عنب بلدي – محمد فنصة
مر نحو شهر على “التفاهم” الشفوي بين الأمم المتحدة والنظام السوري على دخول المساعدات من معبر “باب الهوى”، دون أن يدخل حتى الآن أي مساعدات، ما يثير التساؤلات حول أسباب هذا الاستعصاء.
وكانت أحدث المواقف الأممية الصادرة عن الأمم المتحدة حول هذه القضية، ما جاء على لسان المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في 29 من آب الماضي، بشأن سعيها لإيجاد صيغة تنفيذ “التفاهم” الذي أبرمته مع النظام في 7 من الشهر نفسه، لدخول المساعدات الإنسانية إلى شمال غربي سوريا.
وصرح دوجاريك خلال إحاطته اليومية ردًا على سؤال صحفي بشأن مضي ثلاثة أسابيع منذ الإعلان عن “التفاهم” مع دمشق، دون بدء دخول المساعدات عبر “باب الهوى”، بالقول، “إننا لا نزال نحاول وضع التفاصيل التشغيلية لكيفية تنفيذ الاتفاق”.
وفي 10 من آب الماضي، صرح نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق، أن بدء عبور شاحنات المساعدة عبر المعبر يحتاج إلى أيام أو أسابيع، دون ذكر موعد محدد، وجاء ذلك تعليقًا على “التفاهم” بين الأمم المتحدة وحكومة النظام.
“انقطاع التواصل”
لمعرفة أسباب توقف دخول المساعدات الأممية إلى شمال غربي سوريا من معبر “باب الهوى”، ومدى كفاية الكميات المتوفرة في مستودعات المنظمات الشريكة، تواصلت عنب بلدي مع ممثل برنامج الغذاء العالمي في شمال غربي سوريا، يان سوفانتو، عبر البريد الإلكتروني، دون الحصول على رد حتى لحظة كتابة التقرير.
الطبيب السوري والناشط في المجال الإنساني والعامل السابق في مجال المساعدات والمناصرة محمد كتوب، قال لعنب بلدي، إنه بحسب معلوماته يوجد انقطاع بالتواصل ما بين مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في ولاية غازي عينتاب التركية وإدارة معبر “باب الهوى”، مشيرًا إلى أن رفض التواصل يأتي من طرف المعبر.
تواصلت عنب بلدي مع المكتب الإعلامي لمعبر “باب الهوى”، للوقوف على وضع دخول المساعدات الأممية للمعبر منذ إعلان “التفاهم”، دون الحصول على رد حتى لحظة كتابة التقرير.
وتوقع كتوب أن سبب رفض حكومة “الإنقاذ”، التي تتبع إدارة معبر “باب الهوى” لها، التواصل مع الأمم المتحدة، لعدم تنسيق الأخيرة معها أو الاطلاع على موقفها قبل تنسيقها مع النظام والوصول إلى “التفاهم” بينهما.
بدوره، استبعد الدبلوماسي السوري السابق داني البعاج أي خلاف على بنود “التفاهم” بين الأمم المتحدة والنظام، مستندًا بذلك إلى أنه جاء بعد تعديل شروط النظام لتناسب آلية عمل الأمم المتحدة، وبعد تجديد “موافقته” لعبور المساعدات عبر معبري “باب السلامة” و”الراعي” لثلاثة أشهر.
وأوضح البعاج لعنب بلدي، أن وكالات الأمم المتحدة اتخذت خطوات احتياطية قبل انتهاء التفويض الأممي لـ”باب الهوى”، في 10 من تموز الماضي، بتعبئة مستودعاتها في شمال غربي سوريا.
ونفذت الأمم المتحدة 200 عملية إيصال للمساعدات إلى شمال غربي سوريا منذ وقوع الزلزال المدمر في شباط الماضي.
وكانت القافلة رقم 200 قد عبرت، في 30 من آب الماضي، معبر “باب السلامة”، وضمّت 17 شاحنة تحمل مواد إيواء إنسانية من المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى الشمال الغربي.
ورفضت 86 منظمة مدنية وشبكة سورية عاملة في الشمال السوري موقف الأمم المتحدة الحالي المرهون بتوصيل المساعدات الإنسانية لشمال غربي سوريا عبر انتظار موافقة النظام.
وجاء في بيان مشترك، في 31 من آب الماضي، أن “التفاهم” نقل موافقة عبور المساعدات الأممية عبر الحدود من صلاحيات مجلس الأمن إلى الاعتماد على موافقة النظام الذي حصر العمليات الإنسانية عبر الحدود بمعابر ولفترات زمنية محددة، ودون أي ضمانات لاستمرار هذه الموافقة، ما يضع العمل الإنساني تحت تهديد مستمر بإيقافه، بسبب تاريخ النظام المعروف بانتهاكه المستمر لحقوق الانسان.
عدم الخضوع لأي جهة
شددت المنظمات المشاركة في البيان على تبنيها للرأي القانوني الذي ينص على أن وصول المساعدات الإنسانية عبر الحدود في شمالي سوريا وكامل المناطق السورية الخارجة عن سيطرة النظام قانوني وفق القانون الإنساني الدولي لجميع الهيئات والمنظمات الإنسانية، بما فيها وكالات الأمم المتحدة، ولا يحتاج إلى موافقة من النظام ولا إلى تفويض من مجلس الأمن.
وفي حال عدم قدرة الأمم المتحدة على ضمان استمرار عملها الإنساني المستقل عبر الحدود، يجب العمل على آليات جديدة تضمن استمرار العمليات الإنسانية عبر المنظمات المحلية السورية والمنظمات الأجنبية، وفق مسار أكثر استدامة ينطلق من مصلحة المجتمعات المتضررة ويتغلب على مخاوفهم، ويضمن وصول السكان إلى هذه المساعدات دون شروط، ما يساعد في التخطيط البعيد المدى للبرامج الإنسانية.
ويرى الناشط في المجال الإنساني والعامل السابق في مجال المساعدات والمناصرة محمد كتوب، أن دخول المساعدات يجب أن يكون غير خاضع لموافقة أي جهة أو لأي تجاذب سياسي.
وحول تأثير “موافقة” النظام على دخول المساعدات في حال بدء العمل بهذه الآلية عبر “باب الهوى”، أوضح كتوب أن المساعدات لا تشمل الشاحنات المحملة فقط، لكن هي عبارة عن برامج وعمليات إدارة مرافق صحية ومحطات مياه ومخابز وعديد من البرامج الإنسانية بكل قطاع ما بين مأوى وصحة وتعليم وأمن غذائي، تدار من المكتب الأممي بغازي عينتاب، حيث تُضخ الأموال عبر الحدود لإدارة هذه المشاريع ولتمويل النفقات التشغيلية.
ويعد التخوف الرئيس عند المنظمات الإنسانية، بالإضافة إلى كمية المساعدات التي ستمر، أن تصبح البرامج متأثرة أو متحكمًا بها من قبل النظام، إذ إن له يدًا بإيقافها وهو الذي اشترط سابقًا أن يجري توصيل المساعدات بالتنسيق مع “الهلال الأحمر السوري” الخاضع لسيطرته، وفق كتوب.
ظهور الآثار
في تقرير لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، في 28 من آب الماضي، قالت إنه منذ الأسبوع الماضي بدأ انقطاع مادة الخبز عن معظم المخيمات في شمال غربي سوريا، بالتزامن مع نقص في كميات المياه الواصلة إليها، وغلاء معظم السلع الغذائية، جراء توقف دخول المساعدات الأممية عبر معبر “باب الهوى” لمدة سبعة أسابيع، ما ينذر “بكارثة إنسانية” في المنطقة.
بدوره، أدان فريق “منسقو استجابة سوريا” عدم جدية المجتمع الدولي في تحمل مسؤولياته أمام السوريين في شمال غربي سوريا وضمن المخيمات، بعد مرور أكثر من شهر على توقف دخول المساعدات من “باب الهوى”، ونحو أربعة أسابيع على “التفاهم” بين الأمم المتحدة والنظام السوري.
وجاء في البيان المنشور في 21 من آب الماضي، أن الفريق رصد توقفًا كاملًا لبرنامج الأمن الغذائي للنازحين، حيث اضطرت آلاف العائلات إلى تخفيض عدد الوجبات اليومية إلى وجبة واحدة.
ويقطن في شمال غربي سوريا ما لا يقل عن 4.5 مليون شخص، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، من بينهم 1.9 مليون شخص في المخيمات، في حين يعتمد 90% منهم على المساعدات الإنسانية الأممية.