السويداء.. عودة الحلم السوري
إبراهيم العلوش
للأسبوع الثاني تستمر احتجاجات السويداء التي يتردد صداها في كل الأنحاء السورية، سواء في داخل البلاد أو في بلدان الهجرة والاغتراب، وتتلقى الاهتمام الإعلامي الدولي، رغم أن افتتاحية صحيفة “البعث” تنعت الإعلاميين الذين ينقلون أخبار السويداء بصراصير يجب سحقها.
تمتلئ ساحات الاحتجاج بالمتظاهرين في مدينة السويداء وريفها، وتعلو الهتافات المطالبة بإسقاط النظام، وتردد أغاني الثورة التي انطلقت عام 2011، وتدعو الجماهير لرفض الوضع القائم والضغط من أجل حل سياسي يوحد سوريا ويحفظ كرامة السوريين، التي مرّغها نظام الأسد ببراميله وطائراته واعتقالاته الوحشية، وحربه الكيماوية والتقليدية على المدن والقرى السورية.
برز نجم الشيخ حكمت الهجري، الذي سمّى نفسه زعيم الطائفة الدرزية في سوريا، وأعلن أن مطالب السوريين بالحل السياسي وإسقاط النظام لا رجعة عنها، رافضًا استقبال مندوبي الأسد، ومنهم محافظ السويداء، بسام بارسيك، ومحافظ ريف دمشق، صفوان أبو سعده، اللذان وعدهما النظام بالمناصب الرفيعة إن تمكنا من إيقاف الحراك في السويداء.
رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، أعلن أن القوات الأمريكية ستغلق الحدود العراقية- السورية لتنفيذ مخطط يتعلق بالسويداء، ويمنع تدفق الميليشيات الطائفية الإيرانية والعراقية، في حين أن “حزب الله” تحدى الأمريكيين إن استطاعوا إغلاق الحدود السورية- العراقية، وأعلن تجديد عزم الحزب على دعم نظام بشار الأسد المتهالك.
وزير الخارجية الإيراني، حسين عبد اللهيان، وصل بشكل مفاجئ إلى دمشق، في 30 من آب الماضي، لنجدة النظام، تحت شعار رسمي هو تطبيق الاتفاقيات التي وقعها الرئيس الإيراني مع بشار الأسد، والتي تستهدف استعادة الأموال المصروفة على تثبيت نظام الأسد، التي تقدّرها المعارضة الإيرانية بـ50 مليار دولار، حسب وثائق مسرّبة من المواقع الحكومية الإيرانية.
لا يزال الموقف العربي متأنيًا وينتظر تصرفات النظام، وحسب الكاتب السوري جبر الشوفي، لم تقم الصحف العربية على العموم بتناول الحراك في السويداء وتأثيره، علّ النظام يعاود التفكير في تنازلات معقولة للشعب السوري. وربما تقوم المنظومة العربية بإخراج بشار الأسد وعائلته من المأزق الإجرامي بشكل لائق، بعيدًا عن الملاحقات الدولية، وبعيدًا عن مصير معمر القذافي، الذي لا يتمناه القادة العرب ولا يرغبون بمشاهدته لما له من آثار على استقرار هذه الأنظمة، القائمة بدورها على التطويع القسري والاستمرار الأبدي في السلطة.
تتردد الإشاعات والسيناريوهات عن إمكانية حصول درعا والسويداء على الإدارة الذاتية تحت مظلة النظام، وربما في اتفاق سري بينه وبين جامعة الدول العربية من جهة، أو تحت المظلة الأمريكية في توسيع متوقع للانتشار الأمريكي في التنف وفي شرق الفرات، ولعل هذا ما قصده نوري المالكي رجل إيران القوي في العراق، وما يحاول التحذير منه في تسريبه للأخبار عن الحدود العراقية- السورية.
وفي السياق الداخلي، تقدم العميد المتقاعد نايف العاقل، الحائز وسام الجمهورية، بمبادرة لإدارة السويداء بمجلس محلي بعيدًا عن عصابات النظام المخابراتية وعن تجارة المخدرات، التي صارت موردًا أساسيًا لعائلة الأسد، ما جعل الصفحات الموالية تمننه بعطايا حافظ الأسد وابنه، ومنها إجراء عملية جراحية له بالركبة في مستشفى “تشرين العسكري”، وكأن هذه العملية صدقة جارية من جيب الأسد، وليست واجبًا على الدولة والجيش، الذي خدم فيه نايف العاقل وتم منحه وسام الجمهورية!
واستمرت مواقع المؤيدين باتهام السويداء بالانفصال وتلقي الدعم من إسرائيل والدخول في المؤامرة الكونية، التي يرددها النظام صباح مساء، ولعل رفع علم الدروز ذي الألوان الخمسة يجعلهم يتذرعون به في سَوق اتهاماتهم، رغم أن الهتافات في ساحات السويداء تؤكد على وحدة سوريا وعلى تطبيق القرار “2254”، وهذا ما لا يود أن يسمعه أنصار النظام الغارقون في مساندتهم للنظام.
البهجة تعم جمهور ثورة 2011، وتجعلهم ينظمون الوقفات والمحاضرات في الشمال السوري وفي الشرق وفي المهاجر، التي وصلوا إليها مطاردين من مخابرات الأسد وميليشياته الطائفية، وذهب بعضهم إلى رفع علم الدروز غير آبه بكل التهم التخوينية، مرحبًا بأي شعار يحمل إليهم الخلاص من هذه الحقبة الأسدية المقيتة.
لا ننسى هنا حالة الغلاء والجوع والفقر التي تحط من كرامة السوريين في الداخل وتجعلهم غير آبهين بأي خسارة تلحق بهم، وهذا ما قد يجعل جمهور الساحل السوري ينضم إلى الحراك، إذ ينشر الآن ناشطوه قناعاتهم الجديدة بأن الموت أسهل من الاستمرار في الحياة مع النظام المغتصب للسلطة والثروات بحجة الدفاع عن الأقليات، أو الدفاع عن الوطن، الذي تم تسليمه رسميًا لروسيا وإيران ولمدة 50 سنة قابلة للتجديد.
زيارة عدد من رجال الدين الدروز، ومنهم اثنان من شيوخ العقل هما الشيخ يوسف الجربوع والشيخ حمود الحناوي، التي كتبت عنها الكاتبة السورية نجاة عبد الصمد في أيار الماضي، إلى ألمانيا، ولقاؤهم مع السوريين ومع المسؤولين الأوروبيين، ربما مكّنتهم من الحصول على بعض الدعم الدولي في تحركهم الذي صار واقعًا على الأرض، وصار موضوعًا حارًا في الإعلام وفي المنظمات الدولية التي أعادت التأكيد على عدم قبول السوريين باستمرار العيش في ظل نظام مارق على حقوق الإنسان، ويتموّل من صناعة المخدرات التي ستصل إلى أوروبا قريبًا أو بعد زمن، ما دام هذا النظام يستمد كل طاقاته من هذه الصناعة الإجرامية.
أعادت تحركات السويداء الثورة السورية إلى سلميتها، وأعادت النقاشات الدولية حولها، وقد تجبر الدول على إعادة طرح القضية السورية وتحريك المحاكم الدولية في مواجهة نظام الأسد ورجالاته المتورطين بالدم وبصناعة “الكبتاجون” وتهريبه.
احتجاجات السويداء تجعل الحلم بسوريا حرة تحفظ كرامة مواطنيها لا يزال ممكنًا، فهل تتوحد الجهود من أجل إنجاح هذه الثورة المتجددة للشعب السوري.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :