الدولار يتحكم بالأسعار
المضمضة والقلع بمواجهة فاتورة علاج الأسنان في سوريا
عنب بلدي – براءة خطاب
لم يقتصر ارتفاع الأسعار على المواد الغذائية وحاجيات المواطن الأساسية فحسب، بل طال الطبابة والقطاع الصحي عمومًا، وعلاج الأسنان خصوصًا.
وارتفعت تكاليف علاج الأسنان في مناطق سيطرة النظام، بالتزامن مع ارتفاع الأسعار، بعد الإعلان عن زيادة الرواتب بنسبة 100%، خلال آب الماضي.
وبينما أعلنت نقابة الصيادلة ارتفاع سعر الأدوية بنسبة 50%، ربط بعض الأطباء ارتفاع تكاليف علاج الأسنان بارتفاع أسعار المواد وصعوبة الحصول عليها أحيانًا.
الغلاء في قطاع طبابة الأسنان رافقه تردد المرضى محدودي الدخل، وبات كثير منهم يفضّلون قلع الضرس والاستغناء عنه بالكامل، نظرًا إلى ارتفاع تكلفة إعادة تصنيعه في المختبر، التي قد تصل إلى مليون ليرة للسن الواحدة مع اختلاف السعر من منطقة إلى أخرى.
لكل طبيب سعر مختلف
“لم أعد أكترث لأمر أسناني مهما شعرت بها من ألم، لعدم مقدرتي على تغطية التكاليف التي يطلبها الطبيب”.
بهذه العبارة لخصت شادية العبود، من قرية النعيمة شرقي درعا، المعاناة التي ترافقها مع آلام أسنانها، وقالت لعنب بلدي، إنها لا تستطيع التوجه إلى طبيب الأسنان في كل مرة تشعر فيها بالوجع، بسبب الفاتورة “الباهظة” التي يضعها الطبيب.
قبل نحو ثلاثة أشهر، توجهت شادية إلى أحد الأطباء في الحي الذي تسكنه لحفر وحشو إحدى أسنانها، لتتفاجأ بالتكلفة التي وصلت إلى نحو 100 ألف ليرة سورية.
وفي كل مرة تذهب إلى طبيب الأسنان، تجد أسعارًا جديدة، والمبرر الوحيد لدى الطبيب هو ارتفاع الدولار، بحسب ما قالته شادية.
حلول بديلة
قالت شادية، إن علاج الأسنان أصبح “لمن استطاع إليه سبيلًا”، في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، فقد باتت تعرض عن الذهاب إلى الطبيب بسبب التكلفة العالية، قائلة، “أكتفي بالمضمضة بالماء والملح أو تناول مسكنات للتخفيف من الألم”.
من جهته، تنقل بسام الكور بين عدة أطباء أسنان على أمل أن تتناسب الأسعار مع دخله الشهري، ومع كل زيارة يسأل بسام الطبيب عن أسباب ارتفاع التكاليف بهذا الشكل المبالغ به، لتصله الإجابة أنها بسبب ارتفاع أسعار المواد التي تتأثر بدورها بارتفاع الدولار.
يملك بسام بقالة صغيرة في أحد أحياء مدينة درعا، وقال لعنب بلدي، إن الذهاب إلى الطبيب أصبح “همًا كبيرًا”، جراء أسعار المعاينات التي تتجاوز قدرة الأهالي.
ويرى بسام المنحدر من مدينة درعا أن أغلبية أطباء الأسنان الماهرين هاجروا خارج البلاد، وبقي من يتخرج حديثًا أو الذي يستغل حاجة الأهالي لطبيب الأسنان، فيرفع الأسعار بالشكل الذي يلائمه، بالإضافة إلى عدم وجود رقابة على العيادات السنية.
ذهب بسام منذ شهر لتركيب جسر متحرك أمامي لأحد أبنائه، من أجل تصحيح مشكلات النطق ومخارج الحروف، ليتفاجأ بالتكلفة التي وصلت إلى نحو 300 ألف ليرة، وقال إنه لا يستطيع أن يطلب من أبنائه تحمل الألم، ولا بد من الذهاب إلى الطبيب في كل مرة يعاني أحد أفراد عائلته ألمًا في الأسنان.
الدولار يتحكم
يرتبط ارتفاع وانخفاض أسعار المواد الطبية بتقلبات الدولار، لأن المواد الأولية مستوردة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار معدات التصنيع والأجور وغيرها، بحسب ما قاله الطبيب هشام محاميد المنحدر من درعا لعنب بلدي، مضيفًا أن هناك صعوبة في تأمين مواد الحشوات والمخدر.
وبيّن محاميد وجود صراع بين الأطباء ونقابة الأسنان، “فهي تضع الأسعار دون الأخذ بعين الاعتبار نقص المواد المستوردة للعلاج”، مشيرًا إلى تراجع عملهم في السنوات الأخيرة، بسبب عدم قدرة الأهالي على دفع تكاليف العلاج.
وذكر الطبيب أن من المواد المستوردة التي تُستخدم في معالجة الأسنان الحشوات غالية الثمن، وهناك أربعة أنواع لها هي “البلاتينية” و”الزجاجية” و”الخزفية” و”الذهبية”، وجميعها تُستخدم في حال تسوس الأسنان للحفاظ على شكل السن وترميم السن المكسورة.
وتدخل مادة “الزرنيخ” في قتل عصب السن، وهي من المواد المستوردة، بالإضافة إلى المواد المصنعة لعجينة قياس الأسنان، وكل هذه المواد تختلف أسعارها مع اختلاف سعر الدولار، بحسب محاميد.
ويختلف سعر السن باختلاف المادة المصنوعة منها، إذ يتراوح سعر سن الخزف بين 300 و320 ألف ليرة سورية للسن الواحدة، والتلبيس بمادة “الزيركون” التجميلية من 400 ألف إلى 600 ألف ليرة، أما بالنسبة للزراعة، فتكلفة السن الواحدة قد تصل إلى مليونين ونصف المليون ليرة، وهذه الأسعار تختلف من منطقة إلى أخرى.
أما تكلفة سحب العصب فوصلت إلى 200 ألف ليرة، والقلع 70 ألف ليرة، في حين بلغت تكلفة تنظيف الأسنان ما يقارب 70 ألفًا.
ولا يوجد سعر محدد لكل معالجة لتأثرها بعدة عوامل، بحسب محاميد، “فحتى موقع العيادة، سواء في المدينة أو الريف، يؤثر على الأسعار”.
لا يغطيها التأمين
تيسير الفالوجي موظف في مؤسسة المياه صباحًا، ومحاسب في أحد محال الحلويات مساء، أوضح في حديثه لعنب بلدي، أن راتبه من العملين لا يتعدى 400 ألف ليرة شهريًا، وهو لا يغطي تكاليف إصلاح سن واحدة.
ويعتبر الصندوق الصحي التابع لمديرية المياه أن علاج الأسنان من العلاجات التجميلية التي لا تسددها الدولة للموظف، “وعندما يحدث لأحد أفراد عائلتي أي ألم في الأسنان، يساعدني أخي المغترب في مصاريف العلاج”، بحسب ما قاله تيسير لعنب بلدي.
وتشهد محافظات ومناطق عدة ضمن سيطرة النظام موجة من الاحتجاجات والانتقادات التي فجرها الواقع المعيشي والاقتصادي المتردي، لا سيما بعد رفع أجور العاملين بنسبة 100%، ورفع أسعار المحروقات في الوقت نفسه، ما أدى أيضًا إلى ارتفاع معظم أنواع السلع.
وسجلت سوريا المرتبة الثالثة عالميًا بمستوى التضخم بنسبة 238% على أساس سنوي، بعد كل من زيمبابوي وفنزويلا.
الرقم الجديد لمعدل التضخم الصادر في 10 من آب الماضي، جاء وفق “لوحة هانكي لقياس التضخم الاقتصادي” في عديد من البلدان وفق معايير محددة، دون الاعتماد على الإحصائيات الحكومية.
وتظهر اللوحة وفق معاييرها ارتفاع معدل التضخم في سوريا خلال سبعة أشهر بمعدل 100%، إذ سجل، في 23 من آذار الماضي، 111%، وجاءت سوريا في المرتبة الرابعة عالميًا بعد فنزويلا وزيمبابوي ولبنان.
ووفق البيانات، كان آخر تحديث رسمي لمعدل التضخم في سوريا في أيلول 2019، وبلغ حينها 34.50% على أساس سنوي.
وبحسب مؤشر “قاسيون” الاستثنائي التابع لحزب “الإرادة الشعبية”، ارتفعت تكاليف المعيشة في سوريا بنسبة 58.3% منذ بداية تموز الماضي حتى النصف الثاني من آب الماضي.
وبلغ متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد 10.3مليون ليرة سورية، وبلغ الحد الأدنى لأجر العامل نحو 185 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 12.6 دولار أمريكي شهريًا.
شارك بإعداد المادة مراسلة عنب بلدي في مدينة درعا سارة الأحمد
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :