جريدة عنب بلدي – العدد 52 – الأحد – 17-2-2013
من ثمار شجرة الإيمان التي تضرب جذورها في القلب الشجاعة، هي تلك الشجاعة التي تتجلى بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما» عندما أحاط المشركون بالغار أثناء هجرتهما .. وهي تلك الثمرة التي تمثلت بجواب الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل الذي استغل قيلولةً للمسلمين ليصل إلى الرسول أثناء نومه فيستل سيفه سائلاً الرسول «من يمنعك مني؟» ليرد عليه صلى الله عليه وسلم «الله» ليسقط السيف من يد الرجل ويعفو عنه الرسول .. ولا يتسع المكان لعرض صور تلك الشجاعة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرقى نموذجًا لها في جهره بدعوة الحق وجرأته على مواجهة قومه بنقد أسلوب حياتهم وفكرهم اليومي والذي يتمثل في شركهم وجاهليتهم الموروثة من الآباء ممتثلًا لأمر ربه (وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا)
هي تلك الشجاعة التي لا تنتظر مدح الناس ولا تهتم لتقييمات أهل الأرض، ولا يكفيها أن تحقق أهدافها على هذه الدنيا، وإنما تبقى أهدافها الأسمى في السماء، تسير نحو هدفها وفق ما أنزله الله في شرعه في الكتاب والسنة.
لا يكترث لفروق إجتماعية أو سيادة أو منصب، جل همه نصرة المظلوم حتى لو كان غريبًا، فها هو ذا يضرب باب أبا جهل ويأمره بأن يؤدي الحق لابن السبيل الذي جاء يشكو أبا جهل في أحد أندية قريش. فهو القائل صلى الله عليه وسلم «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ»
(أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ)، فأيقن وهو صاحب الرسالة بأن الآجال لا تكتبها المخاطر ولا المعارك، فلكل أمرئ أجل سينال منه في وقت قد قدر له سواءًا كان في بروج محصنة، أو كان في ساحات النزال، فلم يمنعه ما يتميز به عن أصحابه من حمل الرسالة وسداد الرأي بأن يكون بعيدًا عنهم في أشد المعارك والغزوات، بل كان يعلم بأنه في الحرب أشد ما يحتاجه الناس هو صاحب الرأي، يعاين المواقع، ويساهم مع المقاتلين في وضع الخطط ومواقع تمركز الجيش، يذكرهم دائمًا بأخلاق المقاتل المسلم، ويرفع هممهم، ويذكرهم بما ينتظرهم في الدنيا واالآخرة بعد النصر أو الشهادة وضروة الثبات في وجه العدو.
• غزوة أحد ..
يأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغادر موقعه على أرض المعركة بالرغم من إصابته وبالرغم من الإرتباك الذي أصاب صفوف المسلمين ورجحان كفة المعركة لصالح المشركين.. في مثل تلك الأوقات لا بد من وقفة شجاع ليلتف الناس حوله ويعيد رص الصفوف .. فيجتمع حوله تسعة من أصحابه يذودون عنه بأس المشركين، فينتبه لهم باقي الصحابة فيتوافد الشجعان منهم يلتفون حوله، حتى يأس المشركون من كسر شوكتهم، فكان نموذجاً فاعلاً لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
• غزوة حُنين ..
يُفاجأ المسلمون بتدفق كتائب المشركين من مضائق الوادي .. يدفع هول الموقف معظمهم اللواذ بالفرار نجاة بأنفسهم .. يشق الأفق ببغلته وعمه العباس وأبا سفيان يحاولون الأخذ بلجامها كي لا تسرع فوجهتها صفوف المشركين يصيح راكبها: «إلي عباد الله، أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب»، طالبًا من عمه العباس مناداة الناس كي ترجع وتعيد تنظيم صفوفها للمعركة .. فكانت شجاعته محورًا يلتف حوله أصحابه لإعادة تنظيم صفوفهم في المعارك والمخاطر.
هي تلك الشجاعة التي نحتاجها اليوم، جاء الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون نموذجًا حيًا عنها، وثقت بروايات السيرة التي وصلت إلينا، لتكون درسًا لنا ونموذجًا يحتذى لنا جميعًا .. تلك الشجاعة التي يحكمها التعقل لا التهور تخطط وتدرس الإمكانيات وتنفذ وتعدل في خططها بناءًا على البيانات والتطورات على الساحة فها هو ذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفك حصاره عن حصن الطائف بعد أربعين يومًا بعد أن وصله من الأخبار أن الطعام والمؤونة التي بداخله تكفي من بداخله لمدة سنة بعد أن أعاد دراسة منفعة الحصار بناءًا على المعطيات الجديدة.
اليوم في سوريا يمكن رد أحد أسباب تأخر النصر إلى عدم إرتقاء بعض الشباب لمستوى المسؤولية المطلوبة منهم، وذلك من ركام الأفكار الخاطئة المتوارثة عن ضرورة النأي بالشباب الواعي القادر على إدارة الأزمات عن المساهمة في العمل نتيجة مخاوف موهومة عن المخاطر التي من الممكن أن يتعرضوا لها، وقد يتحجج البعض بأن هؤلاء الشباب هم الخط الثاني بحال فقدان بعض الشباب قد يغطي الشباب المبتعدبن مكانهم في العمل فنجد أن أغلب الشباب الواعين هم الموجوديون في الخط الثاني الاحتياطي مما يبعدهم عن الواقع ويؤدي إلى أخطاء في الممارسات في الثورة ..
اليوم كل الأخطاء التي تحصل في الثورة السورية سواءًا بالعملين المدني أو العسكري (على وجه الخصوص) يتحمل مسؤوليته كل شاب مثقف واعٍ قادر على المساهمة في أحدهما ونأى بنفسه عن الوجود في خطوط المواجهة مع متطلبات الأزمة الإنسانية والعسكرية.