يقدّر عددهم بمليون ونصف
السوريون في مصر.. قبول اجتماعي ونجاح اقتصادي
عنب بلدي – ريم حمود
مع اشتداد حملات الاعتقال والعمليات العسكرية لقوات النظام السوري منذ بداية الثورة السورية عام 2011، بدأ السوريون رحلة اللجوء بحثًا عن الأمن، وكانت حصة دول الجوار هي الأكبر لتقارب المناخ أو البيئة الاجتماعية، وفضّل كثيرون التوجه نحو مصر، إذ وجدوا فيها معاملة حسنة حسب رواياتهم، إضافة إلى ما يتميز به الشعب المصري بصفة عامة من حسن الضيافة والمعاملة خصوصًا مع السوريين.
يوجد 1.5 مليون سوري في مصر، بحسب إحصائيات نشرتها المنظمة الدولية للهجرة في مصر نهاية تموز 2022.
يبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين في مصر 148 ألفًا و608 أشخاص، بحسب أحدث إحصائية نشرتها المفوضية السامية لحقوق اللاجئين في 24 من آب الماضي.
تواصلت عنب بلدي في هذا التقرير مع عديد من السوريين المقيمين في مصر، للاستفسار عن ظروف الحياة هناك، والعوامل التي جعلت من إقامتهم مقبولة لدى المجتمع المصري.
الشعب المصري “مضياف”
تلعب طيبة الشعب المصري وحبه للضيوف بشكل عام والشعوب العربية بشكل خاص، دورًا مهمًا باحتواء السوريين والمعاملة الإيجابية التي نراها اليوم من قبل المصريين، بالإضافة إلى الوضع الخاص الذي يعامَل به السوري في مصر لسهولة التواصل واللغة المشتركة بين البلدين.
الإعلامية السورية سهير أومري المقيمة في مصر، قالت لعنب بلدي، إن الشعب المصري بطبيعته “مضياف جدًا”، وترى من وجهة نظرها أن عبارة “مصر أم الدنيا” لم تأتِ عن عبث، بل من تاريخ قديم وحاضر مشهود في استضافة الدولة المصرية لكثير من أبناء الدول الأخرى.
سامر سرحان، يقيم في مصر منذ عشر سنوات، قال بدوره، إن السوريين في مصر بشكل عام لا يعانون العنصرية والتمييز، إذ إنهم قد يعامَلون بطريقة أفضل من المصريين في بعض الأحيان.
وذكرت الصحفية المصرية مروة علاء الدين لعنب بلدي، أن الشعب المصري بطبيعته “مضياف” ويحب الاحتفاء بالأجنبي، وقدوم السوريين كان إيجابيًا بالنسبة للمصريين، خاصة أنهم شعب عربي شقيق.
حسين قطان، ينحدر من حلب ويقيم في العاصمة المصرية القاهرة منذ ثلاث سنوات، قال لعنب بلدي، إن السوريين لا ينكرون وجود قليل من التصرفات العنصرية في مصر، ولكن ذلك لا يقارَن بالبلدان الأخرى التي لجؤوا إليها.
ووجهة نظر حسين، أن الشعب المصري “مضياف” بالعموم ويحب الغريب، كما أنهم “أفضل من السوريين تجاه بعضهم وتجاه الغريب أيضًا”.
انعكاس صورة “الإعلام” على “أرض الواقع”
أوضحت الصحفية المصرية مروة علاء الدين، أن قبول السوريين في مصر مرتبط بعدة عوامل، بعضها يتعلق بالمصريين وأخرى بالسوريين أنفسهم.
وأرجعت أسباب حب المصريين للسوريين إلى توجه الإعلام المصري الإيجابي تجاه السوريين، وتركيزه على الإيجابيات التي خلقها الشعب السوري في مصر من الاعتماد على النفس بالعمل، وتجارتهم “الماهرة”، كما ظهر خلال السنوات الماضية.
الصورة السابقة المرسومة في أذهان المصريين تجاه السوريين بشكل عام وأبناء العاصمة السورية دمشق بشكل خاص، عن الجمال والمعاملة الطيبة واللهجة اللطيفة، تأكدت بمجرد مجيئهم إلى مصر وانخراطهم بالمجتمع بشكل واضح، بحسب ما ذكرته الصحفية المصرية.
وتوجه عديد من صانعي المحتوى المصريين إلى تسليط الضوء على حياة السوريين في مصر وطبيعة العلاقة بين الشعبين، مؤكدين فكرة أن السوريين والمصريين “شعب واحد” ولا تفرقة بينهما.
وأظهر “اليوتيوبر” المصري كريم السيد بتسجيل مصور عبر قناته في “يوتيوب” تحت اسم “حياة السوريين في مصر”، انخراط الشعب السوري الذي قدم إلى مصر بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011 بالشارع المصري، وخاصة تجربة أصحاب المحال والمطاعم السورية.
ويرى الباحث الاجتماعي حسام سعد أن الشعب المصري بعد الظروف التاريخية التي مر بها، وأحداث “الثورة المصرية” عام 2011، جعلت منه شعبًا “يقدّر مصائب الشعوب الأخرى، وخصوصًا الشعب السوري المحبوب بشكل واسع في الشارع المصري”، إضافة إلى وقوف المصريين بشكل عام إلى جانب السوريين ومعاناتهم.
وترى الإعلامية السورية سهير أومري أن الإعلام المصري يتجه نحو تسليط الضوء على إيجابيات وإبداعات ونجاحات الشعب السوري، ويعود ذلك من وجهة نظرها لأسباب عديدة، أهمها الإحساس بما قدموا من تضحيات بعد اندلاع الثورة السورية.
“وجود الممثلين السوريين في الدراما المصرية يلعب دورًا كبيرًا بحب الشعب المصري للسوريين، إذ تعد مصر مركز الفن في الوطن العربي وتعطي شهرة واسعة للفنانين، وللفن الدور الأكبر بتقارب الشعوب والثقافات من بعضها”.
حسام سعد – باحث اجتماعي سوري |
رغبة بالتعامل مع السوري
ارتبطت صورة السوريين في مخيلة المصريين بالثقة، مع ما عاينوه من اللاجئين السوريين، لجهة الاحترام والالتزام بآداب المجتمع المصري، ما عزز قبولهم في البلاد.
وبالنسبة إلى سامر سرحان، فإن الشعب المصري يرغب بالتعامل مع العامل السوري أكثر، بسبب الالتزام والثقة التي بنيت بين الشعبين خلال السنوات الماضية، مع وجود بعض الاستثناءات.
وقال حسين قطان، إن أصحاب العمل من المصريين توجهوا إلى توظيف العمال السوريين نتيجة للطف حديثهم وأسلوبهم بإقناع الزبون.
الفنان الكوميدي المصري أحمد سيد أمين، سلّط الضوء عبر مسرحية “ورينا شطارتك” على التنافس بين العامل السوري والمصري، وطريقة السوريين وسرعتهم في إقناع للزبون.
ولفتت المسرحية النظر تجاه “الحس الكوميدي” لدى الشخص السوري الذي مثل دوره الفنان أحمد سيد أمين.
وتحدث الباحث والأكاديمي حسام سعد عن أن غياب المشكلات والظواهر السلبية التي قد يسببها السوريون تلعب دورًا أساسيًا بتقبل المجتمع المصري لهم.
فرص العمل موجودة لكلا الشعبين، لكن المتاحة للسوريين تتجاوز المتوفرة للمصريين، وخصوصًا بعد توجه عديد من المواطنين لتوظيف اللاجئين، بحسب ما قاله سامر سرحان لعنب بلدي.
وبات تفاهم السوريين مع الشعب المصري أسهل، بعد مرور أكثر من 12 عامًا على وجودهم، كما يتفهم كلا الجانبين طباع الآخر، وصولًا إلى طريقة تعايش مشتركة خالية من المشكلات والعنصرية، وفقًا لسرحان.
الأثر الاقتصادي
ارتفعت وتيرة هجرة السوريين إلى مصر بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011 لسهولة دخول البلاد دون تأشيرة مسبقة والميول الاجتماعية، إذ كانت مصر وجهة لعديد من رجال الأعمال والمستثمرين في سوريا.
نشر مركز “روبرت شومان للدراسات العليا” المتخصص بالعلوم الاجتماعية والإنسانية تقريرًا، في 21 من آذار الماضي، تحت اسم “رجال الأعمال والمستثمرون السوريون في مصر وعلاقاتهم بسوريا”، استنادًا إلى سلسلة من مقابلات مع سوريين عاملين في قطاع الأعمال بمصر، و تقارير صادرة عن المنظمات الدولية.
يعمل في مصر نحو 30 ألف مستثمر سوري، أكثر من نصفهم أصحاب أعمال ويوظفون مئات آلاف الأشخاص لديهم، بحسب التقرير.
ونشطت تجارة رجال الأعمال السوريين في مصر لأسباب عديدة، أولها تمتع مصر بسوق محلية كبيرة، إذ يزيد عدد سكانها على 100 مليون نسمة، بالإضافة إلى سهولة الوصول إلى الأسواق الإفريقية والخليجية والأوروبية.
وأدى انخفاض تكلفة اليد العاملة والمعيشة في مصر إلى جذب المستثمر السوري، بالإضافة إلى الترحيب بالشعب السوري في وسائل الإعلام بمصر، وفقًا للتقرير.
وترى مروة علاء الدين أن الإعلام المصري ينقل الأثر الإيجابي للوجود السوري داخل المجتمع المصري، كالإبداع في الأطعمة السورية وإتقان صنعها، إذ لاقت قبولًا لافتًا بين المصريين، الأمر الذي دفعهم لتقليدهم والتخصص في الأطعمة السورية.
ويحظى السوريون بإعجاب المصريين، إذ يتوجهون إلى جميع الأعمال دون تكبر أو رفض، حتى ولو كانوا من حملة شهادة جامعية، بحسب ما قالته الصحفية المصرية.
قدّر رئيس “تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر”، خلدون الموقع، عدد الورشات الصناعية والمعامل (الرسمية منها وغير الرسمية) التي يملكها السوريون بخمسة آلاف تقريبًا في عام 2022، بحسب التقرير نفسه.
وقُدّرت الاستثمارات السورية في مصر بين عامي 2011 و2018 بحوالي 800 مليون دولار.
وازدادت هجرة أعداد جديدة من أصحاب الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والعمال السوريين إلى مصر بين عامي 2020 و2022، نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية في سوريا، بحسب دراسة سابقة لمركز “روبرت شومان للدراسات العليا“.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :