من 2011 إلى السويداء.. إعلام السلطة بمواجهة الحراك

  • 2023/09/10
  • 1:28 م
الصحفي السوري علي عيد

الصحفي السوري علي عيد

علي عيد

عاد الإعلام الذي تديره السلطة في سوريا إلى توليد نفسه، والمناسبة هي الاندفاعة الثانية للثورة السورية التي بدأت بالسويداء في 20 من آب الماضي، بعد 13 عامًا من بداية الاندفاعة الأولى منتصف آذار 2011.

لا تتشابه ظروف الاندفاعتين، الاقتصادية والسياسية والديموغرافية، داخل سوريا وفي محيطها الإقليمي والدولي، لكنهما تحملان نفس المبررات التاريخية، وذات الخصم الداخلي متمثلًا بالدولة الأمنية ورئيسها.

عام 2011، شكّل النظام مجموعات إعلامية مهمتها التدرّج في الإنكار، ومواكبة العمل الأمني العسكري وتبريره، لقمع الحراك على امتداد رقعة البلاد، وجرى تنسيق عمل المجموعات بشكل متوازٍ ومنضبط مع الرواية الرسمية.

قُسّم العمل على مستويين، الأول إعلام “الدولة” في وكالة الأنباء “سانا” ومجموعة الصحف “تشرين، البعث، الثورة”، والقنوات التلفزيونية الرسمية، والثاني الإعلام الرديف، وتمثله وسائل إعلام مرتبطة بالسلطة اقتصاديًا ومنها صحيفة “الوطن” المملوكة بجزء كبير منها آنذاك لرجل الأعمال رامي مخلوف، ابن خال الرئيس بشار الأسد، وتلفزيون “الدنيا” المملوك لرجال أعمال بحصة غالبة لرجل الأعمال محمد حمشو، وهو واجهة اقتصادية لعائلة الأسد.

بين المستويين، شُكّلت جماعات وخلايا غير رسمية، مهمتها الإعلام الخارجي والظهور على القنوات التلفزيونية الفضائية، وتقديم روايات مختلفة لما يجري على الأرض، وكانت هذه المجموعات تتلقى أوامرها من مجموعة عمل مركزية تدير الإعلام بإشراف أمني، وبالتعاون مع مستشارين من دول وقوى حليفة، مثل لبنان وإيران.

يذكّر ظهور الجماعات الإعلامية الرديفة بعد انطلاق الاندفاعة الثانية في السويداء بما حصل في الاندفاعة الأولى، التي تركز ثقلها بداية في درعا قبل امتدادها إلى مختلف المناطق في وقت قصير، مع اختلاف محتوى الرواية التي يجري ترويجها للحفر تحت هذا الحراك وخلخلة أساساته، وصولًا إلى احتمال تكرار التجربة باستخدام الحل الأمني أو العسكري.

ما حصل خلال 13 عامًا أكسب الدّارسين والمراقبين لسياسات الإعلام والمحتوى قدرة على فهم وتحليل أدوات “البروباغندا” التي تستخدمها السلطة في شيطنة أي حراك ثوري أو حتى مطلبي على الأرض.

يجد الإعلام الرسمي والرديف صعوبة في إيجاد مبرراته للتمهيد لدور عنيف لـ”الدولة” في السويداء، والسبب هو أن رواية السلفيين والإرهابيين التعميمية السابقة لم تعد صالحة للاستخدام، أضف إلى الطبيعة الإثنية والدينية المختلفة، لكن رواية المؤامرة ستبقى صالحة، منطقيًا، لزحزحة القناعات، وتوسيع هامش المترددين، وما سرب في وثيقة عن مؤامرة خارجية بأدوات محلية في السويداء يشبه تمامًا “خطة بندر” التي جرى الترويج لها على نطاق واسع عام 2011.

الطبيعة المختلفة للاندفاعة الثانية لم تمنع الإعلام الرديف من البحث عن ثغرات والتركيز عليها، وهي العلم ذو الألوان الخمسة، والطرح الجدلي حول الدولة الدرزية أو الانفصال، ويساعد في الترويج لهذا الطرح اتساع الشريحة المؤدلجة داخل البلاد، والتي تتأثر بروايات الدور الإسرائيلي المحتمل.

إعلام النظام، وإن لم يكسب شعبية منذ 2011، إلا أنه استطاع تمرير روايات أسهمت في تنميط الحراك، ومع فتح أبواب السجون ومعابر البلاد لقوى متطرفة، باتت “البروباغندا” تحقق عائدًا لدى الأقليات الدينية، بمن فيها الموحدون الدروز في السويداء، واستُخدمت أدوات ثقافية بجانب الإعلام، ولم تعد قوى الحراك المدني قادرة على مجاراة عمل المجموعات الإسلامية التي دخلت في لعبة المصالح السياسية، وباتت مدعومة من الأطراف الدولية التي تتنصل منها وتحاربها إعلاميًا.

أذكر خلال عامي 2011 و2012، عمل خلية تصنيع الأخبار داخل وكالة “سانا” الرسمية، بل وأعرف تركيبة الخلية، وللمفارقة، فإن كثيرًا من الأخبار كانت تُصاغ صباحًا قبل مظاهرات يوم الجمعة، وكان ذلك اليوم تهمة كبيرة استغلتها الأدوات الإعلامية والثقافية التي استخدمتها السلطة، وقصة يوم الجمعة تشبه تمامًا قصة علم الدروز في الاندفاعة الجديدة، فليس العلم دليلًا بذاته، لكنه مدخل لروايات عن “حكم ذاتي” وتقسيم، ودولة درزية مدعومة إسرائيليًا، وصولًا إلى تخويف الجيران في درعا من أنهم سيكونون ضحية لمخطط الدولة الممتدة من جبل الشيخ إلى السويداء.

ليس مقال الرأي هذا نفيًا أو تأكيدًا للخطط أو الروايات، وإنما هو تفسير لمنهجية عمل الإعلام الرسمي وأدواته في سوريا، وهو ما قد يدفع لتوليد أفكار حول المتغيرات المقبلة.

قضية سوريا ليست قضية أعلام في عمقها، لكن جرى التركيز عليها إعلاميًا لتتحول إلى عامل فصل نفسي وأيديولوجي، فعلم الثورة اعتُمد بالأساس منذ عشرينيات القرن الماضي على فترات حتى قدوم “البعث”، وسمي علم الاستقلال، على الرغم من أن تبنيه بدأ منذ دستور زمن الانتداب، وهو أقدم من العلم الحالي الذي تستخدمه مناطق السلطة، منذ 1980، ورُفع كعلم للبلاد لثلاث سنوات بفترة الوحدة مع مصر.

يعتمد إعلام السلطة في سوريا على دحرجة الروايات، وهذا يعتمد على مستوى تنسيق عالٍ بين خطة الدولة الأمنية وأذرعها الإعلامية، وكل رواية يجري الترويج لها تكون مؤشرًا على ما يُراد فعله لاحقًا، حتى وإن حصلت موانع، كأن يكون هناك تهديد بردّ رادع من قوى دولية، وأدوات النظام لتخريب حراك السويداء قد تكون بشكل غير مباشر، سواء عبر جماعات تؤيده من نفس المنطقة، أو باستخدام أدوات ومجموعات يمكن التنصل منها رسميًا، ومنها تهديد تنظيم “الدولة”، كما حصل سابقًا في السويداء عام 2018.. وللحديث بقية.

مقالات متعلقة

  1. حراك السويداء.. مبادرة لتأسيس "مجلس سياسي" وتشكيك بنوايا النظام
  2. السويداء.. عودة الحلم السوري
  3. عام على حراك السويداء.. "ثالوث ثوري" وراء استمرار الاحتجاجات
  4. تشكيل "هيئة عامة" للحراك في السويداء.. ما أهدافها

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي