د. أكرم خولاني
تُعد مرحلة البلوغ مرحلة عمرية عصيبة بالنسبة للمراهقين وذويهم، ويشكل تأخر البلوغ تحديًا أمام الأطفال وأمام أهلهم لما له من تأثيرات نفسية ومزاجية، خاصة عندما يرى الطفل أن كل زملائه من حوله في حالة نمو وتطور جسدي بينما لا تحدث لديه هذه التغيرات، ومن الطبيعي أن يشعر الأهل بالقلق أيضًا، لذا يُنصح بمراجعة الطبيب لتشخيص الحالة ومعرفة السبب والبدء بالعلاج المناسب.
ما المقصود بتأخر البلوغ
تأخر البلوغ (Delayed puberty) هو عدم بدء النضج الجنسي وغياب التغيرات الجسدية ببلوغ الطفل الذكر 14 عامًا أو ببلوغ الأنثى 13 عامًا، إذ إن العمر الطبيعي المعتاد لبدء البلوغ عند الذكور هو 9- 14 عامًا وللإناث هو 8- 13 عامًا، علمًا أن البلوغ لا يحدث بين عشية وضحاها، وإنما يكون عبارة عن عملية طويلة تمتد لسنوات.
ويكون تأخر البلوغ أكثر شيوعًا عند الذكور، ويُحدد بما يلي:
· عدم زيادة حجم الخصيتين مع بلوغ عمر 14 سنة.
· انقضاء أكثر من 4 سنوات بين بداية نمو الأعضاء التناسلية واكتمال نموها.
أما عند الإناث فيُحدد تأخر البلوغ بما يلي:
· عدم زيادة حجم الثديين مع بلوغ عمر 13 سنة.
· انقضاء أكثر من 3 سنوات بين بداية نمو الثديين وحدوث أول دورة طمثية.
· عدم حدوث الطمث مع بلوغ عمر 15 سنة.
ما مضاعفات تأخر البلوغ
قد يكون المراهقون الذين يتأخر بلوغهم أقصر من أقرانهم بشكل ملحوظ، ما قد يعرضهم للتنمر والسخرية، وهذا قد يؤدي إلى مشكلات نفسية للطفل، وفي مرحلة ما قد يصاب بالاكتئاب وينسحب من الأنشطة الاجتماعية.
ما أسباب تأخر البلوغ
في معظم الحالات، يكون تأخر البلوغ مجرد تباين طبيعي قد يكون ذا منشأ وراثي، وتسمى هذه الحالة تأخر النمو والبلوغ البنيوي (Constitutional delay)، ويكون معدل النمو لدى هؤلاء المراهقين طبيعيًا ويتمتعون بصحة جيدة، وعلى الرغم من تأخر طفرة النمو والبلوغ، فإنهما يحدثان لاحقًا بصورة طبيعية.
أما الأسباب المرضية لتأخر البلوغ فمتعددة، وأهمها:
- النحف الشديد الناجم عن الحميات القاسية أو التمارين الرياضية المفرطة أو اضطرابات سوء التغذية كالداء الزلاقي (سيلياك).
-
الداء السكري غير المضبوط بشكل جيد.
-
أدواء الأمعاء الالتهابية كداء كرون.
-
أمراض الكلى كالقصور الكلوي المزمن.
-
داء التليف الكيسي.
-
فقر الدم كالمنجلي والتلاسيميا.
-
التعرض للعلاج الشعاعي أو الكيماوي للسرطان.
-
اضطرابات المناعة الذاتية كالتهاب الغدة الدرقية بحسب هاشيموتو و داء أديسون.
-
الأورام القريبة من الغدة النخامية أو المنطقة تحت المهاد (هيبوتالاموس).
الشذوذات الصبغية مثل متلازمة تيرنر عند الإناث ومتلازمة كلاينفيلتر عند الذكور، وغيرها من الاضطرابات الجينية التي يمكن أن تؤثر في إنتاج الهرمونات الجنسية.
- اضطرابات الخصى عند الذكور: كالإصابات الرضية، مثل تلك الناجمة عن انفتال الخصية في وقت سابق، أو الخصية المعلقة، أو عدوى مثل النكاف.
اضطرابات المبايض عند الإناث: كسوء تطور المبيض الخلقي، ومتلازمة المبيض متعدد الكيسات، والأذيات التي تطال المبيض بشكل مباشر كالرضوض والأشعة.
كيف يتم التشخيص
يعتبر أطباء الغدد الصم لدى الأطفال الأكثر تأهيلًا وخبرة في تقييم تأخر البلوغ.
وللتشخيص يجب أن يأخذ الطبيب القصة السريرية، ويتحرى وجود قصة عائلية لتأخر بلوغ بنيوي، من ثم يجري فحصًا سريريًا شاملًا.
قد يكون العامل المُسبب لتأخر البلوغ واضحًا كما في الفشل المبيضي الناجم عن العلاج الإشعاعي الذي يسبق زراعة نخاع العظم أو الالتواء الخصوي ثنائي الجانب.
وقد يحتاج الأمر إلى إجراء بعض الفحوص الإضافية، وتشمل:
1- تحليل الدم، للتحري عن الحالات التالية:
تقييم مستوى الهرمونات الجنسية في الدم.
البحث عن بعض الأمراض المزمنة مثل السكري أو قصور الدرق.
قد يُطلب في بعض الحالات تحليل صبغي.
2- تحديد العمر العظمي: يجرى عبر التصوير بالأشعة السينية لليد والمعصم الأيسر، وعند وجود تأخر في العمر العظمي عن العمر الحقيقي مع عدم وجود سبب واضح لهذا التأخر فإن ذلك يثبت وجود تأخر نمو وبلوغ بنيوي.
3- الفحوص التصويرية: يُطلب تصوير بالأمواج فوق الصوتية للمبيضين لكشف وجود أي شذوذ في شكل المبيض أو كتل أو أورام ضمنه أو حوله.
وقد يطلب التصوير عبر الطبقي المحوري (CT) أو عبر الرنين المغناطيسي (MRI) لتحري وجود بعض الآفات والأورام في الغدة النخامية أو في الدماغ أو في الخصية.
ما طرق العلاج الممكنة
يعتمد علاج تأخر البلوغ على سببه في حال وجود مشكلة مستبطنة وراء ذلك، وعادة ما يعود النمو والبلوغ إلى نهجه الطبيعي بعد علاج المرض المسبب.
في حالات تأخر البلوغ البنيوي، فـإن طمأنة الأهل والطفل تكفي دون حاجة إلى أي علاج آخر، ولكن يُنصح بإعادة فحص هؤلاء المراهقين بشكل متكرر وبفاصل 6 أشهر بين الزيارة والأخرى للتأكد من أن علامات البلوغ قد بدأت بالظهور بشكل طبيعي.
قد يُعطى الذكور علاجًا بحقن التستوستيرون بمعدل حقنة واحدة في الشهر لمدة 4- 6 أشهر، حيث يساعد هرمون التستوستيرون بجرعات منخفضة على بدء حدوث البلوغ، ويساعد على تطور بعض السمات العضلية المذكرة، ولا يعوق وصول المراهقين إلى أكبر طول ممكن لهم.
وقد يبدأ الطبيب بإعطاء الطفلة جرعات منخفضة من الإستروجين، سواء بشكل حبوب عن طريق الفم أو لصاقات جلدية، وتزاد الجرعة كل 6 أشهر، وبعد مرور سنة إلى سنة ونصف يقوم الطبيب باستبدال البروجسترون بالإستروجين من أجل بدء الطمث والدورة الجنسية، وقد يكون من الضروري أحيانًا استخدام العلاج الهرموني المعيض على المدى الطويل، كما هي الحال عند الفتيات المصابات بمتلازمة تيرنر.