كيف يتراجع نفوذ واشنطن في دول الشرق الأوسط
“فورين بوليسي”: نهاية الشرق الأوسط الأمريكي
نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية تقريرًا قالت فيه إن شكل الوجود الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط تغير بفعل التطورات الدولية وتصاعد نفوذ دول أخرى.
وحددت المجلة، في تقريرها الصادر الخميس 14 من أيلول، الركائز الأمريكية وعلاقاتها مع أربع دول هي مصر وتركيا والسعودية وإسرائيل.
ويوضح التقرير شبكة العلاقات المعقدة التي تمتلكها أمريكا مع الدول الأربع، وأسباب تغيّر هذه العلاقات خلال السنوات الأخيرة، رغم أهمية هذه التحالفات للواشنطن ولحلفائها.
كما يسلط الضوء على خيارات هذه الدول لخلق تحالفات مع قوى جديدة كروسيا والصين، وكيف سينعكس هذا الأمر على هذه الدول وعلى أمريكا نفسها.
1979.. بداية التغيير الأمريكي في المنطقة
دفع وصول روح الله علي الخميني، قائد “الثورة الإيرانية”، إلى طهران في عام 1979، واشنطن لتغير سياستها تجاه الشرق الأوسط ودول الخليج العربي الغنية بالنفط.
عقدت واشنطن حينها تحالفات متينة مع ما أسمته المجلة “أربع ركائز إقليمية متنوعة”، وعملت معها لاحتواء مشاكل المنطقة، حتى عندما تدخلت هذه الدول في مشاكل دول أخرى، كالسعودية في لبنان واليمن، أو إسرائيل واحتلالها للأراضي الفلسطينية، أو تركيا وتدخلها في سوريا والعراق.
ومع التغيرات السياسية في المنطقة التي بدأت منذ سقوط الاتحاد السوفييتي في عام 1991، وانهيار محادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بدأ شكل العلاقة بين واشنطن وحلفائها الأربعة بالتغير، وفق التقرير.
وتمثّل هذا التغير بسعي زعماء الدول الأربع لرسم مسارات سياسية واقتصادية تتجاهل مصالح أساسية لأمريكا، مع روسيا والصين والهند، سواءً بشكل علني أم سري، لاعتقادهم أن هذه القوى الجديدة ستوفر لهم بدائل مناسبة عن واشنطن.
وأشار التقرير إلى المباحثات المتلاحقة لزعماء هذه الدول مع بعضهم، واستكشاف سبل إحياء الدبلوماسية والاستثمار، ورغم هذه التحركات يجب النظر إليها بحذر، على اعتبار أن هذه الدول دخلت في صراعات سياسية وعسكرية كبيرة فيما بينها خلال السنوات العشر الماضية، سواء في ليبيا، أو في حصار قطر 2017، وترحيب السعودية بعودة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى الجامعة العربية.
وعمدت هذه الدول الأربع لاستخدام أشكال مختلفة من “القومية العدوانية”، وفي حين أقرّت إسرائيل قانون يهودية الدولة وتحرض على التطهير العرقي للفلسطينيين، عزز محمد بن سلمان من القومية السعودية المفرطة لتقليل تأثير المؤسسات الدينية في بلاده، وبناء هوية وطنية تتمحور حول شخصيته، بحسب التقرير.
وفي تركيا عمد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى إثارة نسخة من القومية التركية الممزوجة بالخطاب الديني التاريخي واستخدام الترهيب ضد الدول الغربية، فيما يوصف حكم الرئيس الحالي لمصر، عبد الفتاح السيسي بأنه الأكثر استبداية وكارثية في تاريخ مصر الحديث.
انهيار الاتحاد السوفييتي والنفط.. أساس تغيّر العلاقات
وفق التقرير، يوجد سببان رئيسيان لتغير شكل العلاقات بين الدول الأربع وأمريكا، هما سقوط الاتحاد السوفييتي والنفط.
شكل وجود الاتحاد السوفييتي، الركيزة الأساسية للدول الأربع للتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكن سقوطه في عام 1991، غير المعادلة بين هذه الأطراف، واكتسبت روسيا (وريث الاتحاد) علاقات أكثر دفئًا مع الدول التي كانت تنظر إليها كعدو مباشر، بحسب “فورين بوليسي”.
التقرير أشار إلى أن الركائز الأساسية لواشنطن في الشرق الأوسط، توقفت بالفعل عن التعاون معها بشأن أولوياتها الإقليمية، بل حاول السيسي تزويد روسيا بقذائف المدفعية خلال العام الماضي لمساعدتها في حربها ضد أوكرانيا، قبل أن تمنعه أمريكا.
فيما تخلى أردوغان عن النهج السياسي المتبع في بلاده بكونها تتبع للمحور الغربي، بصفتها عضوًا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتمتلك ثاني أكبر قوة عسكرية فيه.
وتمثل هذا التغير، بمعارضته العلنية لدخول السويد إلى الحلف، وعرقلة انضمامها رفقة فنلنلدا بالرغم من الخطر الروسي المحدق بالدولتين، وشرائه لمنظومة الدفاع الجوي الروسية “S-400″، وابتزازه لأوروبا في ملف اللاجئين السوريين لديه.
وأشار التقرير إلى أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يمتلك علاقات أكثر دفئًا مع قادة الدول الأربع، بالمقارنة مع علاقاتهم مع الرئيس الأمريكي، جو بايدن.
وتغيرت العلاقة أيضًا بين السعودية وأمريكا بسبب تغير الدور الذي يلعبه النفط، وهو الأساس الذي جمع الطرفين بعد الحرب العالمية الثانية، عبر معادلة “النفط مقابل الحماية العسكرية”.
ظهور القوى الجديدة على الساحة الدولية، الهند والصين وروسيا، التي تمتلك بدورها مصالح اقتصادية في منطقة الخليج العربي، أدى إلى تأسيس علاقات اقتصادية وتجارية معقدة، ومن الطبيعي بحسب التقرير أن يأتي النشاط الاقتصادي المتزايد، بالمكانة السياسية والعسكرية.
وضرب التقرير مثالًا باتفاق كل من إيران والسعودية، إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما في آذار الماضي، برعاية صينية، رغم أن معظم المفاوضات جرت بشكل سري في العراق والأردن.
ولم تظهر الصين في صورة الاتفاق سوى في المشهد الأخير، لتحصل على الفضل بالاتفاق أمام الولايات المتحدة التي لم يكن بإمكانها سوى مباركة الاتفاق، وبالتالي سعت لإنجاز اتفاق مشابه بين السعودية وإسرائيل.
هذه التفاصيل كلها التي ذكرها التقرير، لا تعني أن الولايات المتحدة خسرت نفوذها بالكامل في المنطقة، إذ لن تتمكن أي دولة من الدول الصاعدة تقويض التفوق الأمريكي الاستراتيجي والاقتصادي والتقني في المنطقة، ولكن على واشنطن أن توضح لحلفائها أن هذا التقارب لن يمرّ بدون عواقب.
وسبق للسعودية أن اشترت صواريخ متوسطة المدى من الصين في الثمانينيات من القرن الـ20، كما تتفاوض مع بكين حاليًا لإنشاء محطة نووية وفق ما نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية في آب الماضي.
ودعا التقرير واشنطن إلى إعادة تقييم علاقاتها مع الدول الأربع في سياق الحد من وجودها العسكري في المنطقة، وأن تدافع عن مصالحها في الخليج من خلال القاعدة العسكرية البحرية في مملكة البحرين، مقر الأسطول الخامس الأمريكي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :