأزمة المالية في الاشتداد، ما يزيد خطر الاضطرابات التعليمية في العام الدراسي المقبل، خصوصًا في حال لم يحصل المدرّسون والموظفون في القطاع التربوي على أجور مناسبة تؤمّن لهم العيش الكريم”.

وقدّر مدير الأمن العام اللبناني السابق، عباس إبراهيم، عدد السوريين في لبنان بملونين و80 ألف سوري، في حين قدّر الرئيس اللبناني السابق، ميشال عون، عددهم بـ1.5 مليون، لكن مفوضية اللاجئين توثق 865 ألفًا و531 لاجئًا سوريًا في لبنان.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع