خالد الجرعتلي | يامن مغربي | حسام المحمود
أمام المشكلات والمآسي التي يواجهها الشعب السوري، بدت هيئات وأجسام المعارضة السياسية كعنصر غائب عن الحدث، وبلا فاعلية، ما أضعف ثقة السوريين بأجسام المعارضة، وقلل من جاذبيتها والاعتماد عليها كممثل سياسي.
ملفات “العودة الطوعية” التي تدفع نحوها دول جوار سوريا، وحملات الترحيل، وعودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، وخطاب عنصري تمييزي يُستخدم ضد اللاجئين السوريين في بعض الدول، وصولًا إلى حوادث كراهية واعتداءات على أساس الهوية، كل هذه الملفات لم يتعدَّ حضور هيئات المعارضة فيها أكثر من بيانات قصيرة متأخرة لا تعالج مشكلة، ولا تقدم حلًا، وتخلو من المواجهة مع مسببي المشكلة ذاتها.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع محللين وباحثين، أسباب عجز المعارضة عن اقتناص أي فرص تصلح للاستغلال السياسي، وانشغالها بملفاتها الداخلية تزامنًا مع متغيرات كبيرة في الملف السوري على مختلف المستويات.
خلافات في غير وقتها
في 14 من آب الماضي، سُرّبت رسالة من نائبة رئيس “الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية”، ربا حبوش، أرسلتها عبر البريد الإلكتروني إلى أعضاء “الائتلاف”، انتقدت خلالها آليات التصويت المعتمدة لاختيار من يشغل منصب الرئاسة والهيئات الأخرى.
وسرعان ما تطورت الأحداث، إذ عقد “الائتلاف” اجتماعًا لمحاسبة حبوش، التي قالت إنها تعرضت لـ”تهديدات بالمحاسبة” من كتل سياسية داخل “الائتلاف”.
وقالت حبوش حينها لعنب بلدي، إن تغيير آلية التصويت “جزء صغير مما تطالب بتصحيحه في (الائتلاف) إلى جانب أعضاء آخرين”.
وشبهت حبوش في رسالتها آلية التفاوض في “الائتلاف” بالانتخابات في مناطق سيطرة النظام السوري، إذ تُجمع البطاقات الشخصية للمشاركين بالانتخابات من قبل شخص واحد، وينتخب عوضًا عنهم، دون استشارة صاحب البطاقة.
وفي 23 من آب الماضي، سُرّبت رسالة أخرى نُسبت لحبوش، تحققت عنب بلدي من صحتها، طالبت فيها بتغيير آليات التصويت وعقد اجتماعات “الائتلاف” بطريقة علنية، كمحاولة لبناء ثقة جديدة مع السوريين، وإصلاح الأخطاء والعثرات التي يعانيها.
تشي هذه التسريبات بخلافات عميقة بين أعضاء “الائتلاف” الذي يواجه انتقادات لفشله في مواكبة ثورة السوريين، وضعفه وانفصاله عن الواقع والناس، وتقصيره وأدائه غير المقنع في السياسة الدولية حيال الملف السوري، خصوصًا مع التغييرات المتسارعة منذ أيار الماضي تحديدًا، عند عودة الأسد لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية والإعلان عن “المبادرة الأردنية” للتطبيع مع النظام وفق مبدأ “خطوة بخطوة”، وصولًا إلى احتجاجات السويداء في جنوبي سوريا، والمعارك في دير الزور بين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) و”مجلس دير الزور العسكري” التابع لها.
خلافات على توزيع المناصب
الخلافات بين أعضاء “الائتلاف” ليست جديدة، ومنذ تأسيسه، في تشرين الثاني 2012، شهد مشكلات خرج بعضها إلى العلن، ومع التراجع الواضح لدوره السياسي، والانتقادات الموجهة إليه بارتباطه بالدول الداعمة له أكثر من ارتباطه بالثورة ذاتها، ومتطلبات السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وعدم قدرته على مواكبة التطورات السياسية المتلاحقة في الملف السوري، يبدو منطقيًا التساؤل عن أسباب الخلاف الحالي وتوقيته.
نائبة رئيس “الائتلاف”، ربا حبوش، قالت لعنب بلدي، إن الخلافات الأحدث في أروقة “الائتلاف” لا تتعلق فقط بعملية التصويت أو الانتخابات وحسب، بل بآلية العمل والطريقة التي تستحوذ فيها مجموعة معينة على المناصب وتوزعها فيما بينها، إلى جانب المحاصصات السياسية، وإيصال أشخاص غير قادرين أو غير راغبين بالعمل، وإقصاء من يختلف معهم بالرأي وتهميشه.
رئيس المكتب القانوني في “الهيئة العليا للمفاوضات” بين عامي 2016 و2017، وعضو وفد مفاوضات المعارضة السورية لعام 2014، حسام الحافظ، أوضح لعنب بلدي أن الخلافات المتراكمة في “الائتلاف” سببها “تدهور وضع (الائتلاف) من حيث البنية والنظام الداخلي”، وطريقة تعامل الأعضاء مع بعضهم ومع الهيئة السياسية، إلى جانب الاعتماد على التوجيهات القادمة من الدول الداعمة.
يتكون “الائتلاف” من خمسة مجالس، هي “مجلس تمثيل المحافظات” (تسعة ممثلين)، و”المجلس التركماني” (تسعة ممثلين)، و”المجلس الوطني الكردي” (11 ممثلًا)، و”مجلس القبائل والعشائر السورية” (خمسة ممثلين)، ومجالس محلية للشمال السوري (ستة ممثلين).
وهناك تياران سياسيان، هما “الوطني السوري” ويمثله عضوان أحدهما رئيس “هيئة التفاوض”، بدر جاموس، وتيار “المستقبل الوطني” ويمثله عضوان أيضًا.
وإلى جانب 15 شخصية مستقلة (منها ربا حبوش وهادي البحرة)، هناك المنظمة “الآشورية” ولها ممثلان، و”رابطة المستقلين الكرد” بثلاثة ممثلين، وجماعة “الإخوان المسلمين” بممثلين، فيما للتمثيل العسكري 15 عضوًا.
“طريقة الوصول لرئاسة (الائتلاف) ترتبط دائمًا بالعامل الخارجي، فيما تعد العوامل الداخلية شبه معدومة”.
حسام الحافظ – الرئيس السابق للمكتب القانوني في “الهيئة العليا للمفاوضات” |
وفي 5 من آب الماضي، انتخبت “هيئة التفاوض السورية” بدر جاموس رئيسًا لها للمرة الثانية، خلال اجتماعها الدوري المقام في الشمال السوري، بحضور مكونات من داخل سوريا وخارجها.
وكان جاموس انتخب رئيسًا جديدًا لـ“الهيئة” في اجتماع عُقد بشكل افتراضي في حزيران 2022، خلفًا لأنس العبدة، الرئيس الأسبق لـ“الائتلاف” أيضًا.
ويشغل حاليًا سالم المسلط منصب رئيس “الائتلاف”، منذ انتخابه في تموز عام 2021، خلفًا لنصر الحريري الذي شغل منصب الرئيس الثاني لـ”هيئة التفاوض”.
ويرى الحافظ أن الخلافات الأخيرة تأتي لتوزيع ما تبقى من أماكن لتصدّر المشهد فقط، واحتلال مقاعد دون أي قيمة سياسية أو فعلية.
حبوش قالت لعنب بلدي، إن “الائتلاف” كمؤسسة تمثّل الثورة السورية، وضمن حالة صحية، يجب أن يحقق منافسة على مقعد الرئاسة، وضمن أطر واضحة وديمقراطية بالحد الأدنى، ما يعني أن من يتقدم لمنصب يجب أن يقدم مشروعًا واضحًا، وخطة متكاملة تشمل الداخل السوري والعلاقات الدولية، وأن تكون قابلة للتطبيق من قبل فريق قادر على تنفيذ المهام المكلف بها.
وتضمنت الرسائل المسربة لحبوش، مطالبتها بعقد لقاءات علنية لأعضاء “الائتلاف”، كمحاولة لإعادة الثقة بينه وبين السوريين.
لا ارتباط بالناس
من النظرة الأولى، يبدو “الائتلاف” ممثلًا لشريحة كبيرة من المجتمع السوري الذي يضم أعراقًا وإثنيات وطوائف مختلفة تتوزع على الجغرافيا السورية، لكن الخلافات وفقدان التأثير في الملف السياسي مع الدول الإقليمية على الأقل، وضعف وجوده على الأرض، تكشف أن هذا التمثيل عبر المجالس والتيارات والشخصيات المستقلة والتمثيل العسكري لا صلة له بالواقع.
وسبق أن تعرض رئيس “الائتلاف” الحالي، سالم المسلط، للضرب من قبل متظاهرين غاضبين في أثناء زيارته لمدينة اعزاز بريف محافظة حلب، شمالي سوريا، في كانون الثاني الماضي، وشهدت عدة مظاهرات هجومًا على “الائتلاف” وأعضائه، آخرها مظاهرات مدينة السويداء المستمرة منذ آب الماضي، عبر رفع لافتات ترفض تمثيله للسوريين.
وترى نائبة رئيس “الائتلاف”، ربا حبوش، أن هذا الواقع في العلاقة بين “الائتلاف” والسوريين يمكن تغييره في حال وُجدت إرادة حقيقية للتغيير ضمنه، وجرت إعادة الأمور إلى نصابها، مع أخذ الهيئة العامة دورها (تعتبر السلطة الأعلى في “الائتلاف”)، وانفتاحها على السوريين وتمثيلهم بطريقة جديدة مع مكونات لها وزن حقيقي على الأرض، وفق خطة مدروسة وخطوات ضمن جدول زمني.
“وفق ما يحدث الآن ضمن عملية تبديل الكراسي، وإقصاء الآخرين، والاستعلاء الذي يمارس من قبل المتحكمين على الأعضاء والناس، سيبقى (الائتلاف) كنادٍ سياسي مغلق يتحكم فيه بضعة أشخاص يوزعون المهام كما يريدون”.
ربا حبوش – نائبة رئيس “الائتلاف” |
ولا تعتبر هذه المرة الأولى التي تشير فيها حبوش إلى تمثيل المجالس والتيارات التي تشكل “الائتلاف” حاليًا لشرائح المجتمع السوري، إذ قالت في لقاء سابق مع عنب بلدي، في 18 من آب الماضي، إن “الائتلاف” هو مجموعة من الكتل السياسية والتيارات والأحزاب و”الشخصيات الوطنية”، التي كانت موجودة حين تأسيسه، لكن يفترض أن كل مكون من هذه الأجسام يمثل قسمًا من الشعب السوري، في حين توجد كتل اضمحلت ولم نسمع بوجودها منذ أكثر من ست سنوات، بينما فُصلت مكونات سياسية من خلال ما سمي “الإصلاح” بنفس الحجة.
وعلى الجانب الآخر، بعد نحو عقد على تأسيس “الائتلاف”، أصبح هناك كثير من النقابات والهيئات الطلابية، والمؤسسات الحزبية التي لديها جماهيرية وكتل بشرية حقيقية، لكن “الائتلاف” لا يعول على إدخال أي كتل جديدة على الرغم من أن لها وزنًا على الأرض، بحسب حبوش.
من جهته، قال الحافظ لعنب بلدي، إن “الائتلاف” فقد الاتصال مع الواقع منذ زمن، والكتل الموجودة فيه لا تعبر سوى عن الأشخاص أنفسهم بأسمائهم لا عن الامتدادات الشعبية في مختلف المناطق، سواء الواقعة تحت سيطرة النظام أو الخارجة عنه، وحتى الأعضاء الذين يمثلون كتلًا معينة لا تمثلها، هي فقط تنتمي إليها.
وفقد “الائتلاف” نخبه السياسية التي عملت في المجال السياسي ما قبل الثورة السورية في 2011، وكانوا أعضاء في “إعلان دمشق” أو أحزاب سياسية عريقة، وأُقصيت الكتل صاحبة التأثير، ضمن ما سمي بـ”عملية الإصلاح” التي أدت إلى فصل شخصيات سياسية ضمن إطار “المناكفة”، وفق الحافظ.
ورغم كل هذه المشكلات التي يعانيها “الائتلاف”، والخلافات العلنية، وفقدانه للاتصال مع القاعدة الجماهيرية للسوريين، وعجزه عن التعامل مع متغيرات الملف السياسي، ورغم مطالبات عديد من الشخصيات السياسية السورية بحل “الائتلاف” وتشكيل جسم سياسي جديد قادر على إدارة المرحلة الحالية، لا يبدو أن هذه الخطوة ستتم قريبًا.
ووفق الحافظ، فإن “الائتلاف” سيستمر لأنه يشكل حاجة لبعض الجهات الدولية رغم تخليه عن مقعده القيادي منذ زمن طويل، وفقدانه أي صلة للتأثير على الأحداث.
“الائتلاف” ليس حالة شعبية
مدير مركز “إدراك للدراسات والاستشارات”، باسل حفار، قال لعنب بلدي، إن المعارضة السورية هي هيئة نشأت ضمن ظروف الثورة، وتشكّلت مؤسساتها ضمن ظروف معقدة ذات تداخلات دولية ومحلية وخارجية، لكن في النهاية هي معارضة للنظام، وحاولت أن تقدم “أداء مُرضيًا” للجمهور السوري، وتتفاوت التقييمات بشكل كبير حول أدائها.
الباحث المتخصص بالشأن السياسي، أضاف أن المعارضة السورية ليست تمثيلية بالمعنى الجماهيري أو الشعبي، إذ لم تأتِ بطرق انتخابية أو عبر تفويض رسمي وشعبي واسع.
ويرى حفار أن المعارضة برزت خلال الأحداث، شأنها شأن كثير من الفعاليات الأخرى، كالناشطين والمؤسسات، إذ نالت على مدار السنوات شرعية دولية معينة، خلال فترة زمنية ما، وحصلت على تأييد محدود ضمن مظاهرات السوريين خلال السنوات الأولى للثورة السورية.
وأضاف أن المعارضة لا تدّعي التمثيل الشعبي، لكن بالمقابل هناك انطباع عام لدى السوريين بأنها لا تقدم الأداء الذي يوازي حجم التضحيات وحجم حراك السوريين بشكل عام.
ومن الممكن أن تكون التقييمات للمعارضة السورية سلبية، بحسب الباحث، لكن لا يمكن إهمال أن المعارضة في النهاية تتعامل مع جهات مختلفة ودول أخرى، وبالتالي لا تستطيع أن تتحرك بالحرية التي تتحرك وتتحدث بها كيانات موازية لا تعطي أولوية للاعتبارات المتعلقة بالاعتراف بشرعيتها.
وأضاف الباحث أن ما سبق لا ينفي تقصير المعارضة السورية بمؤسساتها الرسمية تجاه كثير من قضايا السوريين، لكنها تفاصيل أساسية.
العلاقة مع الخارج.. “حرب بالوكالة”
السياسي السوري- التركي، والرئيس الأسبق لـ”الائتلاف” (عام 2015)، خالد خوجة، قال لعنب بلدي، إن عام 2016 شهد تحولًا بالسياسة التركية نحو روسيا وإيران بشكل جزئي من اصطفاف إلى جانب الدول الغربية ضد النظام.
وأضاف أن تلك الفترة شهدت التأسيس لإعادة تجسير العلاقات مع النظام نفسه، وكان لهذا التغيير في الموقف التركي أثر على تركيبة المعارضة السورية نفسها، فكل من كان يعارض التوجه التركي مع “الحل الروسي” أُقصي من المعارضة، أو استقال بنفسه نتيجة لشعوره أن المسار انحرف.
“الانعطافة التركية أثرت على المعارضة السورية، لكن بالنسبة للحديث المستمر عن ولاء (الائتلاف) لتركيا فإنه يرجع إلى عدة عوامل، أبرزها تدويل القضية السورية، وتحويلها إلى لعبة، شاركت فيها أربع من الدول الإقليمية”.
خالد خوجة – الرئيس الأسبق لـ”الائتلاف” |
ويرى خوجة أن وجود روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا في سوريا عسكريًا، حوّل أطراف الخلاف السوريين إلى “وكلاء”، أي أصبحت الحرب في سوريا “حرب وكالة”.
الدكتورة في العلوم السياسية والمحاضرة بجامعة “لانكستر” في بريطانيا رهف الدغلي، ترى من جانبها أن الصراع في سوريا قائم على تداخل وتعقيدات المشهد الإقليمي، ويمكن وصف الحرب السورية بما يشبه “حرب الوكالة”، إذ تنتشر في سوريا أربع دول إقليمية وإلى جانبها ميليشيات عسكرية محلية تسيطر على الأرض.
“المعارضة التقليدية ومنها (الائتلاف) و(الحكومة المؤقتة) فاقدة للفاعلية، بسبب ارتهان قرارها لتركيا، وعدم استقلالية مواردها الاقتصادية، وعجزها عن تفعيل دورها في الحوكمة داخل سوريا”.
الدكتورة رهف الدغلي – دكتورة في العلوم السياسية |
خالد خوجة يرى أن وكلاء الأطراف الدولية في سوريا، النظام والمعارضة السورية بشقيها العسكري والسياسي، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، تحولوا إلى “لاعبين ثانويين” على الأراضي السورية.
وتحولت فعليًا تحركاتهم السياسية والعسكرية إلى محدودة، ومرهونة بحالة التوافق أو التضارب بين اللاعبين الأساسيين (الأطراف الدولية)، بحسب رئيس “الائتلاف” الأسبق.
خوجة قال إن هذه التركيبة التي تجلّت في الملف السوري منذ عام 2016، يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند الحديث عن “ارتهان الأطراف السورية”، إذ لا هوامش كبيرة تسمح بتحركاتهم.
وفي الوقت نفسه، تتحرك الأطراف السورية المحلية ضمن المساحة أو المجال المسموح به، لكن هذه المساحة تتفاوت بين الأطراف، فمثلًا لدى “قسد” أو “الإدارة الذاتية” هامش حركة أكبر، وللنظام السوري أيضًا مساحة مشابهة، وهي أضعاف مساحة الحركة أمام المعارضة السورية، سواء في جناحها السياسي أو العسكري بما فيها “هيئة تحرير الشام”، بحسب خالد خوجة.
ولفت خوجة إلى “نقطة ضعف” تعانيها المعارضة السورية، وهي وجود “فيتو غير معلن” على تمثيل الأغلبية السنّية العربية للثورة، وهو ما تلتزم به الدول الداعمة منذ سنوات، أي أن مجال الحركة محصور ضمن مناطق الشمال الغربي وفي حدود معينة.
المعارضة السياسية والمجموعات العسكرية
فرضت وزارة الخزانة الأمريكية مطلع العام الماضي عقوبات على فصائل من “الجيش الوطني السوري” لانتهاكات وصفتها بـ”الجسيمة” لحقوق الإنسان، ولم تكن الأولى من نوعها، إذ سبق وفرضت عقوبات على فصيل آخر لا يزال يمارس نشاطه المعتاد في شمالي حلب، ضمن مناطق إدارة “الحكومة المؤقتة” التابعة لـ”الائتلاف”.
العقوبات نفسها قد لا يكون لها أثر فعال خارج كوادر الفصيل نفسه، لكنها تملك تمثيلًا كبيرًا في كيان “الائتلاف” السياسي الذي تربطه علاقة محدودة بواشنطن ودول أوروبية أخرى تشتكي من انتهاكات الفصائل نفسها.
خالد خوجة قال لعنب بلدي، إن علاقة الشقين السياسي والعسكري بالنسبة للمعارضة السورية لم تكن وطيدة في يوم من الأيام، حتى إن التنسيق بين الأطراف كان بأقل الإمكانات.
ويرى الرئيس الأسبق لـ”الائتلاف” أنه منذ تأسيس الفصائل العسكرية، كان الدعم الدولي المختلف يأتي بشكل مضاعف على الصعيد المادي والمعنوي للمعارضة المسلحة (العسكرية).
وفي المقابل، كانت فصائل “الجيش الوطني” أو الفصائل المسلحة شمال غربي سوريا تشعر بـ”استعلاء” على الممثلين السياسيين، إلى جانب أن القوة الموجودة في الميدان السوري تمثل ثقلًا للشق العسكري لا السياسي.
العوامل السابقة جعلت من المعارضة السياسية ضعيفة، منذ بداية تأسيسها، وأسهم الدعم الدولي باستعلاء العسكريين على السياسيين.
“بعد التخلص من الفصائل الوطنية (الجيش الحر) تحولت الفصائل إلى ما يُعرف اليوم باسم (الجيش الوطني)، وتغيرت وظيفته من كيان يدعم الثورة ومستمر بها إلى جيش يفرض بقوة السلاح ما توصلت إليه الدول المتوافقة اللاعبة الأساسية من قرارات”.
خالد خوجة – الرئيس الأسبق لـ”الائتلاف” |
تمثيل “شكلي” ومعقد
الدكتورة رهف الدغلي ترى من جانبها أن علاقة “الائتلاف” بالعسكر لا تزال تتمحور حول “تمثيل شكلي” لـ”الائتلاف”، مقابل الفصائل العسكرية التي تلعب دور الفاعل الخارجي المسؤول عن هيكلة الفصائل العسكرية.
وفعليًا، لا تلعب المعارضة بشقيها السياسي والعسكري دورًا فعالًا في إدارة مناطق سيطرتها شمال غربي سوريا، أو حتى في الحوكمة فيها.
الباحث السياسي باسل حفار، قال لعنب بلدي، إن لدى الفصائل العسكرية تمثيلًا جزئيًا في “الائتلاف” و”الحكومة المؤقتة” عبر وزارة الدفاع بكتلة كبيرة، وتضم هذه الكتلة أكثر من ثلث مقاعد العضوية فيه.
التمثيل الكبير للعسكر داخل المعارضة السياسية أعطى للشق العسكري بعدًا مهمًا، وبالتالي لا يمكن تجاوز الفصائل العسكرية بأي شكل من الأشكال خلال أنشطة “الائتلاف”، بحسب حفار.
وأضاف أن الوضع القائم اليوم في المشهد السوري داخل أروقة المعارضة السياسية يجب أن يخضع لترشيد تدريجي، بهدف محاولة إرجاع الأمور إلى نصابها، لكن المشكلة الحقيقية تقع على عاتق النظام الذي ما زال إلى جانب حلفائه يقصف “المناطق المحررة”، ليجر المنطقة نحو صراع مسلح مجددًا.
ونظرًا إلى محاولات النظام في هذا الإطار، لا يمكن تحجيم الكتلة المسلحة داخل المشهد السياسي السوري إذا كان النظام مستمرًا في محاولات المواجهة المسلحة، لأن أي تحجيم أو إضعاف للكتلة العسكرية يعني إفساح المجال للنظام وحلفائه للتمدد داخل مناطق سيطرة المعارضة.
وتفرض المعادلة السابقة، بحسب الباحث باسل حفار، حالة من العلاقة المعقدة بين المشهد السياسي والمشهد العسكري داخل المعارضة السورية، كما تفرض وجود كيانات وكتل وأفراد، واستمرار الوجود العسكري الواسع بشكل أكبر من احتياجات المنطقة، إذ تحتاج تقريبًا إلى 20 أو 30% فقط من عدد المسلحين الموجودين حاليًا ضمن الحسابات الرسمية لأي دولة في العالم، لكن ممارسات النظام تبقي الوضع على ما هو عليه.
مؤسسات “مؤذية”
أمام تراجع واضح في حضور المعارضة السورية سياسيًا، على حساب مساعي النظام لزرع نفسه في المجتمع الدولي مجددًا عبر أكثر من بوابة، لم تتجه المعارضة لتكوين حلقة حلفاء على خلاف مع النظام السوري، وتحديدًا أوكرانيا، التي تصد غزوًا روسيًا منذ 24 من شباط 2022، رحب به النظام السوري بالضرورة، ودخل حالة عداء مع كييف إرضاء لموسكو.
وفي 30 من حزيران 2022، قطعت أوكرانيا علاقتها مع النظام السوري، بعد اعترافه باستقلال منطقتي دونيتسك ولوهانسك، وفرضت حظرًا تجاريًا وعقوبات على كيانات وأفراد من النظام السوري.
وفي وقت لاحق، ألغت اتفاقيات تعاون مشتركة مع حكومة النظام، في مجالات اقتصادية وتجارية وفنية، بهدف “حماية مصالحها الوطنية”، وفرضت عقوبات على رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ورئيس الحكومة، حسين عرنوس، ووزير الخارجية، فيصل المقداد، كما أرسلت مساعدات إنسانية إلى المناطق التي تضررت بالزلزال في شمال غربي سوريا خارج سيطرة النظام.
كل هذه المعطيات لم تقدّم تطويرًا دافعًا بعلاقة سياسية مع حليف ممكن، ذي حضور سياسي فاعل على مستوى دولي، من قبل “الائتلاف”، لتقتصر اللقاءات السورية- الأوكرانية على مستوى منظمات المجتمع المدني، وأحدثها في آب الماضي، حين زار وفد سوري يمثل عدة منظمات مدنية أوكرانيا، وشارك بعدة نشاطات من بينها القمة الثالثة لـ”منصة القرم”، حيث اجتمع ممثلو الدول من جميع أنحاء العالم.
وحضر الوفد السوري “منصة القرم”، لمشاركة رسائل التضامن مع أوكرانيا، حيث التقى ممثلون عن الوفد مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في أثناء انعقاد القمة، وتحدثوا عن “مكافحة الإفلات من العقاب في أوكرانيا وسوريا”، وأكدوا تضامنهم مع أوكرانيا وشعبها، على عكس موقف النظام السوري الداعم لروسيا.
الأكاديمي السوري والمتحدث السابق باسم وفد المعارضة إلى “أستانة”، الدكتور يحيى العريضي، أوضح لعنب بلدي أن المشكلة في مؤسسات المعارضة ليست في عدم جدواها، بل بكونها مؤسسات مؤذية، تعمل ضد السوريين، ونتيجة عملها ليست صفرية، بل ذات تأثير سلبي، فالمراقب الخارجي ينتظر موقفًا تجاه قضايا وملفات ومواقف حساسة بالنسبة للسوريين، والمعارضة اليوم تمنح إشارات للخارج عبر لا فاعليتها وصمتها، أنه لا يوجد معارضة رسمية، لكن الشعب قال كلمته، وهو العنوان، ولا تعبر عنه هذه المؤسسات.
وحول سبل الخروج من وضع المعارضة بأجسامها الحالية، يرى العريضي أن العملية مرتبطة بثلاثة خطوط عريضة هي مستقبل وطبيعة الحراك السلمي في الجنوب السوري، ووصول رسالة الجنوب إلى بقية مناطق سوريا، والتحركات الحاصلة في دير الزور، شمال شرقي سوريا، ونتيجة هذه الأحداث يمكن أن يحصل اصطفاء أو انتقاء شخصيات أكاديمية خبيرة، لتشكيل هيئة عامة للثورة تعمل على تأسيس جمعية تأسيسية، يتمخض عنها عدة أجسام، منها سياسي، وتعمل لفترة محدودة قبل التوجه لانتخابات عامة يحدد فيها السوريون طبيعة العلاقة بينهم وبين من يدير المرحلة.
“مؤسسات المعارضة الحالية يمكن الاستفادة منها كعناوين ومؤسسات لا كأشخاص، ولا بد من تحميل هذه الأجسام المسؤولية ومحاسبتها. ما يحصل على الأرض اليوم سيحدد مستقبل الهيئات السياسية، فلا رجعة عن الاحتجاجات، كما أن النظام نفسه أفشل كل الفرص الذهبية لإعادة تكريره وإبقائه في السلطة”.
الدكتور يحيى العريضي – أكاديمي سوري والمتحدث السابق باسم وفد المعارضة إلى “أستانة” |