برنامج “مارِس” التدريبي – رهام السوادي العلي
حمل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، مسؤولية غياب الاستثمار في سوريا لما أسماه “صورة الحرب”، معتبرًا أنها “العقبة الأكبر” في وجه تحسن الوضع الاقتصادي.
تعليق الأسد هذا جاء في لقاء أجراه مع قناة “سكاي نيوز عربية” في 9 من آب الماضي، في معرض رده على سؤال يتعلق بضعف الاستثمارات “رغم انتهاء الحرب نسبيًا ورفع تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية”، مشيرًا إلى أن “صورة الحرب” هي السبب الذي يمنع المستثمرين من التعامل مع السوق السورية، وفق قوله.
رد الأسد جاء وسط ما تعيشه مناطق سيطرة النظام من حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، وارتفاع مستوى الفقر والجريمة، وضعف البنى التحتية، والعقوبات الغربية المفروضة عليه و على المتعاملين معه، ما يؤثر بشكل مباشر على المناخ الاستثماري في سوريا.
عوامل غير موجودة
يشير مناخ الاستثمار إلى المشهد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لبلد ما، لجهة صلته بالاستثمار والإقراض، وفقًا لتقرير نشره موقع “Investopedia” المختص بالمال والاستثمار.
ويتأثر مناخ الاستثمار في بلد ما، بحسب التقرير، بعدة عوامل غير مباشرة، تشمل مستوى الفقر، ومعدل الجريمة، والبنية التحتية، ومشاركة القوى العاملة، واعتبارات الأمن القومي، والاستقرار السياسي، وعدم اليقين في النظام، والضرائب، والسيولة واستقرار الأسواق المالية، وسيادة القانون، وحقوق الملكية، والبيئة التنظيمية، وشفافية الحكومة، ومساءلة الحكومة.
عندما يواجه المستثمر المحتمل العديد من العوائق (كما هو الحال في الدول النامية، والتي قد تكون جزئيًا بسبب عدم الاستقرار السياسي أو ضعف البنية التحتية)، فقد يُعتبر مناخ الاستثمار غير مواتٍ.
اقرأ أيضًا: مناخ “غير مناسب” لتحقيق الأرباح يعرّي دعوات الاستثمار في سوريا
انعدام حوافز الاستثمار
المحاضر في العلوم المالية والمصرفية، منهل العثمان، عرف الاستثمار على أنه توظيف مجموعة مادية، سواء كانت أموال أو أشخاص أو معدات، وقد يكون الاستثمار داخليًا، أي من مستثمرين مواطنين، أو خارجيًا، وهو الأفضل دائمًا، وفق رأيه، ويجري عبر مستثمرين أجانب.
وأضاف العثمان، في حديث إلى عنب بلدي، أن أي استثمار يحتاج إلى استقرار أمني، وسياسي، واقتصادي، وإلى بنية تشريعية من قوانين وأنظمة ولوائح تسهل وتساعد في تنظيم عملية الاستثمار، وقبل كل شيء إلى “قيادة سياسية واعية” تدرك مدى أهمية الاستثمار.
ونظرًا إلى ما سبق، تعد جميع العوامل المحفزة على الاستثمار الداخلي والخارجي غير موجودة في سوريا، “ولا بنسبة 1% حتى قبل عام 2011″، بحسب ما يرى العثمان، مرجعًا أسباب ذلك إلى “مافيات الاقتصاد” التي تسيطر على الاستثمار، والتي تتبع مباشرة إلى النظام وأجهزته الأمنية.
رجل الأعمال السوري المقيم في الإمارات، مروان الأطرش، بدوره اعتبر أن الاستثمار في ظل المعطيات الحالية في سوريا “مراهنة” للمستثمرين.
وقال الأطرش، الذي يملك استثمارات في عدد من دول الخليج كالإمارات والسعودية، “كيف يمكن لمستثمر محلي أو أجنبي المراهنة على ثروته في مناطق لا يحكمها سوى قانون القوي، فكيف إذا كانت أرضية الاستثمار هذه ساحات معارك ودماء وعصابات”، وفق تعبيره.
دوافع الاستثمار في سوريا
في 27 من تموز الماضي، قال مدير “هيئة الاستثمار السورية”، مدين دياب، إن الهيئة منحت 12 مشروعًا إجازة استثمار منذ مطلع العام الحالي.
وتختص هذه المشاريع بعدة قطاعات، تتوزع على صناعة البطاريات الجافة والمعكرونة والشعيرية والزيوت والسمون النباتية واستخراج الكحول الغذائي والصناعي وإنتاج الأسمدة الزراعية والأدوية البيطرية وصباغة وتحضير خيوط الأكريليك، إضافة إلى إنتاج الأدوية البشرية ومشروع محطة شمسية كهروضوئية وصناعة ألواح الطاقة الشمسية.
الخبير منهل العثمان، قال لعنب بلدي، إن رأس المال جبان، ولا يمكن لأي مستثمر “عاقل” أيًا كانت جنسيته أو طبيعة عمله الاستثمار حاليًا في سوريا إلا لسببين، أولهما ذو طابع “طائفي” لمستثمرين عرب “وهم قلة”، والثاني استخدام الاستثمار كواجهة فقط للقيام بعمليات “غسل أموال” لصالح دول معينة.
بينما يرى رجل الأعمال، مروان الأطرش، أن لبعض الدول مصلحة بدعم وتمويل دول أخرى، بدوافع إنسانية، أو رغبة في استقرار ما فيها، منعًا لاهتزازات سياسية تؤثر على الدول المانحة ذاتها، ما يفسر أعداد الاستثمارات الجديدة في سوريا، وفق رأيه.
دعوات “مضللة”
في 22 من آذار الماضي، أصدر النظام القانون رقم “2” الذي عدل بموجبه بعض أحكام قانون الاستثمار رقم “18”، بهدف “إيجاد آلية مناسبة لتجنب القيود المؤسساتية، وتبسيط إجراءات الاستثمار في مجال التطوير العقاري، والتركيز على تحديد المسؤوليات والأدوات بين الهياكل التنظيمية المختلفة المعنية بالاستثمار، وتعزيز البيئة الاستثمارية التنافسية لجذب رؤوس الأموال.
منهل العثمان يرى من جهته، أن هذه القوانين تبقى “حبرًا على ورق”، إذ تكون بشكلها الخارجي “ممتازة جدًا”، لكن عند التطبيق تكون هناك معوقات كثيرة تحد من الاستثمار، وهي معوقات “أمنية” تخص طبيعة النظام، مستندًا على نتائج قانون الاستثمار رقم “10”، الذي صدر في 31 من نيسان 1990، وتعديلاته، الذي ظهر في مرحلة الانفتاح من الاشتراكية إلى اقتصاد السوق الاجتماعي.
ويرى العثمان، أن النظام لا يملك ما يقدمه للمستثمرين، لاعتقاده أن النظام “لا يملك قرارًا سياسيًا ليقدم قرارًا اقتصاديًا”، بالإضافة لعدم امتلاك النظام بنى تحتية لكونها “مدمرة أو شبه مدمرة”، وسط غياب الشفافية في المسألة والمحاسبة على الأموال نتيجة هيكلة النظام الحالية، والتي تعتمد على مجموعة من “الموالين” الذين يرغبون في استمرار عملية “النهب” لإبقاء ولائهم للنظام.
رجل الأعمال مروان الأطرش، علق بقوله، إن الاستثمار يرتكز دائمًا على القوانين الضامنة للحقوق الحالية والمستقبلية للمستثمر، وهي حقوق مبنية على ثقة أثبتها الزمن، وحفظتها القوانين، والتعامل الشفاف المجرب، وكل هذا لا وجود له في سوريا منذ عقود.
الخبير الاقتصادي، عمار يوسف، قال بدوره في لقاء مع إذاعة “نينار إف إم” المحلية، في 4 من آب الحالي، إن جميع القرارات التي تصدر لا تصب في مصلحة الشعب، وأن الثقة في الدولة لم تعد موجودة.
وحول الحوافز الاستثمارية التي تقدمها الحكومة للمستثمرين، أكد يوسف، أن المستثمر الذي يأتي من الخارج يجد أمامه “ألف عقبة”، وإن لم يتحسن دخل المواطن والاقتصاد السوري من الداخل، فلن يتواجد عامل جذب للاستثمار الخارجي برأيه.