أثار تسجيل مصور ضمن معرض “صنع في سوريا” المقام في العاصمة اللبنانية، استغراب العديد من السوريين في وسائل التواصل الاجتماعي، نتيجة الأسعار المنخفضة للمنتجات السورية المعروضة في المعرض مقابل الأسعار في سوريا.
وافتتح في 24 من آب الماضي، معرض المنتجات السورية في الضاحية الجنوبية لبيروت، واستمر حتى 2 من أيلول الحالي، حيث عرضت مجموعة متنوعة من المنتجات الغذائية والإلكترونية والألبسة.
ونشرت الإعلامية اللبنانية، بتول عبد الله، تسجيلًا مصورًا من داخل المعرض، سألت فيه أصحاب المنتجات عن أسعارها، ليتبين أن قيمة معظم المنتجات يماثل أو أرخص من نظيرتها في سوريا.
ومن أمثلة أسعار هذه المنتجات، علبة المتة من نوعية “خارطة” السورية بوزن 250 غرامًا التي تباع بسعر 100 ألف ليرة لبنانية، وهو ما يعادل حوالي دولار واحد، مع حصول الشاري على هدية، فيما يصل السعر في بعض المناطق السورية إلى 17 ألف ليرة سورية، وهو مايعادل 1.22 دولار في سعر الصرف بالسوق “السوداء”.
كما أن علبة المربى بوزن كيلوغرامين سجّلت 200 ألف ليرة لبنانية أي نحو دولارين، وهو سعر يوازي سعرها في سوريا، وكان الفرق واضحًا بين سعر كيلو الأرز “بسمتي” في المعرض الذي وصل إلى 130 ألف ليرة لبنانية أي أقل من دولار ونصف، بينما يقترب سعره في الأسواق السورية من 40 ألف ليرة سورية، أي نحو ثلاثة دولارات.
وبالنسبة للألبسة، قال أحد البائعين المشاركين في المعرض للإعلامية، إن سعر بنطال “الجينز” من النوع الأول يبلغ نحو 12 دولارًا، مؤكدًا أنهم يقدمون أسعارًا أرخص مما هي عليه في سوريا.
ووصل سعر صرف الدولار الواحد اليوم، الجمعة 8 من أيلول، إلى 14 ألف ليرة حسب موقع “الليرة اليوم” المختص بمراقبة أسعار صرف الليرة مقابل العملات الأجنبية.
تهريب وسرقة
شارك العديد من السوريين التسجيل المتداول على وسائل التواصل الاجتماعي، مستنكرين في ذات الوقت وضع الأسعار التي من المفروض أن تكون أرخص منها في الدول المستوردة.
وتساءل إعلاميون عن أسباب هذه الفروقات في السعر، بينما التزم أساتذة في كليات الاقتصاد بالجامعات السورية الصمت في طرح الظاهرة دون التعليق عليها.
بينما أفردت صحيفة “الثورة” الحكومية، تقريرًا، الأربعاء 6 من أيلول، حول نجاح المعرض وتحقيق المشاركين نسبة “مبيعات كبيرة”، كونه لاقى “قبولًا كبيرًا من المستهلك اللبناني من حيث الجودة والسعر”، فيما لم يكن الحال ذاته بالنسبة لمعرض “صنع في سوريا” المقام في دمشق الشهر الماضي.
وسألت عنب بلدي عدة سوريين مقيمين في لبنان عن أسعار المنتجات السورية التي تباع في لبنان، وبالمقارنة مع الأسعار في سوريا تبين أن أغلبها تعادل أو أرخص من نظيرتها في سوريا.
الباحث الاقتصادي خالد تركاوي، يفسّر هذه الحالة بأن لها علاقة بالحواجز المنتشرة في مناطق سيطرة النظام بسوريا، و”التشليح” للمنتجات من جهة، وانتشار سرقة السيارات والمستودعات من جهة ثانية، لتباع في لبنان بأسعار زهيدة بعد تهريبها.
ومن ناحية أخرى، أوضح تركاوي لعنب بلدي، أن العديد من أشهر المنتجات السورية أصبحت تنتج خارج سوريا في دول مثل لبنان والأردن وتركيا، ومن الأمثلة التي طرحها الباحث، وجود معمل “الدرّة” الأساسي للمنتجات الغذائية في الأردن، وكذلك العديد من منتجي القهوة.
وهو ما جعل المنتجات السورية في سوريا هي منتجات مستوردة من الخارج، بحيث يكون سعرها أعلى من سعر البلد المنتج خارج سوريا.
الباحث الاقتصادي اللبناني خالد ابو شقرا، قال لعنب بلدي، إن المنطق يفترض بأن كل أسعار السلع المصدرة تكون بالدول المصدر إليها أغلى من دول المنشأ، لأنه يضاف إليها الرسوم الجمركية والضرائب ورسوم الاستهلاك الداخلي وكلفة النقل وغيرها، أما فيما يخص بيع المنتجات السورية بسعر أرخص في لبنان فقد أرجعها لسببين أساسيين.
وأرجع ابو شقرا السبب الأول لإمكانية استغلال التجار السوريين بيع منتجاتهم بأعلى من سعرها الحقيقي مع “انعدام المنافسة”، الناتج عن “العقوبات الاقتصادية التي تصعب استيراد العديد من المنتجات السورية”، وهو ما يدفع التجار “للاحتكار ورفع الأسعار” على أساس عدم وجود منافسة في تخفيض السعر للتصدير.
ويرى عضو مجلس إدارة “غرفة تجارة دمشق” ياسر أكريم، في حديث سابق أن حكومة النظام السوري، مسؤولة عن اختلاق الأزمات وارتفاع الأسعار، قائلًا، إن “قرارات عدم السماح باستيراد بعض السلع بما فيها مادة الزيت النباتي لكل من يرغب من التجار وحصرها بأشخاص محددين أمر سلبي جدًا”، مشيرًا إلى تدخل “المؤسسة السورية للتجارة” بموضوع الاستيراد.
في المقابل تباع المنتجات السورية في لبنان بأسعار أرخص نتيجة وجود منافسة من منتجات نظيرة لبنانية، ويساعد المصدرين السوريين إعفاء المنتجات من دفع رسوم جمركية ماعدا رسوم دخول منخفضة تصل لـ3%، كما أن كلفة النقل “زهيدة جدًا” بين البلدين نتيجة قرب المسافة، وفق الباحث اللبناني.
والسبب الثاني الذي أوضحه ابو شقرا هو تهريب العديد من البضائع السورية إلى لبنان عبر المعابر الشرعية دون ملاحظة الجمارك، أو عبر المعابر غير الشرعية من دون أي رسوم جمركية أو تكاليف إضافية.
وقال نائب رئيس “جمعية حماية المستهلك” في دمشق وريفها، ماهر الأزعط، في تشرين الثاني 2022، إن أسعار المواد في الأسواق السورية أعلى من دول الجوار، مضيفًا، أن وزارة التجارة الداخلية لم يكن لها الدور المؤثر والمهم في تأمين كل المواد، وخصوصًا الأساسية منها مثل السكر والزيت، ومؤكدًا أن “السوق السوداء” والاحتكار لا يزالان موجودين.
ضرر لبناني
كشف رئيس تجمع مزارعي وفلاحي منطقة البقاع بلبنان، إبراهيم الترشيشي، أن عمليات تهريب الخضروات والفاكهة بطرق غير شرعية من سوريا إلى لبنان تتواصل وبكميات كبيرة، مشيرًا إلى انعكاس ذلك بالسلب على المزارع اللبناني.
وصرح الترشيشي لوكالة “سبوتنيك” الروسية، في آب الماضي، أن “عمليات التهريب غير الشرعية مستمرة بين سوريا ولبنان، خاصة في المجال الزراعي، تؤثر سلبًا على المزارع اللبناني، وتقضي على كل آماله بالربح أو حتى استعادته لكلفة الإنتاج”.
وأضاف الترشيشي أن المحاصيل المهربة تباع في لبنان أرخص من الأسواق السورية، بهدف “ضرب المزارع اللبناني”، وأن عدم استقرار سعر الصرف في سوريا، دفع بالمهربين لاستغلال الوضع الاقتصادي وتحقيق مكاسب “كبيرة وسريعة”.
الباحث الاقتصادي اللبناني، خالد ابو شقرا، توقع أن المنتجات السورية موجهة لشريحة معينة من اللبنانيين موجودين في مناطق معينة، كـ”خدمة” لهم نتيجة “علاقات لبنان” مع حكومة النظام، لذا سيكون هناك مصلحة لتخفيض الأسعار لدعم هذا المجتمع.