زيارة عبد اللهيان.. إيران حاضرة في فوضى النظام السوري
عنب بلدي – حسام المحمود
حملت زيارة وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إلى سوريا، في 30 و31 من آب الماضي، مجموعة من الدلالات بالنظر إلى السياق الزمني الذي أتت به، والأوضاع الميدانية في الأراضي السورية ككل.
وفي 31 من آب، التقى عبد اللهيان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في دمشق، وبحث الجانبان الجهود المتعلقة بعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، إضافة إلى موضوع الانسحاب التركي من الأراضي السورية، وحتمية حصوله كشرط لا بد منه لعودة العلاقات الطبيعية بين دمشق وأنقرة.
وأشار الأسد حينها إلى أن العلاقات السليمة بين إيران والدول العربية تسهم في استقرار المنطقة وازدهارها.
من جانبه، أوضح عبد اللهيان أنه ناقش خلال لقائه نظيره فيصل المقداد، ورئيس الحكومة، حسين عرنوس، مسار تنفيذ الاتفاقيات بين البلدين خلال زيارة الرئيس الإيراني السابقة إلى دمشق، كما جرى التأكيد على ضرورة متابعة وتنفيذ الاتفاقيات التي تم التوصل إليها بدقة، وفق ما نقلته وكالة أنباء “فارس”.
هذه الزيارة سبقتها، في 30 من تموز الماضي، أخرى أجراها المقداد إلى إيران، وإلى جانب السياسة حملت بعدًا اقتصاديًا، ترجمه حضور مسؤولين آخرين من حكومة النظام، ومنهم وزير الاقتصاد.
كما أن عبد اللهيان زار السعودية قبل أسبوعين من توجهه إلى دمشق، في ظل وجود مؤشرات متضاربة حول طبيعة العلاقة بين المملكة والنظام السوري، بعد استقبالها الأسد في قمة جدة (19 من أيار الماضي)، والحديث عن تعطل مسار التطبيع العربي مع الأسد أمام غياب التجاوب المطلوب من قبل النظام.
الواقع غير مريح
إلى جانب ذلك، لا يشكل الواقع الميداني منطقة راحة للنظام أو الإيرانيين في سوريا، بالنظر إلى عملية أمريكية محتملة في شمال شرقي سوريا، على الخط الحدودي البري الفاصل بين العراق وسوريا، لقطع الطريق على الميليشيات الموالية لإيران.
هذه التحركات الأمريكية قرأها رئيس الوزراء العراقي الأسبق، نوري المالكي، على أن هناك أمرًا يُراد تنفيذه في سوريا، مشيرًا إلى إغلاق المجالات البرية والبحرية والجوية بوجه النظام السوري في وقت سابق، باستثناء العراق، ما مكن النظام من المقاومة.
إغلاق هذه الحدود برأي المالكي يعني استكمال الحصار، وتحريك الوضع في الجنوب، بالإضافة إلى الأوضاع في شمال غربي سوريا، وشرق الفرات، ما اعتبره نية لحركة ضد “الجمهورية السورية”، لتغيير أو إسقاط النظام.
في الوقت نفسه، تشهد المنطقة الجنوبية من سوريا، التي تتجه إليها الأنظار الإيرانية للتمركز على الحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، احتجاجات مطالبة بإسقاط النظام السوري.
الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، أوضح لعنب بلدي أن التحركات الأمريكية الأخيرة وتعزيز القدرات العسكرية لدى قوات الأسطول الخامس المنتشرة في البحرين، وصولًا إلى القوات البرية المنتشرة في كل من سوريا والعراق، مؤشرات على أن هناك مواجهة أمريكية حتمية مع إيران.
وبرأي النعيمي، فالهرولة الإيرانية السياسية والعسكرية والاقتصادية وتثبيت مديونية سوريا إلى إيران، تأتي بذات السياق، فربما تبحث إيران عن استثمار جميع الملفات بشكل متزامن، فعلى المستوى العسكري، تحلق طائرات “مهاجر 4” الإيرانية في سوريا، وتحدد أهدافًا جنوبي إدلب وفي جبل الزاوية.
وتصل إلى قاعدة “عين الأسد” في العراق إمدادات عسكرية وذخائر هجومية بأغلبيتها، في دلالة على مشهد جديد ربما يترقبه الجميع، فمن المحتمل استخدام القوة أو استخدام مسميات جديدة للاشتباك مع إيران، إذا عرقلت أي قافلة أمريكية مثلًا، كون المنطقة عالية السخونة، والولايات المتحدة تنتظر مسببات للاشتعال.
الباحث أشار إلى استمرار التحركات في الجنوب السوري، والقصف الإسرائيلي للمطارات السورية، واعتبر ذلك مؤشرات ورسائل تندرج في نفس السياق والتصعيد والاستراتيجية الأمريكية التي تتجه نحو خلق متغير جديد في المنطقة.
وبالنسبة لزيارة عبد اللهيان إلى بيروت قبل دمشق مباشرة، وإلى الرياض قبل أسبوعين من زيارته إلى سوريا، ربط النعيمي هذه التحركات برسم تهدئة في لبنان والسعودية لعودة العلاقات وماهيتها، وقد تكون عودة العلاقات بين السعودية وإيران محاولة لإجراء تهدئة مع الجانب السعودي تحاول في بعض محاورها إظهار بعض المرونة، بينما تستثمر أعلى درجات التصعيد مع جميع المكونات التي تعتبرها بؤر صراع.
تكريس للابتعاد عن العرب
يواصل النظام السوري تعميق علاقاته مع إيران، بما يتعارض مع المساعي العربية للحل السياسي في سوريا، وفق “المبادرة الأردنية” المدفوعة عربيًا، والتي تتناول بوضوح الحفاظ على الهوية العربية، وتقليص الحضور العسكري لإيران في سوريا، واستعادة ما استملكته من عقارات وأملاك في الأراضي السورية.
ورغم مضي النظام السوري صوريًا، عبر التصريحات النموذجية في طريق “المبادرة” التي دعمها بيان “قمة جدة”، وجاء اجتماع “لجنة الاتصال الوزارية العربية”، في 15 من آب الماضي، في السياق ذاته، لتحريك “الأزمة” باتجاه الحل الشامل، فإن ما يجري على الأرض يتعارض مع الوارد في المبادرة، على مختلف المستويات، لا سيما العلاقة مع الإيرانيين، وباعتراف رئيس النظام السوري، بشار الأسد، نفسه.
وفي حديث خاص أجراه مع قناة “سكاي نيوز عربية”، في 9 من آب الماضي، قال الأسد إن “العلاقة مع روسيا والعلاقة مع إيران أثبتت أن سوريا تعرف كيف تختار أصدقاءها بشكل صحيح”.
كما أقر الأسد بأن القصف الإسرائيلي لمواقع في سوريا تسيطر عليها قواته، تحت عنوان “الوجود الإيراني”، سيستمر طالما أن إسرائيل عدو، على حد قوله.
وفي خضم الغزل بطهران، اعتبر الأسد أن العلاقات العربية- العربية منذ تكوّن “وعيه السياسي” قبل أربعة عقود، هي علاقات “شكلية”.
وخلال استقباله الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في أيار الماضي، قال الأسد، “عندما شُنت حرب ظالمة ضد إيران في عام 1980 لمدة ثماني سنوات، سوريا لم تتردد بالوقوف إلى جانب إيران رغم التهديدات والمغريات في ذلك الوقت”، مشيرًا إلى أن إيران قامت بالمثل حين شُنت “الحرب” في سوريا، وزادت بتقديمها الدماء، وفق قوله.
كما وصف رئيس النظام السوري العلاقة مع إيران بأنها “غنية عن التعريف، غنية بالمضمون، غنية بالتجارب، وغنية بالرؤية التي كونتها”.
جاء ذلك بعد حديثه عن طبيعة العلاقة أيضًا مع إيران، حين أشار في مقابلة مع قناة “روسيا اليوم”، منتصف آذار الماضي، إلى أن الساحة السورية لم تعد مكان صراع إيراني- سعودي، كما كانت في بعض المراحل ومن قبل بعض الجهات.
“الحديث عن علاقة سورية- إيرانية يجب أن تنقطع، هذا الحديث لم يعد مثارًا مع سوريا منذ سنوات طويلة، أعتقد أن هناك تفهمًا لطبيعة هذه العلاقة”، أضاف الأسد.
كما تحدث عن “وفاء” بين سوريا وإيران عمره أربعة عقود، وهي الفكرة ذاتها التي جدد التأكيد عليها خلال استقباله رئيسي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :