الشيخ الهجري.. التقلب على جمر الثورة

  • 2023/09/06
  • 4:31 م
تعددت المواقف السياسية لحكمت الهجري بين عامي 2012 و2023 (تعديل عنب بلدي)

تعددت المواقف السياسية لحكمت الهجري بين عامي 2012 و2023 (تعديل عنب بلدي)

سطع اسم شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري، خلال الأيام الماضية، مع تصاعد المظاهرات الشعبية في مدينة السويداء، جنوبي سوريا.

وبالتزامن مع نزول المتظاهرين إلى الشوارع ومطالبتهم برحيل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وتفاعل شيوخ العقل ونزولهم إلى الشارع، ظهر اسم الهجري كأحد أبرز الأسماء التي تصدّرت الحراك.

ولعب إعلان الهجري وشيوخ عقل آخرين الوقوف إلى جانب المتظاهرين دورًا في منح الحراك زخمًا أكبر، لما للشيوخ من تأثير من الناحية الاجتماعية في السويداء.

الهجري الذي قرر الوقوف إلى جانب المتظاهرين، لم يبدِ موقفًا حادًا من النظام في المظاهرات التي سادت السويداء خلال السنوات الماضية، بل ارتبط اسمه بشخصيات تتبع للأفرع الأمنية والعسكرية أيضًا.

لكن وفي المقابل، يمكن رصد تدرّج مواقفه من النظام السوري وصولًا إلى تأييده المعارضة والمطالبة برحيل النظام إلى جانب المتظاهرين، منذ عام 2015 وحتى 2023.

كما يمكن تلخيص مسيرة الهجري وتقلب مواقفه خلال 11 عامًا ضمن ثلاثة محاور رئيسة، هي الانتقال بين معسكري الموالاة والمعارضة، والخلاف على الزعامة الروحية للطائفة، والصراع مع حركة “رجال الكرامة”.

الهجري من التسليح إلى المظاهرات

لم يخفِ الهجري تأييده للنظام السوري، وبالإضافة إلى معلومات تناقلتها وسائل إعلام محلية حول طلبه من النظام السوري تسليح السويداء “في مواجهة المسلحين” عام 2015، استقبل في العام نفسه وفدًا من “الحشد الشعبي العراقي”.

العلاقات المتشعبة للهجري لم تتوقف عند استقبال وفود أو طلبات تسليح، بل وصلت إلى قصر الأسد، إذ سبق له التوسط لدى القصر الجمهوري لحل بعض الملفات العالقة، وفق ما ذكره مركز “جسور” للدراسات في دراسة نشرها عام 2020.

عاش الهجري معظم سنوات حياته في فنزويلا، ومع عودته إلى سوريا في 2012، ليخلف شقيقه على رأس مشيخة العقل في السويداء، شكّل فصيلًا عسكريًا في العام نفسه، حمل اسمه وحصل على مرتباته الشهرية من النظام السوري.

مع تشكيل الفصيل العسكري، ارتبط الهجري بشكل مباشر بفرع “الأمن العسكري” في السويداء، قبل أن ينقلب على الضفة الأخرى ويطالب برحيل الأسد في 2023.

وخلال 11 عامًا بين الموقفين المعلنين، يمكن رصد المواقف الأخرى التي أطلقها الهجري تدريجيًا، فعقب إعلانه الوقوف إلى جانب النظام في 2012، طالب بالسلاح في 2015، ثم بالتحاق أبناء السويداء بجيش النظام السوري في 2018.

وفق دراسة نشرها موقع “Mid direction” في 2019، حضر الهجري اجتماعًا في 2017 مع مسؤولين أمنيين وحزبيين، طالب خلاله برفع الغطاء عن المطلوبين أمنيًا.

وبرر الهجري حينها التحاق الشباب من السويداء بجيش النظام، بالوقوف ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.

لكن مواقف الهجري بدأت عمليًا بالتحول تدريجيًا منذ عام 2021، مع اعتباره أن “الدولة مسؤولة عن حل المشكلات الأمنية لا أبناء المحافظة”، وذلك عبر بيان أصدره على خلفية اشتباكات بين قوات “الدفاع الوطني” التابعة للنظام السوري وأبناء السويداء.

وحمّل الأفرع الأمنية مسؤولية الفوضى الأمنية وزرع الشقاق، وفق مقابلة أجراها مع شبكة “الراصد المحلية“.

كما أصدر بيانًا تضامن فيه مع سكان محافظة درعا المجاورة للسويداء في أثناء حصارها وتعرضها للقصف من قبل قوات “الفرقة الرابعة” في 2022.

ويعدّ فصيل الهجري العسكري واحدًا من عدة حركات مسلحة في المحافظة، تراوحت ما بين المعارضة للنظام السوري إلى الموالية له، وما بينهما هناك حركات اتخذت طابعًا حياديًا لحماية المدنيين فقط.

وعلى الرغم من تأييده للنظام علنًا، فإن الهجري حافظ في المقابل على علاقات متوازنة مع أطراف درزية لبنانية، كشيخ العقل نعيم قاسم في لبنان، المقرب من رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” المعارض لنظام الأسد، وليد جنبلاط.

وفي حين امتلك الهجري علاقة مع قاسم في لبنان، امتلك نظيراه ومنافساه على الزعامة الروحية لطائفة الموحدين الدروز في السويداء، يوسف جربوع وحمود حناوي، علاقاتهما أيضًا مع أطراف درزية في لبنان وفلسطين المحتلة.

ولا يسيطر النظام السوري عسكريًا على المحافظة التي لم تشهد عمليات عسكرية فعلية منذ بداية الثورة السورية عام 2011، باستثناء هجمات شنها تنظيم “الدولة الإسلامية” على القرى الشرقية للمحافظة، لكن للأفرع الأمنية سطوتها، عبر عصابات محلية عديدة.

وبشكل متوازٍ، شُكّلت مجموعات مسلحة، قالت إن هدفها ردع هذه العصابات، والمحافظة على أمن السويداء وسلامة المدنيين، منها حركة “رجال الكرامة”، وفصيل “مكافحة الإرهاب”، ومجموعة “غيارى القريا”، وغيرها.

بعد وقوفه إلى جانب الاحتجاجات ودعوته لتعزيزها، وحديثه إلى الشارع المنتفض لأكثر من مرة، تلقى الرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحدين، الشيخ حكمت الهجري، زيارة من محافظ السويداء، بسام بارسيك، الذي جاء من دمشق في وساطة، طلبًا للتهدئة، مع عرض لمجموعة حلول، وفق ما نقلته شبكة “الراصد“.

ووفق مصادر نقلت عنها الشبكة، فالشيخ الهجري أوضح أن المسألة لا تحتاج إلى وساطات ولا اتصالات، مؤكدًا أن مطالب الشارع معروفة، ولا داعي لشرحها، وأنه لن يكون هناك تواصل مع أي أحد قبل تحقيق مطالب الشارع.

وكان الهجري أصدر، في 19 من آب الماضي، بيانًا، أكد فيه على حق الناس بالمطالبة بالعيش الكريم، وعدم الرضا بالحد الأدنى، وأشار فيه إلى غياب الجهات الأمنية عن السويداء إلا لقمع الكلمة وتوجيه أزلامها البعثيين وفق أوامرها ضد أهلهم.

وجاء في البيان أن هناك “عائلات تموت غرقًا أو في البراري بحثًا عن لقمة عيش، في سوابق ذل لم يعرفها الشعب السوري عبر التاريخ”.

وأضاف، “أين هي الدول الصديقة؟ أين هي الدول الضامنة؟”، مطالبًا بمحاسبة كل من حرم الشعب حقوقه، وكل من يدمر بنيان المجتمع واقتصاده وينهب ثرواته.

خلافات على الزعامة الروحية للطائفة

تعكس التحالفات مع شخصيات مختلفة للشيوخ الثلاثة في سوريا ولبنان وفلسطين، التنافس فيما بينهم على الزعامة الروحية للطائفة في السويداء، وهي خلافات ظهرت إلى العلن عدة مرات، عبر المواقف المتباينة لكل منهم مما يجري في سوريا، والحركات السياسية في المحافظة.

خلال محاولات تكريس النظام السوري لمشيخة العقل في السويداء كجهة اجتماعية فاعلة، توفي أحمد الهجري، شقيق حكمت الهجري في 2012، ليرث الأخير منصب شقيقه كشيخ العقل ويتبنى موقفًا متوافقًا مع رؤية النظام السوري حول المظاهرات.

سعى الهجري للحصول على الزعامة الروحية للطائفة، وترؤس مشيخة العقل، وهو ما أدى وفق دراسة نشرها موقع “Mid direction” في 2019، إلى جهتين، الأولى “الهيئة العليا للموحدين الدروز” التي تولى زعامتها الهجري، والثانية “مشيخة العقل”، بزعامة جربوع وحمود حناوي.

وفق الدراسة، لم ينجح الشيوخ الثلاثة في تشكيل قيادة موحدة للطائفة أو إنشاء تيار سائد، خاصة مع تباين المواقف لكل واحد منهم من النظام السوري، ظهرت بشكل واضح خلال المظاهرات الأخيرة في السويداء.

ومع اتخاذ الهجري موقفًا متماهيًا مع النظام حتى عام 2022، كان لحناوي وجربوع مواقف مختلفة، إذ اتخذ الأول موقفًا محايدًا، فيما حافظ الثاني على هامش للمناورة.

الدراسة ذكرت أن الخلافات بين الأطراف الثلاثة تعود إلى عام 2014، بعد محاولة الهجري “التفرد بقرار الطائفة الدرزية والسيطرة على مقام (عين الزمان) الذي يتبع تاريخيًا لآل جربوع، ويرتبط بمال الوقف الدرزي والتبرعات الداخلية والخارجية وجزء من أموال الإغاثة من المنظمات الدولية.

وفق الدراسة، رفض حينها الهجري استقبال أي تبرعات من الطائفة الدرزية لدى الاحتلال الإسرائيلي، وبدأ يصدر بياناته بشكل مستقل تحت لقب شيخ العقل الأول، ثم رئيس الهيئة الروحية العليا.

ولم ينجح الهجري حينها بالحصول على لقب “شيخ العقل الرابع”، وكان هذا اللقب سيساعده في مواجهته مع الشيخين الآخرين.

في دراسة نشرها مركز “جسور” للدراسات في 2020، كان تركيز كل من الحناوي وجربوع على لعب دور الوساطة بين الفصائل المحلية والنظام السوري، واستمرت سيطرتهما على مقام “عين الزمان” الذي يعدّ بدوره دار العبادة الأول للطائفة الدرزية، وفق الدراسة.

ومنذ صعود أسماء الشيوخ الثلاثة، لم يجتمعوا فعليًا سوى على الوقوف ضد مؤسس “حركة رجال الكرامة”، الشيخ وحيد البلعوس، في فتوى مشتركة تحت اسم “الحرم الديني” صدرت في 2015، بعد تصعيد الأخير موقفه ضد النظام السوري.

الصراع مع “رجال الكرامة”

رغم كل الخلافات بين الشخصيات الثلاثة، اجتمعوا على الوقوف بوجه البلعوس، ويعود هذا الموقف إلى “لمسهم التمرد عليهم كمرجعية دينية” كزعيم شاب، وفق دراسة “جسور“.

وتعتبر حركة “رجال الكرامة” أحد أكبر الفصائل العسكرية المحلية في السويداء، إذ يبلغ تعداد مقاتليها حوالي 2000 مقاتل، يتوزعون في عدة مناطق من محافظة السويداء.

أُسّست الحركة في عام 2013 على يد الشيخ وحيد البلعوس (أبو فهد)، الذي قُتل بتفجير استهدف سيارته، في أيلول 2015، وسط اتهامات للنظام السوري.

وصارت الحركة تلتزم الحياد في النزاعات الداخلية، خصوصًا بعد تولي يحيى الحجار الملقب بـ”أبو حسين” قيادة الحركة.

ويعتقد قسم من أهالي المحافظة، أنه على الرغم من أن الحركة أكدت مرات عديدة أنها لن تحيد عن مبادئ وحيد البلعوس، حادت، وحُيّدت، ونأت بنفسها عما يحصل في المحافظة من فلتان أمني، وتتحرك فقط عندما يتعرض أحد عناصرها لظرف أو تهديد أمني.

أسهمت فتوى “الحرم الديني” الذي أصدرها الشيوخ الثلاثة في 2015، في اغتيال البلعوس، خاصة أنه شكّل خطرًا عليهم بعد جمعه لزعامة دينية وعسكرية، مع حصوله على دعم “مشايخ الخاطر”.

“مشايخ الخاطر” جماعة دينية درزية لا تعترف بمشيخة العقل، وهذه المعلومات هي الواردة في دراسة موقع “Mid direction“، التي أشارت إلى أن الفتوى هي تنازل ديني بطلب أمني لتسهيل التخلص من البلعوس.

بعد مقتل البلعوس، تزعم الحركة يحيى الحجار، قبل أن تنقسم الحركة وتظهر “قوات شيخ الكرامة” بقيادة نجل وحيد، ليث البلعوس، الذي يلعب دورًا في الحراك الحالي بالسويداء.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا