خطيب بدلة
أنت تقرأ عبارة “يا إخوان”، فيذهب تفكيرك إلى إحدى حالتين، الأولى شخص يخاطب جماعة من “الإخوان المسلمين”، التي أسسها حسن البنا في مصر سنة 1928، ردًا على تخلي الدولة التركية عن فكرة الخلافة، وإعلانها الجمهورية، سنة 1923، والثانية شخص يحكي مع أناس لا يعرفهم، فيقول لهم: يا إخوان، أي: أيها الإخوة.
في أيام الثمانينيات، صارت عبارة “يا إخوان”، بشقيها، مرعبة، لأن أجهزة الدولة، كلها، كانت مستنفرة لمحاربة الجناحين العسكري والمدني لجماعة “الإخوان المسلمين”، فإذا انزلق لسان أحد المواطنين وقال “يا إخوان”، بالغلط، سرعان ما ينبهه صديق له بغمزة، فيخاف، ويُنزل رأسه فجأة بين كتفيه، ويتلفت مثل كشاش حَمَام يتوقع نزول طائر غريب بين حماماته.
في تلك الأيام الرائعة، المُريعة، وقعت قصة يرفض العقل تصديقها لغرابتها، ملخصها أن حافلة تابعة لخطوط النقل الداخلي، تعمل على خط “المنشية- صلاح الدين”، كانت محشوة بالركاب، تعن وتئن تحت ثقلهم، وتطلق الدخان الأسود من مؤخرتها، في طلعة “الكرة الأرضية”، وإذا بعنصر مخابرات يصيح بالسائق: وقف ولاك! ترافقت صيحته مع حركة إخراجه المسدس من زناره، وتلقيمه، وتوجيهه إلى رأس السائق، مع إيعاز: وقف عندك، دَوّرْ، وامشِ معي إلى الفرع.
يمكن للسادة القراء أن يتخيلوا كيف بدأ قلب السائق يخفق، وساقاه ترتجفان، ويرتج لحمهما كما لو أنه سطح زبدية مملوءة بالمهلبية، وكيف تحامل على نفسه، وبدأ بتدوير الباص، ووجوه الركاب أصبحت مثل الشمع الأصفر من شدة الخوف، وسار بهم باتجاه فرع الأمن، وفي ساحة الفرع الخارجية، أوعز العنصر للسائق أن يبقي الأبواب مقفلة، ونزل من توه، متجهًا إلى مكتب رئيس الفرع، استأذن، ودخل، وأخبره أنه عثر على باص مملوء بـ”الإخوان المسلمين”. دهش رئيس الفرع وسأله: كيف عرفت؟ فقال إن الجابي كان يقول للركاب: اللي ما قطع بيليت يقطع يا إخوان!
اليوم، بعد أربعة عقود من الزمان، ما زال بعض الناس يقعون في مثل هذا الالتباس، ينخدعون بالعبارات المتشابهة باللفظ، فأنا، محسوبكم، حكيت عن طفل عمره ساعة، لم يرتكب بعد أي ذنب، وضعته أمه التي تخاف من الذبح أمام باب الجامع، وهربت، ونحن نحتقره، ونطلق عليه ألقابًا عديدة، من قبيل لقيط، وبندوق، وابن حرام، وابن متعة، وتدوم حالة العداء الاجتماعي لهذا الإنسان 70 أو 80 عامًا، مدى الحياة، فإذا كان إنسانًا محترمًا يهز واحد الناس رأسه ويقول بلغة توحي أنه فهيم: والله محترم، مع أنه ابن زنا! وإذا صدرت عنه أعمال خسيسة، يبتسم رجل آخر، ويقول: شيء طبيعي، لأنه ابن متعة! وقلت إن تسمية “ابن متعة” غير صحيحة، لأن البشر كلهم أبناء متعة، إذ لا يعقل أن يكون الأبوان في حالة خصام، ووجهاهما مقلوبان، ويتبادلان الشتائم، ويخلفان طفلًا، وهنا أمسكني أحدهم بالجرم المشهود، مثل عنصر الأمن الذي أخذ الباص إلى الفرع. ترك الأفكار الأساسية التي تتلخص في ضرورة رفع الظلم عن إنسان بريء، وصار يشرح لي، وبجدية تامة، كل ما يتعلق بزواج المتعة، عند إخواننا الشيعة!