حنين النقري – دوما
مع تزايد صعوبة الأوضاع التي نعيشها كسوريين، وتزايد وحشية النظام ودمويته، يأتي من يستهجن خوف الخائف، ويحصي رجفات ذعره أمام مواقف انتشل فيها من الموت انتشالًا، فيقول «اي عادي ..طبيعي» .. «انت لو تشوف قصف الطيران قدام الهاون» «اصلا البراميل المتفجرة ولا شي.. قدام الدبح والاقتحام»..
يحاول أن يخفّف ذعرك بكلماته، ولا يدري حقيقة ما يقوم به..
لا يا سيدي، قذيفة هاون تعايش انطلاقها أو تهبط عليك وأنت آمن، ليست بأمر هيّن…
الأصوات الدائمة والقصف والغارات، وعدّاد الشهداء يمرّ قريبًا منك وتحسبه سيزورك في الغارة المقبلة، ليس أمرًا عاديّا أيضًا وينبغي التعايش معه..
الطبيعي هو الخوف، الطبيعي أن تهاب هذا الصوت!
هل هو خوف من النظام؟! لا بالطبع، بل أدرينالين طبيعي يفرزه جسدك أمام خطر محدق بك وبأهلك ومن تحبّ!
نصبر؟!
نعم، لكن مشاعر البشر فينا ولا تزال، لا يجب مقاومتها أو إلغاءها أو الدعوة لذلك بحجّة تكرار هذه الأمور وعيشنا لها يوميّا!
كذلك يأتي من يحسب نفسه يواسيك بشهادة قريب أو عزيز بقوله «يا أخي في ناس راحت عيلتها، يا أخي شوف ميتين شهيد بمجزرة»
لكنّه يتناسى أن المصاب مصاب، وأن الألم والفراق واللوعة واحدة، قرابة الـ 200 شهيد في سوريا يوميًا لا يعني أن شهيدًا واحدًا هو «رقم صغير» ينبغي أن نشكر النظام عليه!
أيّ شهيد، يعني لوعة وحرقة وفراق، وعائلة مكلومة، وأهلًا ستبقى ذكرياتهم معه ومكانه الشاغر على مائدة الطعام بينهم غصصًا في عيونهم وصدورهم دومًا..
لا أتكلّم عن أمور مادية مترفة من الماضي يجب الاعتياد على تركها، كتنوّع الطعام وترف الحياة والبيت الواسع وكماليات الحياة!
بل عن مشاعر بشريّة جدًّا.. إنسانية للغاية،.. لا يجدر أن يميتها عامان -بل ألف عام- من العيش تحت الحرب وفي أجوائها!
قذيفة واحدة.. هي إجرام وظلم على أبرياء… لا ينبغي التخفيف من هولها وإن كان ثمّة سلاح أشدّ
معتقل واحد.. يعني الكثير لعائلة تفتقده وتخشى عليه من لا يخشون الله…
شهيد واحد…يعني أيتامًا وأرملة وأم ثكلى…وأصدقاءً لازال في جعبتهم الكثير لم يقولوه في جلستهم الاخيرة..
ليسوا مجرّد أرقامًا.. وليس جو الحرب لعبة ندعو الناس للاستمتاع بها وعدم الخوف…
مهما تكررت مشاهد الموت والدم أمامنا.. لن تعتاد عيوننا عليها.. سيبقى نفورنا من لون الدم أيا كان مصدره.. لرحمة زرعها الله في قلوبنا، وحبّ للحياة لنا وللجميع.. جُبلنا عليه…
إن أردت المساعدة حقًا.. فافتح ذراعيك للخائف.. كفكف دموع المذعور.. أعط حنانك للكسير.. واحتوِ أهل الشهيد!
وتذكّر أن البكاء.. الخوف.. الذعر والحزن..
هي مشاعر طبيعية جدًا.. لا يكون التعامل معها بإنكارها وإماتتها..
بالاعتراف بها، واحتوائها..
بالحبّ.. يخفف عنا عبء الحرب..