القطاعات الأهم بيد الحلفاء وما تبقى لواجهات النظام
الاقتصاد السوري دون ملامح وخطط
عنب بلدي – يامن مغربي
تعيش سوريا أزمة اقتصادية ومعيشية حادة في ظل جمود بالملف السياسي، وغياب أي حلول اقتصادية بيد النظام السوري لتحسين الواقع المعيشي.
ولا تبدو حكومة النظام قادرة على تنفيذ خطوات تضمن تأهيل ما تبقى من مفاصل اقتصادية لم تسيطر عليها إيران وروسيا.
واقتصرت سياسات الحكومة على إنشاء وترخيص شركات واجهات اقتصادية من قبل رجال أعمال مقربين من النظام، بعقود تفتقد للشفافية والوضوح، وخصخصة شركات متعددة في قطاعات حيوية تمثل الثروة القومية لسوريا.
وفي ظل “اقتصاد الحرب” أو “الندرة” الذي تعيشه سوريا حاليًا، وانهيار المؤسسات الاقتصادية وهجرة رجال الأعمال ودمار البنى التحتية، وغموض المستقبل السياسي للبلاد، يبدو أن مستقبل الاقتصاد السوري ليس ضبابيًا فحسب، بل بلا ملامح أيضًا.
روسيا وإيران.. تكبيل لمستقبل الاقتصاد السوري
اندلعت الحرب العراقية- الإيرانية عام 1980، بعد عام واحد من وصول الخميني إلى سدة الحكم في إيران، وسرعان ما تحالف حافظ الأسد معه خلال الحرب ضد العراق، مشكّلًا حلفًا متينًا، حصد بشار الأسد نتائجه لاحقًا.
مع اندلاع الثورة السورية ضد الأسد في 2011، وقفت إيران ماليًا وعسكريًا إلى جانب حليفها، وتحديدًا مع انتشار رقعة العمليات العسكرية على الجغرافيا السورية.
لكن هذا الوقوف لم يكن بلا ثمن، والأمر ينطبق كذلك على حليف الأسد الثاني، روسيا، التي أدى تدخلها في 2015 إلى قلب الأمور ضد المعارضة وتفوق قوات النظام السوري على المعارضة واستعادتها مساحة كبيرة من الأرض فقدتها سابقًا.
الثمن المدفوع تمثل باتفاقيات طويلة المدى في قطاعات الكهرباء والفوسفات والمواني البحرية والمطارات والاتصالات.
ومن شأن هذه الاتفاقيات طويلة الأجل أن تكبّل الاقتصاد السوري خلال السنوات المقبلة، وفق الباحث الاقتصادي مرشد النايف، الذي أوضح لعنب بلدي أن كلًا من روسيا وإيران سعتا لاستغلال الثروات السورية لتعويض خسائرهما خلال السنوات الماضية من جهة، وتعزيز نفوذهما في المنطقة من جهة أخرى.
ويرتبط مستقبل الاقتصاد السوري بهذه الاتفاقيات ونفوذ الدولتين في البلاد، خاصة مع حجزهما موقعًا متقدمًا على أي جهة أخرى ترغب بالحصول على حصة في السوق السورية والمشاركة مستقبلًا بعملية إعادة الإعمار، وفق النايف.
أسماء الأسد وإعادة تشكيل الاقتصاد
يسعى النظام السوري لإعادة هيكلة الاقتصاد السوري المنهك بفعل العمليات العسكرية المستمرة منذ 2011، وتناقص موارد الدولة ونقص السلع والخدمات، وتزايد معدلات الفقر والبطالة وارتفاع نسبة التضخم، وانهيار قيمة الليرة السورية.
نفذ النظام بالفعل عدة خطوات في هذا الاتجاه، أولًا من خلال التعامل مع الاقتصاد السوري باعتباره “اقتصاد حرب”، مع رفع الدعم الحكومي عن السلع الأساسية وزيادة الضرائب على السلع والخدمات.
كما قرر النظام السوري بيع ما تبقى من موارد الدولة إما إلى حلفائه عبر عقود الاستثمار للقطاعات الحيوية، وإما عبر إنشاء شركات خاصة ومنحها عقودًا تشاركية لأصول الدولة المالية وشركاتها.
وعمليًا لا تتبع هذه الشركات كلها لرجال أعمال سوريين فقط، بل لأسماء الأسد زوجة رئيس النظام السوري، التي تملك حصة من هذه الشركات.
وأظهر تحقيق صحفي أجرته عنب بلدي، في 16 من تموز الماضي، إنشاء كل من بشار وأسماء الأسد شركة خاصة حصلت على عقود استثمار في قطاع الطيران ومطار “دمشق الدولي”، وحملت اسم “إيلوما”.
ويرى الباحث في الاقتصاد الدكتور فراس شعبو، في حديث لعنب بلدي، أن الاقتصاد السوري يشهد إعادة هيكلة لمصلحة وجوه جديدة وبقيادة أسماء الأسد، التي حيّدت شخصيات كانت على رأس الاقتصاد السوري، منها رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد.
وبدأت هذه التحركات عمليًا منذ إنشاء “الأمانة السورية للتنمية”، التي تنفذ المنظمات الدولية بعض مشاريعها الإنسانية عبرها في مناطق النظام السوري، وفق شعبو.
من جهته، قال الباحث الاقتصادي مرشد النايف لعنب بلدي، إن السمة البارزة للاقتصاد السوري أنه “اقتصاد زبائن”، لذا ليس مستغربًا أن يكون لأسماء الأسد دور استحواذي في هذا الاقتصاد كما كان رامي مخلوف سابقًا.
ويعني “اقتصاد الزبائن”، وفق النايف، استشراء فساد يدفع السوريين لتصديق رواية هيمنة أسماء الأسد عليه، خاصة مع منح صلاحيات واسعة لشركات تتبع لشخصيات مقربة منها، ومن خلال هذه الشركات، يمكن القول إن أسماء تتحكم بعديد من القطاعات، منها قطاع النفط عبر القاطرجي على سبيل المثال، كما قال النايف.
اقتصاد بلا ملامح
في ظل كل هذه الأزمات الاقتصادية، وتحركات النظام السوري في هذا القطاع، والعقود الاستثمارية لكل من روسيا وإيران، يبدو التساؤل حول الوضع الحالي والمستقبلي للاقتصاد السوري مشروعًا، خاصة أن تحديد الحكومات لشكل الاقتصاد يأتي وفقًا لأهداف محددة ترتبط بالأساس بموارد الدولة المتاحة وإمكانية تطويرها والاستفادة منها.
وفي ظل انهيار الاقتصاد السوري، ودمار البنى التحتية والاتفاقيات المكبلة له مع روسيا وإيران، من الصعب تحديد شكل الاقتصاد في سوريا خلال المرحلة المقبلة، سواء على المدى القصير أو المتوسط أو البعيد، وفق الباحثين الذين التقتهم عنب بلدي.
وأوضح الباحث في الاقتصاد الدكتور فراس شعبو، أن الاقتصاد السوري حاليًا هو “اقتصاد حرب”، ولا يملك النظام السوري رؤية واضحة لصورته المقبلة.
وفي حال استمر النظام السوري بالحكم، سيبقى اقتصاد سوريا تحت قبضة روسيا وإيران والأسد والشخصيات المقربة منه، وبالتالي يبقى اقتصاد أفراد لا مؤسسات، ولن يكون هناك تغيير كبير فيه.
وبالتالي وفق شعبو، سيكون اقتصادًا مجهولًا، ويمكن رؤية ذلك من خلال المؤشرات الحالية، من تراجع قيمة العملة السورية أمام الدولار الأمريكي والقدرة الاقتصادية المتداعية للنظام السوري، لذا فهو اقتصاد بلا ملامح ولا يمكن معرفة شكله المستقبلي وإلى أين سيصل.
وسيتحول الاقتصاد في حال حصل تغيير سياسي في البلاد إلى ما يُعرف بـ”اقتصاد البنى التحتية”، الذي يدعم الخطط التنموية والإنشاءات وإعادة الإعمار، وفق شعبو، الذي ربط هذا النوع من الاقتصاد بالجهة التي ستشكله من المعارضة والدول الداعمة لها.
ويذهب الباحث الاقتصادي مرشد النايف إلى أن الاقتصاد السوري بكل الأحوال مرتبط بالاتفاقيات طويلة المدى مع روسيا وإيران في قطاعات حيوية، وبالتالي سيبقى بعيدًا عن قواعد التحفيز والابتكار والنمو في القطاعات المختلفة، وسيبقى عاجزًا عن إحداث انتعاش من شأنه زرع أمل في حاضر ومستقبل البلاد.
لذا فالشكل المتوقع يعكس ويعبر بشكل واضح عن الجهات الفاعلة على الأرض في سوريا وعن الإرادة السياسية لها، وبالتالي لن يكون “بلا ملامح”، لكنها ملامح مظلمة، وستبقى كذلك بسبب دمار البنية التحتية والمؤسسات الاقتصادية وموارد الدولة، وإرهاق المواطنين السوريين وانخفاض المستوى المعيشي لهم، وفق النايف.
وفي 1 من أيار الماضي، أصدر مكتب الأمم المتحدة لشؤون المساعدات الإنسانية (أوتشا) تقريرًا فصّل فيه الأزمة الإنسانية في سوريا لعام 2023.
وبلغ عدد السوريين المحتاجين إلى مساعدات إنسانية 15.3 مليون شخص، بزيادة نسبتها 5% على عام 2022، وفق التقرير.
ثلاث مراحل للاقتصاد السوري
مر الاقتصاد السوري منذ عام 1958، الذي شهد الوحدة بين سوريا ومصر، بتحولات عدة بين الأشكال المختلفة للاقتصاد، تراوحت بين الاشتراكية وصولًا إلى “اقتصاد الحرب”.
قبل عام 1958، شهدت سوريا اقتصادًا حرًا وقطاعًا خاصًا وشركات ضخمة، منها الشركة الخماسية التي أنشأها خمسة من رجال الأعمال السوريين حينها.
أدت الوحدة إلى تأميم عشرات المنشآت الصناعية، والدخول في نظام اشتراكي أثار استياء واسعًا حينها، ومع الانقلاب العسكري الذي نفذه عبد الكريم النحلاوي عام 1961، لم يعد الاقتصاد السوري إلى سابق عهده، وفق ما ذكره المؤرخ السوري سامي مروان مبيض في كتابه “عبد الناصر والتأميم” الصادر في 2019.
كرّس وصول حزب “البعث” إلى السلطة في سوريا بانقلاب عسكري عام 1963 النظام الاقتصادي الاشتراكي، وعمل به حافظ الأسد إبان وصوله إلى السلطة عام 1971.
في أواخر عهد حافظ الأسد، بدأ عملية انفتاح اقتصادي بطيئة، وعقب وفاته وتولي بشار الأسد السلطة، اتبع ما أطلق عليه “نظام السوق الاجتماعي”.
ووفق الباحث في الاقتصاد الدكتور فراس شعبو، فهذا النظام الاقتصادي يقع ما بين النظامين الاشتراكي والرأسمالي.
وتعد هذه المرحلة هي الثانية من مراحل الاقتصاد السوري.
أما المرحلة الثالثة فهي التي بدأت مع اتباع النظام السوري الحل الأمني في مواجهة المظاهرات التي طالبت برحيله عام 2011، ثم خوض المعارك ضد فصائل عسكرية مسلحة معارضة له، ما أدى إلى استنزاف موارد الدولة وتحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد حرب، واتباع طرق جديدة للتعامل مع نقص الموارد والسلع.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :