انتهت، في 9 من أيلول الحالي، العمليات العسكرية في قرى من ريف دير الزور الشمالي والشرقي بعد نحو أسبوعين من المواجهات المسلحة بين عشائر المنطقة و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بحسب ما أعلنته الأخيرة عبر موقعها الرسمي.
وبينما انطلقت المواجهات العسكرية على خلفية اعتقال “قسد” قائد “مجلس دير الزور العسكري” التابع لها، أحمد الخبيل (أبو خولة)، اختفى “المجلس” عن الساحة العسكرية، تاركًا الواجهة لأحد شيوخ عشيرة “العكيدات”، إبراهيم الهفل، الذي اختفى بدوره عن المشهد بعد سيطرة “قسد” على مسقط رأسه بلدة ذيبان شرقي دير الزور.
وتتهم “قسد” الهفل بأنه مدعوم من النظام السوري، بينما تحاول وسائل إعلام معارضة الترويج له على أنه قائد انتفاضة عشائرية ضد انتهاكات “قسد” شرقي دير الزور.
أين ابراهيم الهفل؟
في أول ظهور لمظلوم عبدي عبر قناة “المشهد” (مقرها الإمارات)، قال إنه دعا شيخ قبيلة “العكيدات”، إبراهيم الهفل، للجلوس والتفاوض، وحل المشكلات العالقة، لكن الأخير لم يستجب للدعوة.
وكرر روايته نفسها في حديثه لموقع “المونيتور” الأمريكي، رغم أن الرواية التي نشرتها “قسد” عبر موقعها الرسمي حول الهفل اختلفت جذريًا، إذ وصفت في بيان رسمي إبراهيم الهفل بـ”رأس الفتنة”، وذكرت أنه مطلوب لقواتها لـ”تسببه بإراقة دماء مقاتلينا وأهلنا وتشريد المدنيين، وتخريب المؤسسات الخدمية المدنية، وتزعم محاولات إشعال الفتنة بناء على أوامر من جهات خارجية”.
وخلال حديثه لـ”المونيتور” قال عبدي، إن الهفل عاد إلى جانب النظام حيث يقيم عادة، بعد دخول “قسد” إلى بلدة ذيبان (مسقط رأسه)، مشيرًا إلى أن أهل البلدة لم يغادروها ولا يزال الحوار مستمرًا مع القبائل جميعها وشيوخها.
وتتهم “قسد” الهفل بأنه مدعوم من النظام السوري وإيران، بينما تروّج وسائل إعلام معارضة للنظام و”قسد” على أنه قائد لانتفاضة عشائرية ضد “قسد” في دير الزور.
وحاولت عنب بلدي التواصل مع الهفل، عبر وسيط، للسؤال عن نقطة تبعيته للنظام السوري، إلا أنه رفض الإجابة لأسباب أمنية، “كونه يقيم مع أقاربه في مناطق النظام السوري”.
وأكد مصدران عسكريان من قوات “الدفاع الوطني” الرديفة لقوات النظام السوري، أن الهفل موجود اليوم في بلدة محكان التي يسيطر عليها النظام غرب نهر الفرات، بينما تنفي حسابات إخبارية محلية المعلومات المذكورة، وتتحدث عن أن الهفل لا يزال شرق النهر.
ووسط ضبابية المعلومات عن مصير أو موقع الهفل، خرج في تسجيل صوتي، في 13 من أيلول الحالي، يتحدث فيه عن استمرار “المقاومة العشائرية” التي تحمل مشروعًا سياسيًا لإدارة المنطقة، دون التطرق إلى الاتهامات التي وجهتها له “قسد” بالتبعية للنظام السوري، والاستقرار في مناطق سيطرته.
هل تدخّل النظام في حراك دير الزور؟
الباحث في مركز “جسور للدراسات” أنس شواخ قال لعنب بلدي، إن الحديث عن تبعية الهفل للنظام السوري أو مكان وجوده اليوم مجرد فرضيات لا يمكن نسفها أو تأكيدها.
وأضاف الباحث المتخصص في شؤون شرق الفرات أن النظام السوري يحاول استغلال المشهد، إذ يتحدث عن أي احتجاجات أو تحركات في المنطقة على أنها معارضة لأمريكا، صاحبة النفوذ في المنطقة، وحليفتها المحلية “قسد”.
ويحاول النظام استغلال الميليشيات الموالية له في المنطقة كميليشيا “أسود العشائر” التي أسسها المعارض السابق، وأحد وجهاء قبيلة “البكارة” نواف البشير، التي لطالما حاولت تصوير نفسها على أنها داعمة للاحتجاجات.
شقيق الشيخ إبراهيم الهفل مصعب الهفل (يقيم في قطر)، نفى لقناة “الجزيرة” القطرية وجود أي علاقة لحراك العشائر العربية بالنظام السوري أو إيران، مشيرًا إلى أن تحرك العشائر جاء للمطالبة بحقوقها وكف يد “قسد” عن ممارساتها في المنطقة.
المواجهات العسكرية التي شهدها ريف حلب الشرقي نصرة لعشائر دير الزور، هوجمت فيها مواقع عسكرية تتبع لقوات النظام، بحسب شواخ، والتي تتهمها “قسد” بدعم تحركات العشائر في دير الزور.
وأضاف شواخ أن الهجمات لم يكن يقصد بها النظام السوري، لكن الأخير استُهدف نظرًا إلى وجوده في مواقع عسكرية مشتركة إلى جانب “قسد” شرقي حلب، التي شُنت العملية العسكرية ضدها في المنطقة.
ويرى الباحث أن تدخل النظام أو إيران في هذه المواجهات كان سيجبر التحالف الدولي على التحرك ضدها في المنطقة باعتباره صاحب النفوذ شرق الفرات.
ملامح استثمار
في 15 من تموز الماضي، تزامنًا مع تعزيزات عسكرية غير مسبوقة لـ”قسد” نحو المنطقة الفاصلة بين مناطق سيطرة النظام وإيران، ومناطق النفوذ الأمريكي على ضفتي نهر الفرات شرقي دير الزور، استعرضت عشائر موالية للنظام بحضور روسي قواتها العسكرية في المنطقة.
وقالت وكالة “سبوتنيك” الروسية، إن أبناء العشائر “استعرضوا قواتهم الرديفة وتشكيلات قوات (الدفاع الوطني) في المحافظة”، وأرفقت خبرها بصور لجنود روس من داخل الاستعراض نفسه.
وجاء الاستعراض العسكري حينها تزامنًا مع الترويج لفرضية أن حشود “قسد” تأتي تمهيدًا لعملية أمريكية مقبلة باتجاه مناطق سيطرة النظام السوري غرب النهر، لكن هذه الحشود تحولت لاحقًا لصد جبهة قتال داخلية استهدفت “مجلس دير الزور العسكري” ومقاتلين من عشائر المنطقة.
وسرعان ما بدأت المواجهات العسكرية بين “قسد” وعشائر المنطقة الداعمة لـ”مجلس دير الزور العسكري” حتى خرج نوّاف البشير (من شيوخ قبيلة العكيدات) المدعوم إيرانيًا، لإبداء دعمه للانتفاضة القبيلة بدير الزور.
البشير قال لصحيفة “الوطن” المقربة من النظام (مقرها دمشق)، عقب يومين على بداية المواجهات، إن “انتفاضة العشائر لن تتوقف حتى تحقيق أهدافها بطرد الغرباء من أكراد جبل قنديل ومن يدعمهم من الأراضي السورية مؤكدًا أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد تطهير كامل ريف دير الزور من هؤلاء”.
المواجهات منذ البداية
المواجهات المسلحة في دير الزور نشبت على خلفية اعتقال “قسد” قائد “المجلس العسكري”، أحمد الخبيل (الملقب بـ”أبو خولة”)، في 27 من آب الماضي، ما أسفر عن تحالف عشائر من المنطقة مع مقاتلي “المجلس”، وبدأت اشتباكات عسكرية وُصفت بـ”العنيفة” في بعض قرى وبلدات دير الزور خرجت عن سيطرة “قسد” بالكامل، ثم عاودت “قسد” احتواء التوتر فيها.
خلال اللحظات الأولى لاعتقال “أبو خولة”، أعلنت “قسد” عن إطلاق حملة أمنية حملت اسم “تعزيز الأمن”، وشملت مناطق شرق الفرات بالكامل، دون الإشارة إلى علاقة “مجلس دير الزور” فيها.
ومع خروج قضية اعتقال قائد “مجلس دير الزور العسكري” عن السيطرة، وتسرب خبر اعتقاله عبر أشقائه، تحولت الأحداث إلى رد فعل عنيف في دير الزور، ما طوّر رواية “قسد” عن الأحداث إلى أنها حملة تستهدف تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وبينما كانت تنتشر التسجيلات المصورة، وبيانات تضامن العشائر مع بلدة العزبة شمالي دير الزور بسبب حصارها من قبل “قسد”، كانت الأخيرة تتحدث عن أن حملتها الأمنية نفسها تطورت لتشمل “خارجين عن القانون، وتجار مخدرات، وخلايا من تنظيم (الدولة)، وبإشراف من التحالف الدولي”.
وفي مساء 31 من آب الماضي، تطورت الرواية مجددًا، إذ حمّلت “قسد” مسؤولية الأحداث في المنطقة للنظام السوري، وجاء في بيان رسمي نشرته عبر موقعها الرسمي، أن قواتها “تتخذ إجراءات إضافية لملاحقة مجموعات مسلحة تسللت إلى قرى في الريف الشرقي لدير الزور من الضفة الغربية لنهر الفرات، وبدأت بالتحشيد للهجوم على قواتنا في قرى الريف الشرقي”، مشيرة إلى أن النظام هو من أرسلها.
–