شهدت مدينة إدلب شمال غربي سوريا عودة سيدات إلى مقاعد الدراسة، وتقديم امتحانات شهادتي التعليم الأساسي والثانوية العامة، بعد انقطاع لسنوات.
وشكل قرار عودتهن تحديًا كبيرًا، فالعقبات كثيرة أمام زوجات وأمهات لديهن أعباء ومسؤوليات، وكان ضيق الوقت وانخراط بعضهن في أعمال لتأمين مردود مادي أبرز العقبات.
دراسة وعمل
سهام بدوي (26 عامًا) مهجرة من جوبر إلى الشمال السوري، قالت إنها حصلت على شهادة التعليم الأساسي بعد انقطاعها لسنوات عن الدراسة، لافتة إلى أن ما دفعها إلى العودة، الرغبة في تغيير نمط حياتها وظروف التهجير.
وأوضحت السيدة، وهي والدة لطفلين، أن صعوبات كبيرة واجهتها، منها انشغالها بتربية الطفلين ومتابعة مشروع عملها الصغير (الخياطة) في بلدة الفوعة بريف إدلب، لمساعدة زوجها في المصروف.
تلقت السيدة دورات تقوية لبعض المواد في معهد يقدم دورات مجانية في الفوعة، وذكرت أنها حاولت تقسيم يومها على ثلاث فترات، الأولى للدراسة، والثانية للعمل، والأخيرة لمتابعة الأطفال وشؤون المنزل.
وأضافت لعنب بلدي أنها نجحت رغم الضغوطات، وستواصل مشوارها حتى الحصول على شهادة جامعية قائلة، “التعليم ضروري لكل سيدة، فالشهادة يمكن أن تؤمّن لي وظيفة، كما أني سعيدة في أن أكون قدوة لأطفالي، ومستمرة بدراستي بتشجيع زوجي”.
دورات “أونلاين” ومدفوعة
معظم السيدات اللواتي قررن العودة إلى الدراسة كن متأهبات لمواجهة الصعوبات، التي تمحورت حول صعوبة الالتزام بحضور الدورات والموازنة بين البيت والعائلة والدراسة.
وشكلت الحالة المادية المتردية تحديات إضافية لبعض السيدات، بينما استطاعت أخريات تخطيها عبر دورات “أونلاين” ومعاهد مجانية.
واستطاعت فاديا الناكف (23 عامًا) وهي مهجرة من ريف دمشق، وتقيم في إدلب، أن تحجز مقعدًا لدراسة الصف التاسع الأساسي في منصة “مسارات” وهي مبادرة تعليمية عن بعد تتيح لطلاب الشهادتين متابعة دروس المواد جميعها، ويقدمها معلمون مختصون، ويجري التسجيل بها عبر تطبيق خاص لتكون متاحة للمشتركين في أي وقت.
قالت فاديا لعنب بلدي، إن هذه الآلية ساعدتها على متابعة وفهم الدروس وهي في بيتها وبين أطفالها، مضيفة أن قرار العودة إلى الدراسة أمر صعب، لكن الوسط المحيط بها من جارات عُدن إلى الدراسة كان حافزًا لها.
نور الهدى، سيدة ثلاثينية من ريف إدلب، حصلت على شهادة الثانوية بعد انقطاعها عن التعليم لما يزيد على عشر سنوات، قالت إنها ادخرت مبلغًا خلال الصيف الماضي وسخرته لأجور معلمات كانت تتابع لديهن المنهاج التعليمي.
وأضافت السيدة لعنب بلدي أنها وفرت المبلغ من مصروفها الشخصي الذي كانت تأخذه من زوجها، موضحة أنها “فضلت حضور دورات تعليمية بدلًا من إنفاق المال على احتياجات أخرى كالملابس”.
لا إحصائيات
لا توفر وزارة التربية والتعليم في حكومة “الإنقاذ” بإدلب إحصائيات مستقلة عن أعداد الطالبات المتزوجات أو اللواتي أنجبن أطفالًا، وتقدمن لامتحان شهادتي التعليم الأساسي والثانوي، وبحسب الوزارة، فإن النسبة ليست قليلة وترتفع من عام لآخر.
وينشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورًا وتسجيلات مصورة لفرحة سيدات بعد نجاحهن في إحدى الشهادتين، وتلقى رواجًا كبيرًا، حيث تبدي السيدات إصرارهن على مواصلة تعليمهن.
وفي معظم الحالات، تواصل السيدات طريقهن في رحلة التعليم، وبعد حصولهن على شهادتي التعليم الأساسي والثانوية العامة يمضين نحو الجامعات في رحلة أصعب من حيث المدة والتكاليف.
وشهدت مقاعد الدراسة في الشمال السوري عودة آباء وأجداد انقطعوا عن الدراسة لعقود، وقال مدير مديرية التربية والتعليم في إدلب، أحمد الحسين، في تصريح لعنب بلدي، إن عدد الطالبات والطلاب المسجلين لامتحانات العام 2023 لشهادتي التعليم الأساسي والثانوي بلغ حوالي 47 ألف طالب وطالبة، من تعليم عام وشرعي للأساسي، وعلمي وأدبي وشرعي ومهني للثانوي، في حزيران الماضي.
وانخرطت سيدات شمال غربي سوريا في مهن مرهقة وخطرة، بغية تأمين حاجاتهن المتعددة، وسط ارتفاع الأسعار وقلة الأجور.
وتلجأ بعض النساء، خصوصًا من المقيمات في مخيمات النازحين بالشمال، إلى أعمال تُعرف محليًا بأنها من تخصص الرجال، أو إلى أنشطة محفوفة بالخطر، كالبحث بين أكوام القمامة عن البلاستيك، مع انتشار المقذوفات غير المنفجرة من مخلفات الحرب.
–