لقاء المقداد وابن مبارك..
محاولة سعودية لسحب النظام من “التبعية” الإيرانية عبر اليمن
عنب بلدي – محمد فنصة
في لقاء يعد الأول من نوعه منذ 2011، التقى وزير الخارجية في حكومة النظام السوري، فيصل المقداد، مع وزير الخارجية اليمني في الحكومة المعترف بها دوليًا، أحمد بن مبارك، وتأتي غرابة اللقاء من عدم اعتراف دمشق بهذه الحكومة، وتعيين سفير لجماعة “الحوثيين”، المدعومة إيرانيًا، في السفارة اليمنية بالعاصمة.
والتقى المقداد ابن مبارك على هامش اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، الذي انعقد بالقاهرة، في 6 من أيلول الحالي، إذ استعرض الطرفان العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تعزيزها، ومستجدات الأوضاع في المنطقة، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء اليمنية (سبأ).
وتدعم السعودية الحكومة الشرعية باليمن التي يمثلها خارجيًا ابن مبارك ضد جماعة “الحوثيين” المدعومة من إيران، والتي تسيطر على عدة مدن رئيسة مثل العاصمة صنعاء، ما يثير التساؤل حول أسباب حدوث هذا اللقاء ومستقبله.
دفع سعودي
بدت الاعتراضات اليمنية على عودة أي علاقات مع النظام السوري جلية قبل عودته للمقعد السوري في الجامعة العربية، على الرغم من المساعي السعودية في هذا السياق، إذ نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية تقريرًا، في 12 من نيسان الماضي، أشارت فيه إلى أن خمسة أعضاء على الأقل في جامعة الدول العربية، من بينهم اليمن، رفضوا عودة النظام إلى الجامعة.
وأكد ابن مبارك لاحقًا صحة هذه التقارير، عبر تصريحاته في 27 من نيسان الماضي، بأن بلاده “كانت من الدول العربية القليلة جدًا التي عارضت تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في العام 2011″، “لكن مع ذلك، سلم النظام السوري سفارة اليمن في دمشق لميليشيا الحوثي الإرهابية، في مخالفة لكل المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة”.
وعن موقف اليمن من عودة النظام إلى الجامعة العربية، أكد الوزير اليمني حينها أن بلاده “تطرح بإلحاح معالجة هذا الأمر (السفارة وتعيين السفراء) من قبل النظام قبل إبداء موقفها النهائي”.
وأشار الوزير اليمني إلى أنه “سبق للحكومة اليمنية أن طرحت ما أقدم عليه النظام بشأن مقر سفارتها في دمشق عبر قنوات عدة”، مضيفًا أن “السوريين لم يردوا على ذلك”.
الباحث المتخصص بالشؤون الإيرانية محمود البازي، قال لعنب بلدي، إن الظروف والعوامل الخارجية هي ما دفعت الطرفين لعقد مثل هذا اللقاء، ويعتقد أن هذه الخطوة جاءت من الجانب اليمني “بضوء أخضر وإيعاز سعودي”.
وحول سبب هذا الدفع السعودي، أفاد البازي أن السعودية لا تزال مقتنعة بمسار “الخطوة بخطوة”، ولم تحكم عليه بالفشل المطلق بعد، ومن خلال هذه الخطوة يمكن الحديث عن “تسجيل هدف في مرمى الحوثي”، بحسب تعبير البازي.
أما حكومة النظام فقد وافقت على هذا اللقاء ليس من باب “المصلحة”، وإنما من باب أنه “لا ضرر فيه”، وفق رؤية الباحث.
ووصف المحلل السياسي اليمني نبيل البكيري، لعنب بلدي، هذا اللقاء بـ”الغريب” وخارج الأطر الدبلوماسية المتعارف عليها، لأن النظام السوري لا يعترف بالحكومة الشرعية اليمنية، ويقف بجانب “الميليشيات الحوثية” التي يعترف بها وسلمها مبنى السفارة اليمنية في العاصمة دمشق.
وأضاف المحلل السياسي أنه لا مصلحة لليمن بمثل هذا اللقاء، أما النظام فهو يحتاج إلى أي لقاء مع أي وزير خارجية عربي حتى يشعر المجتمع الدولي أنه كسر طوق العزلة المفروضة عليه عربيًا، وفق تعبير البكيري.
ولا يستبعد المحلل السياسي اليمني أن يكون اللقاء جاء “بإيعاز سعودي- إماراتي” لإشعار النظام أنهم قادرون على “إعادة دمجه في المنظومة العربية” من جهة، ومحاولة “سحبه من التبعية الإيرانية” من جهة أخرى، وهو ما يستبعد المحلل حدوثه في ظل السيطرة الإيرانية الكبيرة على القرار السياسي في دمشق.
