فقدوا أعمالهم أو منازلهم
سوريون دفعهم الزلزال نحو مهن صعبة في تركيا
عنب بلدي – براءة خطاب
خسر صلاح عمله في شركة “الصباح” (لبيع المواد الغذائية) التي كان يعمل بها لثلاث سنوات قبل الزلزال في ولاية أنطاكيا، إذ تعرض مبنى الشركة لتصدعات أجبرت مالكيها على إغلاقها.
ليس صلاح وحده من انقلبت حياته بعد كارثة الزلزال المدمر، الذي تعرضت له مناطق في جنوبي تركيا وشمالي سوريا في 6 من شباط الماضي، إذ يعاني المئات من اللاجئين السوريين بسبب المنازل المتصدعة، ما دفعهم للإقامة في أماكن عشوائية، أو التكدس مع أكثر من عائلة في منزل واحد، ريثما يجدون طريقة يقيمون فيها بشكل قانوني.
فقد اللاجئ صلاح حسنو (50 عامًا) منزله في مدينة أنطاكيا جنوبي تركيا، بعد تعرضه لتصدعات جعلته غير قابل للسكن، ثم هُدم بقرار من السلطات التركية لاحقًا.
ويعمل صلاح الآن في توزيع المواد الغذائية للمحال والمطاعم بمفرده في مدينة أنطاكيا، ويقصد ولاية غازي عينتاب كل أسبوع، لإحضار المواد وتوزيعها، شاكيًا اضطراره إلى بذل مجهود حركي يفوق قدرته الجسدية في عمره الحالي، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
وبعدما مكوثه تسع سنوات في أنطاكيا، لقربها من سوريا، وقدرته على التحدث بأريحية مع أهلها، ينوي صلاح الانتقال إلى ولاية أخرى، والبدء بعمل جديد، فعمله الحالي يحتاج دومًا إلى “إذن سفر” يسمح له بالتنقل بين الولايات التركية.
وعلى الرغم من مرور نحو سبعة أشهر على كارثة الزلزال، فإن آثاره الاقتصادية والنفسية واضحة على وجوه عديد من الناجين ممن قابلتهم عنب بلدي.
محمد حسكيرو، سوري من مدينة جسر الشغور بمحافظة إدلب، يقيم في مدينة الريحانية التابعة لولاية هاتاي جنوبي تركيا، يبحث هو الآخر عن الاستقرار في ولاية أخرى بعدما تضرر منزله ومكان عمله في أنطاكيا إثر الزلزال.
يعمل محمد (26 عامًا) في مطعم لبيع الوجبات السريعة، ويشتكي طول ساعات عمله، إذ يعود إلى المنزل في الساعة الرابعة صباحًا، ولا يحصل على أكثر من يومي عطلة في الشهر، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
عقبات أمام النهوض من جديد
قصي الحسن، الذي لجأ إلى تركيا عام 2013 هربًا من القصف والمعارك في الشمال السوري، وجد نفسه بعد الكارثة كمن يبدأ حياة اللجوء من الصفر بعد أن خسر منزله بما فيه.
قال قصي لعنب بلدي، إن خسائره لم تقتصر على محتويات منزله التي اشتراها على مدار أعوام، بل فقد جزءًا من حياته ويومياته في الحي الذي أقام فيه، ودُفنت كلها تحت أنقاض المباني المنهارة، وأصبحت ذكرى مثل حياته السابقة في سوريا.
بعد أن خسر محل ألبسة نسائية مرخصًا كان يملكه في مدينة أنطاكيا، اضطر قصي للعمل في مجال آخر، وهو يعمل اليوم لساعات طويلة في ورشة للنجارة، ويصفها بأنها “مهنة صعبة”.
لجأ قصي إلى بيت أقربائه في ولاية قونيا بعد وقوع الزلزال، وعمل هناك على تسويق الألبسة للمحال السورية، ولكن بكميات قليلة وفرت مردودًا ماديًا محدودًا.
وبعد شهر اتصلت به غرفة تجارة أنطاكيا وأبلغته بإمكانية العودة لاستئناف عمله والإقامة في “كرفانة” مقدمة من الحكومة، لكنه عندما عاد علم من الجهة المعنية أن “الكرفانات” غير مخصصة للسوريين حاليًا، وينوي قصي العودة إلى أنطاكيا، “لكن إيجارات المنازل أصبحت عالية جدًا”، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
وارتفعت قيمة الإيجارات الشهرية للمنازل في الولايات المتضررة بما يفوق قدرة بعض السوريين، فضلًا عن شروط تسجيل إقامة الأجانب في بعض الأحياء التي تفرضها وزارة الداخلية التركية، وهو ما زاد من التعقيدات أمامهم، ودفع كثيرين للتفكير والبحث عن طريقة للخروج من تركيا إلى بلاد لجوء أخرى.
يقيم عمر كاكا (33 عامًا) وعائلته في منزل أحد أقربائه بولاية بورصة مع 15 شخصًا، جراء فقدان منزله المستأجر في ولاية أنطاكيا، وعدم قدرته على استئجار منزل بمفرده.
فكر عمر بالعودة إلى سوريا، لكن أقاربه حذروه من ذلك، وكذلك أصدقاؤه الذين ذهبوا في الإجازات بعد الزلزال، مؤكدين أن الأهالي في سوريا يبحثون عن طريقة للخروج من البلاد، وأنه يمتلك “امتيازًا” بوجوده في تركيا.
قال عمر، إن أقل إيجار منزل متواضع في جنوبي تركيا حاليًا لا يقل عن خمسة آلاف ليرة تركية شهريًا، وهو مبلغ لا قدرة له على تأمينه في الوقت الحالي، نتيجة فقدانه مصدر رزقه، كما أن عمله في مطعم لبيع الأسماك زاد الصعوبات في حياته، بسبب اختلافه الكلي عن عمله السابق في الإنشاءات.
أما عبد الله (52 عامًا)، وهو خريج كلية الاقتصاد، وكان يعمل مديرًا ماليًا وإداريًا في سوريا، فلجأ إلى تركيا مع عائلته عام 2011، واستقر في مدينة أنطاكيا لقربها الجغرافي من سوريا، وبعد وقوع الزلزال انتقل للعيش في ولاية أوشاك حيث يدرس ابنه في جامعة “أوشاك”.
ذكر عبد الله لعنب بلدي أنه كان يملك محل بقالة استأجره من مالكه التركي، لكنه دُمر بالزلزال مع المنزل الذي كان يسكنه.
اختار عبد الله وعائلته المكوّنة من أربعة أشخاص البقاء في ولاية أوشاك، والبحث عن عمل يعول به نفسه وعائلته ويناسب عمره، إذ من الصعب عليه العمل ضمن ورشات ومعامل بسبب ضعف بنيته الجسدية، بحسب قوله.
واعتبر عبد الله أن المكان فيه “بيئة مريحة للعمل والاستقرار” مقارنة ببقية الولايات التي تفرض قيودًا كثيرة على السوريين.
ويكافح عديد من السوريين الذين تضررت أعمالهم عقب حدوث الزلزال لبناء حياتهم من جديد، كما زادت أعباء الحياة جراء الغلاء وصعوبة الحصول على المسكن والعمل.
تضرر 658 ألف عامل
كشفت منظمة العمل الدولية (ILO) عن تأثير الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، في 6 من شباط الماضي، على العمالة، ودعت إلى “دعم عاجل” للذين فقدوا وظائفهم وسبل عيشهم في سوريا وتركيا.
وقالت المنظمة في تقريرها، الصادر في 28 من آذار الماضي، إن الزلزال في تركيا ترك أكثر من 658 ألف عامل غير قادرين على كسب عيشهم.
وتقدّر المنظمة أن هؤلاء العمال المتضررين يواجهون خسائر في الدخل يزيد متوسطها على 230 دولارًا أمريكيًا شهريًا لكل منهم.
إلى جانب خسائر الوظائف، حذر تقييم منظمة العمل الدولية بشأن تركيا من زيادة المخاطر على السلامة والصحة المهنيتين، بالإضافة إلى عمالة الأطفال.
وبحسب أحدث إحصائية لوزارة العمل نهاية عام 2021، بلغ عدد السوريين الحاصلين على تصريح عمل في تركيا 91500 شخص.
ويبلغ عدد اللاجئين السوريين المقيمين في المناطق المتضررة من الزلزال 1.7 مليون شخص، بينما يبلغ إجمالي عدد اللاجئين السوريين في تركيا حوالي ثلاثة ملايين وأكثر من 395 ألف لاجئ خاضعين لنظام “الحماية المؤقتة”، بحسب أحدث إحصائية صادرة عن رئاسة الهجرة التركية في تموز الماضي.
ورصدت عنب بلدي، في تقرير سابق، وضع السوريين الصعب جراء الزلزال في تركيا، والوجهات التي سلكوها أو التي فرضتها عليهم ظروف الكارثة، وحجم الدعم المقدّم سواء من قبل السلطات أو المنظمات غير الحكومية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :