عنب بلدي – حسن إبراهيم
يشعر الشاب فارس بسعادة بعد اختفاء بعض معالم التشوه في يد طفلته ذات الست سنوات، عقب علاجها في مركز تجميل بمدينة إدلب شمال غربي سوريا.
واستمرت فترة العلاج خمسة أسابيع، وكانت عبارة عن جلسات ليزرية لإزالة التشوه نتيجة حرق تعرضت له الطفلة قبل عام.
قصد فارس مركز التجميل لأنه مضطر، بحسب ما قاله لعنب بلدي، خوفًا من انعكاس التشوه على صحة طفلته الجسدية والنفسية، وأضاف، “لم نلمس ذلك التغيير الجذري في التشوه، وأعتقد أن نسبة التغيير لم تتجاوز 15%، ولكن ذلك أفضل من لا شيء”.
في المقابل، اعتبرت غصون (32 عامًا) أن تجربتها في مركز تجميل بإدلب كانت جيدة، وقالت لعنب بلدي، إنها أجرت جلسات إزالة الشعر بالليزر وشد ترهلات البطن وخلصت إلى نتائج إيجابية.
وتنتشر مراكز التجميل في إدلب وتقدم خدمات متنوعة، مستقطبة فئات مختلفة رغم ارتفاع أسعارها وتخصصها بأمور تعتبر رفاهية لدى شريحة واسعة، بينما يراها البعض حاجة ضرورية، لا سيما عمليات إخفاء الندوب والتشوهات التي خلّفتها سنوات الحرب في سوريا.
وتشهد مراكز التجميل هذه إقبالًا رغم الضائقة الاقتصادية والأوضاع المعيشية المتردية وحالة عدم الاستقرار النسبية، وهي لا تقتصر على ميسوري الحال، إنما تعددت خيارات العناية بالجمال وباتت في متناول الجميع ومن طبقات اقتصادية مختلفة.
جراحة وتجميل وترميم
مديرة مركز “السلام للتجميل والليزر” بإدلب، الصيدلانية ريم كنجو، قالت لعنب بلدي، إن معظم المراكز تقدم خدمات التجميل وتتوفر فيها أجهزة متطورة للبشرة والشعر، ومنها “الهايدرافيشال” (جهاز يعمل على تقشير البشرة كيماويًا وكريستاليًا)، و”البلازما” للشعر والوجه، و”ديرما بن” (لشد المسام وتقليل البقع)، و”ميزوثيرابي” (لتجديد خلايا الجلد)، وجهاز شد الترهلات في الجسم والبشرة واليدين، وإزالة الشامات، والزوائد اللحمية، وتكسير الدهون.
وأضافت كنجو أن الخدمات التي تقدمها المراكز هي إزالة الشعر بالليزر، وتصحيح عيوب البشرة من تصبغات وندوب وآثار الحروق، وما إلى ذلك من مشكلات يتعرض لها الجلد بشكل عام والبشرة بشكل خاص، كما تعالج المراكز مشكلات تساقط الشعر وتقصفه.
وأوضحت أن المركز الذي تديره يضم قسمًا لمعالجة السمنة والوصول إلى الوزن المثالي عن طريق الأنظمة الغذائية، بمساعدة الأجهزة، وبوجود طبيبة متخصصة.
وتضم المراكز كوادر متخصصة كطبيب تغذية أو جلدية، إلا أنها تعتمد بشكل أكبر على الفنيين والمتدربين لمعالجة مشكلات الجلد والبشرة.
وتوفر عمليات زارعة الشعر، وإزالة الوشم، وعمليات قص المعدة، وتصحيح التشوهات الخلقية أو الناتجة عن إصابات حربية، وجميع العمليات الجراحية والترميمية في مراكز مختصة بها.
تكلفة بالدولار وإقبال متوسط
أوضحت غصون (أجرت إزالة شعر وشد ترهلات بطن) أن العائق الأكبر كان التكلفة، إذ بلغت 65 دولارًا أمريكيًا (حوالي 1750 ليرة تركية)، منها 45 دولارًا عن ثلاث جلسات لإزالة الشعر، و20 دولارًا عن جلستين لشد الترهلات.
أما فارس فذكر أن جلسات علاج تشوه يد طفلته يجب أن تتكرر بعد فترة لأن تأثيرها ليس دائمًا، لافتًا إلى أن الطبيب طلب بداية الأمر إجراء خمس جلسات بتكلفة 15 دولارًا أمريكيًا لكل جلسة، وبعد إلحاح شديد اتفقا على تخفيض الأجر إلى عشرة دولارات، مع وعود بأن الجلسات ستعطي نتائج جيدة بنسبة 50%.
ويبلغ سعر جلسة الليزر لكامل الجسم بين 45 و50 دولارًا، وسعر جلسة “كربوني” لنضارة الوجه وتبييض الأكواع والمناطق الحساسة 15 دولارًا.
ويبلغ سعر إبرة “البوتوكس” 50 دولارًا، و”الفيلر” 100 دولار، وجلسة نحت الجسم الكامل 20 دولارًا، وجلسة “الهايفو” لشد التجاعيد 15 دولارًا، وتنظيف البشرة العميق عشرة دولارات.
من جهتها، قالت السيدة هناء الشامي (24 عامًا)، إنها لا تثق بالدخول إلى مركز تجميل في إدلب، موضحة أن هذه العمليات تحتاج إلى طبيب متخصص ولديه خبرة كبيرة في المجال.
وذكرت خلال حديثها لعنب بلدي، أنها كثيرًا ما تسمع عن عمليات تجميل فاشلة وقد تحصل لمشاهير وبمراكز عالمية، لذلك لا تقتنع بأن مركزًا في منطقة جغرافية ضيقة وظروف معيشية متردية، سيوفر نتائج جيدة لعملية تصغير أنف أو رفع حاجب على سبيل المثال.
الصيدلانية ريم كنجو وصفت الإقبال بأنه متوسط، وهو غالبًا يكون لغرض علاجي أكثر مما هو تجميلي، إلا أن الظروف المادية الصعبة للناس تشكل عاملًا لابتعادهم عن المراكز.
أحمد صطوف، طبيب جراحة تجميلية، ويدير مركزًا للتجميل والليزر وطب الأسنان في مدينة إدلب، قال إن مراكز التجميل زادت في المنطقة في ظل الاستقرار النسبي، إلا أن الإقبال محدود لفئات التجميل، وجيد لمن يعانون إصابات حربية وبحاجة إلى عمليات ترميمية وتجميلية.
وأوضح صطوف لعنب بلدي، أن الأسعار مرتفعة بسبب ارتفاع تكلفة الأجهزة لا سيما الليزر، إلا أنها أسعار معقولة مقارنة بتكلفة مثل هذه العمليات في خارج المنطقة.
وذكر الطبيب أن هناك منظمات طبية محلية تتكفل بأجور علاج تشوهات مصابي الحرب الذين يعامَلون أساسًا بأسعار مخفضة مراعاة للظروف المعيشية، معتبرًا أن الخدمات المقدمة في المراكز جيدة وتعطي النتائج المرجوة، وهي ذات النتائج التي تقدمها المراكز الخارجية.
شروط وتراخيص
مسؤول مديرية المستشفيات في وزارة الصحة بحكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب، ملهم غازي، قال لعنب بلدي، إن الوزارة وضعت معايير فنية عدة وتعليمات تنفيذية لإصدار تراخيص لمراكز التجميل.
وأوضح غازي أن الشرط الأهم هو وجود طبيب أو طبيبة اختصاصية بالتجميل أو الأمراض الجلدية أو أي اختصاص متعلق بالخدمات التي يقدمها المركز، مضيفًا أن الترخيص يُمنح للطبيب المدير الفني للمركز والمشرف عليه، ولا يتم منحه لغير الطبيب.
وتتبع هذه المراكز وعددها 12 للقطاع الخاص، وتشرف على عملها وزارة الصحة، وتتابع التزامها بالبروتوكولات المعتمدة لديها.
وخلال إعداد عنب بلدي لهذا التقرير، تبين أن هناك مراكز عدة لا تحقق الشروط التي تحدثت عنها الحكومة، ومع ذلك فإنها حصلت على تراخيص تسمح لها بمواصلة عملها وتقديم خدماتها.
هروب من الضغوط النفسية
تنشط هذه المراكز في منطقة شمال غربي سوريا التي يعاني سكانها الفقر المدقع، وتراجعًا وعجزًا في القدرة الشرائية، وقلة فرص العمل، وتضم المنطقة 4.5 مليون إنسان، 4.1 مليون منهم بحاجة إلى مساعدة، و3.3 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، ولا تتجاوز أجرة العامل في أحسن الأحوال 70 ليرة تركية (أقل من ثلاثة دولارات).
الاختصاصي في علم النفس الاجتماعي صفوان قسام، قال لعنب بلدي، إن الاحتياجات عند الإنسان يُفترض منطقيًا أن تكون حسب الأولويات، أو ما يعرف بـ”هرم ماسلو” للاحتياجات الإنسانية الأساسية، وهي محددة بخمسة احتياجات على شكل هرمي ابتداء من أسفل الهرم إلى أعلاه، وهي:
احتياجات فسيولوجية (مثل الطعام واللباس)، ثم الحاجة إلى الأمان (مثل الأمان المعيشي والوظيفي)، وثالثًا احتياجات اجتماعية (مثل الصداقة والأسرة)، ورابعًا الحاجة إلى التقدير (مثل تقدير الذات والاحترام)، وخامسًا الحاجة إلى تحقيق الذات (مثل الابتكار وحل المشكلات).
ويرى قسام أن الأولويات في شمال غربي سوريا غير منطقية بالنسبة لأشخاص يعيشون في الحد الأدنى من الكفاف، وبالمقابل يذهب بعضهم لإجراء عمليات تجميل، معتبرًا أن السبب وراء قصد المراكز، هو البحث عن مخرج من الضائقة النفسية التي يعيشها الشخص من فقر وقلة وحرمان وتدني المستوى المعيشي.
وأضاف أن رغبة الشخص بالبحث عن التقدير الاجتماعي وتلبية الحاجة إلى تقديره لنفسه والثقة بها ترتفع حين يتوجه الشخص لهذه العمليات، وأنها بمنزلة تعويض عن ضغوطه النفسية.
وذكر قسام أن الإعلام والترويج يلعبان دورًا كبيرًا في خلط الأولويات لدى الفرد، وخاصة الإعلام المحكوم بأجندات وخلفه مصالح، إذ إن له دورًا في زرع قيم وتعاليم مغايرة.
أخطار عمليات التجميل
تعد عمليات التجميل من أقدم علاجات الشفاء في العالم، ويعتقد العلماء أن أقدم عملية تجميل لوجه أُجريت منذ أكثر من 4000 عام، واستخدم الأطباء في الهند القديمة “ترقيع الجلد” ( (Skin grafts في الجراحة التجميلية منذ عام 800 قبل الميلاد.
وتحولت هذه العمليات تدريجيًا من عمليات ترميمية ضرورية، تقتصر على إصلاح الأجزاء التالفة من جسم الإنسان وترقيعها كي تعود إلى حالتها الطبيعية قدر الإمكان، إلى عمليات تجميل ومواكبة “الموضة”، وبعضها للتشبه بشخص مشهور، أو لمجرد أن عمليات التجميل انتشرت بشكل واسع وأصبحت في متناول أغلب الناس.
وتحمل جميع العمليات الجراحية بعض الأخطار، وغالبًا ما تكون إجراءات الجراحة التجميلية والترميمية معقدة، وقد تغير الهياكل الحساسة بالقرب من أعضاء الجسم الرئيسة أو الأنسجة الحساسة.
ويعتمد احتمال حدوث مضاعفات على عوامل مختلفة، تشمل نوع الجراحة، وحالة الشخص الصحية، وعوامل نمط الحياة مثل التدخين وغيره، وقد تحدث بعض المضاعفات خلال الجراحة، بينما يمكن أن تتطور مضاعفات أخرى بعد التعافي، ويعد أحد أبرز الأخطار هو أن الشخص قد لا يحقق النتيجة التي كان يتوقعها.
وبحسب مركز “Cleveland clinic” الطبي الأكاديمي، فإن الأخطار المحتملة الأخرى للجراحة التجميلية تشمل:
-ندوبًا غير طبيعية.
-جلطات الدم.
-فقدان الدم.
-مضاعفات التخدير، مثل مشكلات الجهاز التنفسي خلال إجراء العملية.
-تراكم السوائل.
-العدوى.
-تلف الأعصاب، ما يؤدي إلى الاعتلال العصبي.
-ندوبًا تمنع الحركة الطبيعية.
-بطء شفاء الجروح والشقوق التي تستغرق وقتًا أطول من المتوقع للشفاء.
شارك بإعداد التقرير مراسل عنب بلدي في إدلب شمس الدين مطعون