وكان نائب وزير الخارجية السعودي، وليد الخريجي، صرح قبل لقائه المقداد في اجتماع الجامعة العربية بضرورة انسحاب القوات الأجنبية من سوريا لما تشكله من خطر على مستقبلها والمنطقة بكاملها، مضيفًا أن عودة سوريا إلى محيطها العربي ستسهم بشكل إيجابي في جهود حل “الأزمة” هناك وإعادة الاستقرار إلى سوريا والمنطقة.
تجاهل سوري
تجاهلت وزارة الخارجية السورية ذكر لقاء المقداد وابن مبارك عبر معرفاتها الرسمية، وكذلك الحال بالنسبة لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) ووسائل الإعلام المحلية المقربة من النظام.
وفي عددها الصادر في 7 من أيلول الحالي، اليوم التالي لعقد اجتماع الجامعة العربية، تحدثت صحيفة “الوطن” المحلية عن كلمة المقداد خلال الاجتماع بالقاهرة ولقائه برؤساء وفود الإمارات والسعودية وعُمان وموريتانيا وتونس، دون ذكر اجتماعه مع وزير الخارجية اليمني.
وعن أسباب هذا التجاهل الإعلامي، يرى الباحث المتخصص بالشؤون الإيرانية محمود البازي، أن الإعلام السوري المحلي لا يملك استراتيجية التعامل مع هذه الملفات.
ويعتقد الباحث أن اللقاء لم يُخطط له بشكل مسبق، وإنما جاء في أثناء الاجتماعات بالقاهرة، وعليه لم تستطع وسائل الإعلام المحلية أخذ الخطوط العريضة حول آلية تغطية الحدث، كما أن “التخبط” في موقف دمشق تجاه الدول العربية يفسر الموقف “الغامض” للنظام من التطبيع مع الدول العربية، إذ لا يوجد موقف رسمي واضح من مسار “الخطوة بخطوة” بشكل خاص، ولا عملية التطبيع العربية-السورية بشكل عام.
ويرى البازي أن دمشق لا تعد التقارب مع اليمن “منفعة خالصة”، لأن اليمن “غير مؤثر في القرارات العربية، وليست لديه الموارد الاقتصادية للتدخل في عملية إعادة إعمار سوريا”، وعليه فإن دمشق تنظر إلى اللقاء مع الحكومة اليمنية بأنه مفيد من جهة إيجاد موجة متدفقة من التطبيع وزيادة العلاقات بعد عزلة طويلة، وفق الباحث.
وحول أفق هذا اللقاء، يرى البازي أنه على المدى القصير لن يتعدى هذه المرحلة، أي مجرد “لقاء عابر”، لأن دمشق لها علاقات قوية مع “الحوثيين”، وهناك إشكاليات فيما يتعلق بالسفارة اليمنية في دمشق، لذلك فإنها لن تمضي قدمًا في هذا الملف بشكل مبدئي.
وبشكل مشابه، توقع المحلل السياسي اليمني نبيل البكيري ألا يترتب شيء عملي على هذا اللقاء، “نظرًا إلى تعقيد الأزمة اليمنية”.
وكان اليمن ضمن الدول العربية التي قاطعت النظام السوري دبلوماسيًا، بعد عام 2011، فيما زادت حالة القطيعة بين البلدين عقب تدخل التحالف بقيادة السعودية باليمن في آذار 2015، بعد وقوف النظام مع “الحوثيين”، وإقامته علاقة دبلوماسية مع جماعة “أنصار الله” (الحوثيون)، التي عيّنت سفيرًا لليمن بدمشق، في آذار 2016.
وعيّنت جماعة “الحوثيين” القيادي في حزب “البعث اليمني” (جناح سوريا)، نايف أحمد القانص، سفيرًا لها بدمشق، الذي شغل منصب نائب رئيس “اللجنة الثورية العليا”.
وفي تشرين الثاني 2020، أعلنت جماعة “الحوثيين” تعيين الإعلامي عبد الله علي صبري سفيرًا لها في دمشق خلفًا للقانص، لترد الحكومة اليمنية بإعلانها بدء ملاحقة ثلاثة من قيادات من الجماعة تتهمهم بـ”انتحال صفات دبلوماسية في إيران وسوريا”، منهم السفيران السابقان.
وقالت الخارجية اليمنية في بيان حينها، إن “السلطة القضائية شرعت باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لإصدار مذكرات اعتقال قهرية ضد الثلاثة المذكورين عبر (الإنتربول)”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :