يلعب المثقفون دورًا مهمًا في رسم السياسات وقياس بوصلة المجتمعات، وتحفيز الناس على اتخاذ خطوات من شأنها تغيير حياتهم، ودفعهم لتبني مواقف سياسية واجتماعية واقتصادية.
تأتي هذه القدرة لدى المثقفين باعتبارهم يمتلكون أدوات الاستشراف والقراءة المتقدمة والوصول إلى المعلومات، بالإضافة إلى العلاقات العامة المبنية على المصلحة المشتركة والمتبادلة مع الفنانين ووسائل الإعلام والسياسيين وصنّاع القرار.
ورغم أهمية الثقافة (التي لا تعني بالضرورة فقط قراءة الأعمال الأدبية أو الاطلاع على أكبر كم ممكن من الكتب)، فإنها تعد سلاحًا ذا حدين أيضًا، وفق ما يوضحه كتاب “المثقفون المغالطون” للكاتب الفرنسي باسكال بونيفاس.
يحمل الكتاب الذي صدر للمرة الأولى بلغته الأم، الفرنسية، في عام 2011، نقدًا لاذعًا لعدد من المثقفين الفرنسيين، مع توجه وسائل الإعلام لمنح مساحة واسعة لهؤلاء المثقفين لبث آراء مغالطة، غرضها الأساس زرع مفاهيم خاطئة حول العرب والمسلمين والأعراق المختلفة، وهو ما يسهم في خلخلة النسيج المجتمعي وزيادة العنصرية و”الإسلاموفوبيا”.
قسّم بونيفاس كتابه الذي ترجمه عبد الرحمن مزيان ونشرته دار “الروافد الثقافية” في 2015، إلى جزأين، أوضح في الأول عدة نقاط تتعلق بدور الثقافة والمثقفين في فرنسا، ووسائل الإعلام التي تعطي مساحة عبر برامجها لأشخاص معينين لغرض خلق تصورات خاطئة ومفاهيم مغلوطة حول العالم العربي والجاليات الأجنبية في فرنسا.
يتحدث الكاتب عن هذه النقطة في أول أبواب الكتاب، وفيه شرح وافٍ عن دور المثقفين الفرنسيين في الحياة العامة بالبلاد، قبل الانتقال إلى أخطاء وسائل الإعلام في هذا المجال، مع باب آخر يدافع فيه عن الدين الإسلامي، ليس بوصفه دينًا لديه ملايين الأتباع، أو لحمله قيمًا أخلاقية معينة، بل من مبدأ غياب التوازن في التعاطي مع مسألة الإسلام بحد ذاته.
في الوقت نفسه، تطرق الكاتب في باب منفصل إلى كيفية خدمة هذه الشريحة من المثقفين ووسائل الإعلام وهذه التحركات أجندات إسرائيلية بالأساس، تهدف لتشويه صورة الوجود العربي والإسلامي في أوروبا، بحسب وجهة نظر المؤلف.
في الجزء الثاني من الكتاب المكون من 159 صفحة من القطع الكبير، تطرق الكاتب إلى أسماء بعينها، وإلى الأدوار التي تلعبها في مجال الثقافة وخلق “البروباغندا” وخدمة الحركة الصهيونية، ومنهم برنار ليفي، وكارولين فوريست، وتيريز ديليخ تابيدور، وأليكساندر أدلر.
واستشهد الكاتب في هذا الجزء بالمقالات والأحاديث المنشورة لهؤلاء المفكرين، ولقاءاتهم المصورة، بما في ذلك مقال نشره ليفي في عام 2010 بصحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، حمل عنوان “لماذا أدافع عن إسرائيل”، في ظل الهجمة الإعلامية التي تعرضت لها بعد هجومها على سفينة “مرمرة” التي هدفت لكسر الحصار عن قطاع غزة.
يشير الكتاب في النهاية إلى سطوة وقوة هؤلاء المثقفين ومدى صعوبة انتقادهم أو التعرض لهم، وهو ما يخالف واحدًا من أهم مبادئ فرنسا، حرية التعبير في بلد ديمقراطي أمر مضمون، لكنه عمليًا، وعلى الأقل وفق الكتاب، لا يبدو كذلك.
وسبق لبونيفاس، مؤلف الكتاب المولود في عام 1956، أن تولى إدارة معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، ويحمل درجة الدكتوراه في القانون الدولي العام من معهد الدراسات السياسية في باريس.
وسبق للكاتب أن أصدر عددًا من الكتب، منها “من يجرؤ على نقد إسرائيل” في 2004، و”تحديات العالم العربي” بالاشتراك مع المؤلف ديديه بيون في 2004، وكتاب “نحو الحرب العالمية الرابعة” في 2009.