مرت سنوات على المطالب بتحرك دولي للكشف عن مصير المعتقلين والمختفين قسرًا في سوريا، وتشكيل آلية دولية جادة للملاحقة والمحاسبة تسهم بتحقيق العدالة لآلاف الضحايا السوريين.
ويترقب السوريون معرفة مصير المختفين من أقربائهم، وسط خيبات الأمل المتكررة حيال مصير حوالي 112 ألف شخص لا يزالون قيد الاختفاء القسري، على أيدي أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، بحسب تقارير حقوقية.
وتعد الآلية الدولية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد تصويت حظي بموافقة 83 عضوًا ورفض 11 آخرين، في حزيران الماضي، نافذة أمل للكشف عن مصير آلاف المختفين قسرًا في سوريا، رغم عدم توقع تجاوب سريع، أو أثر على المنظور القريب، بسحب ما قاله مدير “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا”، دياب سرية، لعنب بلدي.
ويأمل ذوو الضحايا أن تساعدهم الآلية بالكشف عن مصير المختفين وتحديد أماكن وجودهم وتسليم رفاتهم إلى ذويهم،بحسب ما قالته مريم الحلاق، إحدى مؤسسي “رابطة عائلات قيصر” لعنب بلدي.
وأضافت، أن هذا العمل يلزمه الكثير من التعاون بين العديد من الدول والمنظمات الدولية والسورية، وما زالت المؤسسة في خطواتها الأولى من حيث التأسيس وبناء الهيكلية، ومن ثم التعرف على اختصاصاتها، “ونأمل أن تبدأ خطواتها التنفيذية بأقرب وقت“.
وبحسب سرية، بنت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التقرير على مشاورات طويلة، وعملت على ضمان كتابته بناء على وجهات النظر المختلفة للمنظمات التي يجمعها هدف واحد هو الكشف عن مصير المفقودين.
ويرى سرية أن هناك العديد من ذوي الضحايا لا يعلمون ماهي الآلية الدولية، ويأتي هنا دور الجمعيات ومؤسسات الضحايا لتعرف العائلات بالآلية وطبيعة عملها.
بينما يرتبط ملف المختفين قسرًا، بأي تغيير سياسي حقيقي في سوريا يمكن أن ينتج عنه تحرك الملف، بحسب سرية.
آلية “إنسانية”
تهدف الآلية للكشف عن مصير المختفين قسرًا والمعتقلين لدى مختلف أطراف النزاع في سوريا، من خلال تشكيل مؤسسة مستقلة برقابة أممية.
ويرفض النظام السوري، الاعتراف بجريمة الاختفاء القسري التي ارتكبها خلال السنوات الماضية، واستمرار العمل على إبقاء كل ما يخص مراكز الاحتجاز مبهمًا بالنسبة للمنظمات الحقوقية السورية والدولية بحسب سرية .
وعمل النظام على رفض الاعتراف بإخفاء السوريين من خلال تسييس ملف الإخفاء القسري والاعتقال، للحد من أثر أي خطوات تسهم بالكشف عن مصير آلاف المحتجزين في مراكز الاعتقال التابعة له.
وتحاول الآلية تجاوز هذا التسييس من خلال استمرار التأكيد على أن الآلية “محايدة”، وهدفها إنساني تجاه جميع أطراف النزاع، وفق ما قاله سرية في حديث سابق لعنب بلدي.
نتائج بعيدة الأمد
على الرغم من عدم وجود أي بوادر أمل في الكشف عن مصير عشرات آلاف المختفين قسرًا في سوريا، وبعد عجز العديد من المبادرات عن تحقيق أثر واضح في الملف، لا يزال ذوو الضحايا يسعون للكشف عن مصير أبنائهم وذويهم، رغم عدم توقع المنظمات التي دعت للآلية، بتجاوب سريع، أو أثر على المنظور القريب.
ويرى سرية أن الطريق أمام إنشاء الآلية بشكل رسمي ما زال طويلًا، فكتابة القرار الذي من شأنه أن يوضح مصير المغيبين والمخفيين قسرًا، بالتعاون مع مجموعة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، قد يستغرق أشهرًا قبل أن يتم التصويت عليه.
وبحسب سرية، لن يكون للآلية أثر قريب، أو أن تحمل إجابات سريعة ، وأضاف أن بعد كتابة القرار وإرساله للعامة تبدأ إجراءات تشكيل الآلية، ورجح أن تكون الآلية سارية العمل مع بداية نسيان 2024.
ما “الآلية الدولية”
برز الحديث عن آلية إنسانية دولية مستقلة، تُعنى بالكشف عن مصير المختفين قسرًا والمعتقلين لدى مختلف أطراف النزاع في سوريا، منذ ترحيب المفوضة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، في 8 من نيسان 2022، بطلب الأمم المتحدة في القرار “76/22″، للحصول على تقرير لدراسة آلية لتعزيز الجهود، لتوضيح مصير الأشخاص المفقودين في سوريا وأماكن وجودهم، وتحديد هوية الجثث، وتقديم الدعم لعائلاتهم.
جاء ذلك بعد أن تمكنت روابط المفقودين والمعتقلين وذويهم في أواخر 2021، من التأثير على قرار “اللجنة الثالثة” في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بإضافة فقرة إلى نص قرارها الدوري، تطلب من الأمين العام للأمم المتحدة إجراء دراسة عن “كيفية توحيد الجهود للعمل على ملف المخفيين قسرًا في سوريا، من ضمنها الآليات المتوفرة والبحث عن حلول جديدة”.
وبعد سنوات من المطالب بتحرك دولي حيال هذا الملف، وانتظار التوصل إلى آلية تحت مظلة دولية، اعتمدت الأمم المتحدة تقريرها في آب 2022، ليكون ركيزة تُبنى عليها خطوات حقيقية تسهم بالكشف عن مصير المفقودين.
ولا يزال حوالي 155 ألفًا و604 شخصًا، بينهم 5213 طفلًا 10176 سيدة، قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا منذ آذار 2011 حتى آب 2021، بحسب “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”.
آلية العمل
تنص الآلية على إنشاء مؤسسة بتمويل أممي ضمن ميزانية محددة، وتضم موظفين بمختلف التخصصات، ومحققين في الإخفاء القسري، ومهمتم جمع المعلومات من المصادر المفتوحة، والخاصة مع التركيز على البيانات التي قدمها أهالي المختفين، وتكليف مختصين بالبحث في الصور المسربة لضحايا التعذيب.
بالإضافة لدعوة كافة الأطراف إلى التعاون الكامل مع الآلية، بما في ذلك السماح بدخول مراكز الاحتجاز وطلب الإفراج عن المعتقلين.
وبحسب ما قاله مدير وأحد مؤسسي مبادرة “تعافي” في منظمة “كش ملك”، أحمد حلمي، لعنب بلدي، فإن الإجراءات في الوقت الحالي، هي كتابة مذكرة الشروط التي ستعتمد عليها المؤسسة بالإضافة إلى ترجمة الفقرات التي من المهم وجودها بقرار إنشاء المؤسسة، والتي ترتبط بمشاركة ذوي المختفين قسرًا بعمل هذه المؤسسة، وتنفيذها بحيث تكون لذويهم مشاركة تامة وفعالة، ومن المتوقع أن تأخد هذه الإجراءات نحو شهرين.
ويرى حلمي، أنه مع مرور 13 عامًا على اندلاع الثورة السورية، أصبح القرار الأممي المعني بإنشاء مؤسسة للكشف عن المختفين قسرًا، مطروحًا، ويتضامن مع حراك ضمن ذوي المختفيين لتشكيل تنظيمات أو روابط بحيث يكون لهم تأثير على المؤسسة وضمان عملها بشكل سليم.
وبالرغم من وجود بعض المؤسسات الدولية المتخصصة بالبحث عن المفقودين، يرى حلمي أنها ليست مخصصة لسوريا، ومنهجيتها وأدواتها ليست مفصلة للوضع في سوريا، ولا يوجد أي دور لذوي الضحايا فيها، وتبرز هنا أهمية أن تكون هناك آلية متخصصة بالبحث عن المفقودين في سوريا.
وعن مدى فعالية المؤسسة بالبحث عن المختفين قال حلمي، إن الأمر يتعلق بعدة عوامل من بينها تعاون النظام معها والسماح لها بدخول سوريا، وهو من الأمور الصعبة ومن الممكن أن يأخذ وقتًا طويلًا، لكن ذوي الضحايا على استعداد بأن يستمروا بالضغط والمناصرة لمساعدة المؤسسة بالوصول إلى سوريا والدخول لمراكز الاحتجاز والبحث عن المفقودين بشكل فعال أكثر.
الاختفاء القسري
ومنذ عام 2011، يحتفي العالم سنويًا في 30 من آب بـ”اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري”، بعد أن أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمادها “الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري” في كانون الأول 2010.
وعرّف الإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الإخفاء القسري الذي اعتمدته الجمعية العامة في قرارها عام 1992 بأنه:
“القبض على الأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم رغمًا عنهم أو حرمانهم من حريتهم على أي نحو آخر على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها أو على أيدي مجموعة منظمة، أو أفراد عاديين يعملون باسم الحكومة أو بدعم منها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو برضاها أو بقبولها، ثم رفض الكشف عن مصير الأشخاص المعنيين أو عن أماكن وجودهم أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم، ما يجرد هؤلاء الأشخاص من حماية القانون”.
ما جريمة الاختفاء القسري
تهدف “الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري” التابعة للأمم المتحدة إلى منع الاختفاء القسري المحدد في القانون الدولي.
وتعرف المادة “2” الاختفاء القسري من الاتفاقية بأنه الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، ما يحرمه من حماية القانون.
ويقع على عاتق الدولة اتخاذ التدابير الملائمة للتحقيق في التصرفات المحددة بالمادة “2”، التي يقوم بها أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون دون إذن أو دعم أو موافقة من الدولة، وتقديم المسؤولين إلى المحاكمة.