جريدة عنب بلدي – العدد 52 – الأحد – 17-2-2013
«أخلاقه تفكيره بنيته الجسدية وحماسه…
مثال لمن ينبغي أن يكون في الجيش الحر»
لم يمنع اختلاف محمد الفكري مع والده وإخوته من إكماله مشوار الثورة الذي بدأه مع أقرانه السوريين، رغم أن ذلك أبعده عن والدته التي كانت أحب الناس إليه، “شغلتين بحياتي ما بحسن عيش بدونهم، هنن أمي ورفقاتي” كانت جملته المميزة كما يقول صديقه حذيفة.
محمد أبو اللبن “أبو ماهر” شارك في الثورة السورية منذ انطلاقتها في آذار 2011، إذ كان حاضرًا في كل المظاهرات التي خرجت للمطالبة بالحرية في مدينته داريا، كما خرج أيضًا في بعض مظاهرات العاصمة دمشق. بعد أشهر قليلة على اندلاع المظاهرات في داريا بات محمد مطلوبًا لفرع المخابرات الجوية. ورغم وعود النظام وحكومته حينها أن عفوًا سيصدر ليشمل كل من يسلم نفسه (وهو الوعد الذي تبين فيما بعد أنه كان مصيدة للناشطين) إلا أنه رفض تسليم نفسه، وقال لصديقه عبد الرحمن الذي نقل له طلبًا من أحد المقربين من النظام بتسليم نفسه مقابل العفو “نحنا ما طلعنا لنرجع ونطلب السماح ويشملنا العفو، نحنا ما طلعنا إلا لإعلاء كلمة لا إله إلا الله، وبإذن الله ما في تراجع”.
أتقن أبو ماهر التصوير، ولازمته كاميرته حيثما ذهب، ولطالما عمد التنقل بدراجته النارية محاولًا الاقتراب من الحدث قدر المستطاع، واستطاع منذ بداية الثورة تصوير العديد من مقاطع الفيديو التي تظهر تجمعات الأمن والشبيحة وممارساتهم، وكان يزود تنسيقية المدينة بها.
تعرض أبو ماهر للتوقيف مع أحد أصدقائه على أحد الحواجز الطيارة التي كانت المخابرات الجوية تقيمها على أطراف المدينة، لكنه وبذكائه وحنكته الكبيرة استطاع التعامل مع الموقف، إذ تحايل على عناصر الامن ووعدهم بالتعامل معهم، فخرج مع صديقه من ذلك الموقف سالمين.
ولأن أبو ماهر ذو شخصية قيادية وبنية جسدية قوية، فقد قرر الانضمام إلى صفوف الجيش الحر في داريا مطلع العام 2012، بعد ان زادت وحشية النظام في قمع الحراك السلمي في المدينة، فاستثمر خبرته في القتال التي اكتسبها أثناء خدمته العسكرية في القوات الخاصة في الجيش، والتي تطورت كثيرًا نتيجة الاشتباكات والمواجهات المباشرة ضد قوات النظام، مما أهله لتأسيس وقياد مجموعة مقاتلة تابعة للجيش الحر وذلك في شهر رمضان (آب 2012)
قاد أبو ماهر أكثر من عملية للجيش الحر في المدينة حتى قبل أن يصبح قائد المجموعة. ومن أهم العمليات التي قادها أو شارك بها عمليات خطف لبعض ضباط النظام في داريا والذين تم التفاوض عليهم لاحقًا. ويضيف أحمد وهو صديق مقرب من أصدقاء أبو ماهر، أنه كان يتقدم العمليات العسكرية دائمًا ويبدو أن “الخوف نزع من قلبه” حتى أنه ظهر في أول تصوير مسجل لتدريبات كتائب الصحابة على قناة الجزيرة خلال أيار 2012 وهو يغني أنشودته المفضلة “لبيك إسلام البطولة كلنا نفدي الحمى”.
ومع بداية الحملة الحالية على مدينته داريا، سقط عمه عبد الهادي أبو اللبن (أبو عصام) شهيدًا برصاص قناص على الكورنيش الجديد في داريا في العاشر من تشرين الثاني من العام الفائت، يومها أقسم أبو ماهر أن يقتص لعمه الشهيد، وكان له ما أراد بعد أيام قليلة، حيث قام برمي القناص المتواجد على بناء السيسي بالقرب من مكان استشهاد عمه فأرداه قتيلًا.
وأثناء أحد الاشتباكات أصيب أبو ماهر برصاصة في يده، لكن ذلك لم يثنه عن نشاطه، فكان يستخدم يده الأخرى في تصوير تحركات قوات الأسد في المدينة وليزود المكتب الإعلامي بمقاطع الفيديو. وما إن تماثل للشفاء حتى عاد إلى حمل بندقيته على خطوط المواجهات الأولى. وبينما كان مع رفاقه يتصدون لمحاولة لقوات النظام لاقتحام المدينة من محور القرية الصغيرة على طريق صحنايا يوم السادس عشر من كانون الأول 2013 أصابته عدة رصاصات في كبده ورئته، وحاول الأطباء استخراج تلك الرصاصات واستئصال الطحال بهدف الحفاظ على حياته، إلا أن أصابته البليغة كانت كفيلة بالقضاء عليه، لتنتهي بذلك حكاية شاب نابض بالحياة والأمل، ولتودع داريا في اليوم التالي ابنها المخلص “محمد أبو اللبن.. أبو ماهر” أحد أبرز نشطائها ومقاتليها ذي الـ 24 ربيعًا.