جريدة عنب بلدي – العدد 52 – الأحد – 17-2-2013
عتيق – حمص
واحدةٌ من أكثر الكلماتِ ترديدًا هذه الأيّام، عبارة «أديش بدها لترجع متل أوّل»، عقب مشاهد الدمار، الحيّة أو المبثوثة عبر الفضاء، نشاهد أحياءً بأكملها، بل مدنًا وشوارع، وما يلزمها من بنية تحتيّة، تتعرّض للتدمير اليوميّ بأعنف الأسلحة، مبانيٍ وبنىً استغرق تشييدها عشرات السنوات، دمّرت في أشهرٍ قليلة. تقال بأسىً بالغ «ولا بعشر سنين بترجع متل ما كانت».
وكغيرها من العبارات وأنماط التفكير يتوجّب أنّ نتوقّف عندها، ونحلّلها، لنرى الافتراضات التي تكمن وراءها، وفيما إذا كنّا نتفق معها أم لا.
لا يمكن حقيقةً القول بأنّنا شعبٌ إنتاجيٌّ منجز، يستيقظ في صباحه الباكر ليباشر عمله بحيويّة وشغف! بل ربّما صحّ عنّا عكس ذلك، إنّنا (كشعب) كسالى، نستيقظ في الصباح (الباكر أو متأخرين) متثاقلين، يرهقنا الشعور «بواجب» العمل، ممزوجًا بشيءٍ من الوهن والتعب.
نجرّ أنفسنا وهمومنا معنا، نفتقد روح الإشراق، وإشراق الروح. نعمل ما لا نحبّ، ونحبّ ما لا نعمل.
ويعرف عنّا (ونعرف عن أنفسنا) هدرنا الكبير للوقت.
فكم يستغرق إنجاز معاملةٍ حكوميّة واحدة؟
وكم نقضي من الوقت أمام التلفاز وفي الشوارع وأمام ألعاب الفيديو؟
متى يفكّر الطالب الجامعي بتحصيل لغة ثانية (بشكّل جديّ)؟ ثم متى يتقنها؟
دائمًا هناك تأخيرٌ كبير في إنجاز كلّ شيء، ليس فقط لأنّنا لا «نعرف قيمة» الوقت، بل هناك أسبابٌ أخرى أهمّ وأعظم، وأجدر بالنقاش والتفنيد والبحث عن الحلول.
منها عدم الشعور بالانتماء للوطن، المستلب منّا منذ عقود.
وكذلك عدم وجود مشاريع حقيقةً تحفّز الهمّم، وتغري الشباب بالانخراط في العمل بها.
لكن لعلّها أيضًا ليست «العقدة» الجوهريّة.
فها نحن ذا نشهد انتفاضةً شعبيةً كبيرة، تستهدف استرداد الوطن من مغتصبيه، موجدةً عشرات الأطر للعمل الثوريّ في مختلف المجالات.
نجد شبّان كثر، مقتنعون بالثورة، مؤيدون لها، وربما يشاركون في هتافاتها ومظاهراتها، لكن ليس أكثر.
أيضًا لا يمكن الحديث عن «الخوف» كسبب وحيد، لوجود أعمال كثيرة آمنة إلى حدٍ ما (العمل الإعلاميّ، التقني، التوثيقي..)، أضف إلى ذلك الشباب السوريّ في الخارج، الذي نزح، وبات خارج دائرة الملاحقة والمساءلة الأمنيّة، تبحث فتجد، أكثرهم على ما هم عليه، فقط ذهبت مبرّرات وحلّت أخرى.
إن العقدة الجوهريّة في كوننا على ما نحن عليه، إنمّا هي عقدة فكريّة في الدرجة الأولى، إنّنا حبيسو مجموعة من الأفكار والتصورات والمقولات التي تخمد فينا روح العمل والإنجاز، وتقيّد حركتنا، وتحاول وضعنا في قوالب، وتحصر تفكيرنا في مناحٍ محدودةٍ للغايّة.
إن البحث والتنقيب عن هذه البنيّة الفكريّة الرديئة، ونقدها، وبناء ثقافة عربيّة جديدة، هو الكفيل الوحيد في تحقيق كلّ ما نبغيه.
إنتشرت منذ فترة وجيزة، دهشة (عابرة) من خبر بناء فندق في الصين، مؤلف من 15 طابق، استغرق هيكله السفليّ 46 ساعة فقط، و 90 ساعة أخرى لإنهاء الهيكل الخارجيّ.
وبالمناسبة، ولأخذ العلم، فإن زلزال تسونامي الذي ضرب اليابان منذ سنواتٍ قليلة، وخلّف 23 مليون طن من الأنقاض في أيامٍ قليلة، وخسائر بعشرات المليارات، وقرابة 19 ألف ضحيّة، تمّ الانتهاء من ترميم كامل آثاره من بنى تحتيّة وفوقيّة خلال 11 شهرًا فقط.
وهذا يذكرنا بنهوض اليابان نفسها بعد إلقاء قنبلتين نوويتين عليها، خلال سنوات قليلة.
إذا بقينا متلحفين بأفكار اليوم فلن يمكنّنا أن ننتهي من بناء سوريا إلا بعد عقود، وبديون خياليّة، ولكن إن تمكّنا من تفعيل بنية فكريّة جديدة، فيمكننا حقًا أن نسبق اليابان والصين.
إنها الحكمة الإلهيّة القديمة: إن الله لا يغيّر ما بقوم (من أوضاعٍ وأحوال وظروف ومعاشات)، حتى يغيّروا ما بأنفسهم (من أفكار وتصورات ورؤى)