عنب بلدي – براءة خطاب
بعد تأجيل محكمة العدل الدولية موعد أولى جلساتها بالدعوى المرفوعة من كندا وهولندا ضد النظام السوري، التي تتركز على تهم تعذيب بحق السوريين، برزت عدة تساؤلات حول أسباب موافقة المحكمة على طلب النظام السوري بالتأجيل، كما فتحت الآمال لمحاكمات أخرى ضد النظام باعتبارها القضية الأولى التي تُرفع ضده.
وفي 15 من تموز الماضي، قررت محكمة العدل الدولية تأجيل موعد أولى جلساتها بالدعوى المرفوعة ضد النظام السوري، بناء على طلب من حكومة النظام السوري.
وذكرت المحكمة في بيان لها، أن الجلسة الأولى للاستماع أُجّلت من 19 من تموز إلى 10 و11 من تشرين الأول المقبل.
وقالت المحكمة، التي تعد الجهاز القضائي الرئيس للأمم المتحدة، إنها توصلت إلى قرارها بعد أن نظرت في “آراء وحجج الطرفين عقب طلب سوريا التأجيل”.
وعلّقت وزارتا الخارجية الكندية والهولندية على تأجيل محكمة العدل الدولية ضمن بيان مشترك، في 22 من تموز، قالتا فيه، “إن كندا وهولندا تأسفان لأن جلستي الاستماع في 19 و20 من تموز أمام محكمة العدل الدولية بشأن طلبهما اتخاذ تدابير مؤقتة لوقف أعمال التعذيب المستمرة في سوريا وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، قد تم تأجيلهما لمدة ثلاثة أشهر بناء على طلب النظام السوري”.
الصحفي والحقوقي السوري منصور العمري قال لعنب بلدي، إنه لم يرد في بيان المحكمة أسباب التأجيل، ولكن من الواضح أن النظام السوري وراء ذلك، لأن هولندا وكندا أصدرتا بيانًا يأسف على التأجيل.
وأضاف أن التأجيل في قضايا المحاكم له عدة أسباب، من أكثرها شيوعًا، طلب وقت إضافي للتحضير للجلسة، بالإضافة إلى طلب وقت لقراءة الملفات وتعيين المحامين وغيره من الأمور الإجرائية، بحسب العمري.
من جهته، أدان النظام السوري، عبر وزارة خارجيته، موقف كندا وهولندا من التأجيل، ونقلت الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا)، عن مصدر في وزارة الخارجية، أن الدولتين “تعتقدان أن أي إجراء لا يتماشى مع رغبتهما وسياستهما مدعاة للانتقاد، ولا تستطيعان تحمل أي صفعة، لأنها يمكن أن تقوض أسس التحرك الذي تقومان به”.
كما زعم المصدر أن البيان المشترك الصادر عن خارجيتي البلدين، “ينضح بالأكاذيب، شأنه شأن الحملة التي تقودانها ضد سوريا، والتي تفتقد لأدنى درجات الصدقية”، على حد قوله.
وتابع أن “تاريخ كندا وهولندا ملطخ بالجرائم التي جرى اقترافها في المستعمرات وضد سكان البلاد الأصليين”، بحسب ما نقلته “سانا”.
ما القضية؟
أعلنت محكمة العدل الدولية أن كلًا من هولندا وكندا رفعتا قضية ضد النظام السوري بخصوص التعذيب في السجون السورية، بناء على عدم التزام سوريا باتفاقية “مناهضة التعذيب”، وطالبت الدولتان باتخاذ “تدابير طارئة” لحماية المعرضين لخطر التعذيب.
وجاء في بيان المحكمة الدولية، الصادر في 12 من حزيران الماضي، أن كندا وهولندا ذكرتا في الدعوى المقدمة، أن النظام ارتكب انتهاكات “لا حصر لها” للقانون الدولي، ابتداء من عام 2011 على الأقل.
وتشمل الانتهاكات، بحسب الدعوى المرفوعة، “استخدام التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة للمحتجزين، والظروف غير الإنسانية في أماكن الاحتجاز، والاختفاء القسري، واستخدام العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والعنف ضد الأطفال”.
ويطالب مقدمو الدعوى بفرض المحكمة “تدابير طارئة”، تشمل إصدار أوامر للنظام بالإفراج عن السجناء المحتجزين تعسفيًا، والسماح للمراقبين الدوليين بدخول مراكز الاحتجاز.
محاسبة النظام بقضايا جديدة
لا تزال تفاصيل المحكمة مبهمة وغير واضحة المعالم، رغم كثرة الحديث عنها، لكنها فتحت آمالًا “كبيرة” حول إمكانية إجراء محاكمات أخرى ضد النظام.
وبحسب الصحفي والحقوقي السوري منصور العمري، فإن هذه الدعوى في محكمة العدل الدولية المتعلقة باتفاقية مناهضة التعذيب، من الممكن أن تكون مثالًا لشكاوى أخرى في المحكمة.
ومن الممكن تقديم شكوى في المحكمة بخصوص أي معاهدة أو اتفاقية تكون سوريا طرفًا فيها وانتهكتها، مثل تقديم شكوى بشأن انتهاك سوريا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتحديدًا الحق في المحاكمة العادلة، والاعتقال التعسفي.
ويمكن تقديم شكوى بشأن انتهاك سوريا لاتفاقية الطفل، وتحديدًا تعذيب الأطفال، وعدم فصلهم عن البالغين في أماكن الاحتجاز.
وبين العمري أنه يحق للدول فقط تقديم الشكاوى إلى المحكمة، وبالتالي لا يحق للمنظمات والأفراد تقديمها، ولكن يمكن للمنظمات أن تقدم معلومات إضافية للمحكمة بطلب منها.
تابعة للأمم المتحدة
محكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي الرئيس للأمم المتحدة، وتتولى الفصل طبقًا لأحكام القانون الدولي في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول، وتقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.
ويتمثل اختصاصها في دورين أساسيين: معالجة الخلافات القانونية بين الدول من خلال أحكام قضائية، وإصدار آراء استشارية بخصوص أسئلة حول القانون الدولي.
ولا يقع ضمن اختصاص المحكمة معالجة قضايا على المستوى الفردي، وبمعنى آخر ليس من اختصاصها تنفيذ القانون الجنائي الدولي الذي تتضمن مبادئه الأساسية المسؤولية الجنائية الفردية، بل هي محكمة تُعنى فقط بالشكاوى بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
وتتناول محكمة العدل الدولية مواضيع جنائية، مثل موضوع التعذيب، من باب انتهاك الدول التزاماتها بموجب المعاهدات المصدّق عليها، وبما يشكّل أساسًا لما يُعرف بالخلاف القانوني بين دولتين.
وفي مثل هذه الحالة من الخلافات القانونية، لا ينحصر الأمر باعتباره يتناول علاقات ثنائية بين دولتين، ولكنه يتعلق بواجبات الدولة المنتهكة تجاه جميع الدول الأطراف الأخرى في المعاهدة، وواجب تلك الدول في التصدي لهذه الانتهاكات ووضع حد لها.
وتتألف المحكمة من 15 قاضيًا، تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن لمدة تسع سنوات، ويمكن إعادة انتخاب الأعضاء.
يُنتخب ثلث الأعضاء كل ثلاث سنوات، ولا يُسمح بوجود قاضيين يحملان نفس الجنسية، وفي حال توفي أحد القضاة الأعضاء، يعاد انتخاب قاضٍ بديل يحمل نفس جنسية المتوفى فيشغل كرسيه حتى نهاية فترته.
قانون صوري
أصدر رئيس النظام السوري، عام 2022، القانون رقم “16” لعام 2022 لتجريم التعذيب، حيث برر أسباب صدور القانون، بالتوافق مع “الالتزامات الدستورية للدولة السورية التي تحرّم التعذيب”، ليتوافق مع “أحكام اتفاقية مناهضة التعذيب” لعام 1984، التي انضمت إليها سوريا في 2004.
وجاء قانون “تجريم التعذيب” السوري لعام 2022، بعد حوالي 18 سنة من تاريخ انضمام سوريا للاتفاقية، وبعد أكثر من 35 سنة من دخول الاتفاقية حيّز التنفيذ، ويبلغ عدد الدول الأعضاء فيها حاليًا 173 دولة، واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاقية وفتحت باب التوقيع والتصديق عليها والانضمام إليها في عام 1984، وأصبحت الاتفاقية نافذة منذ 1987.
وجاء القانون السوري بعد حوالي سنة من طلب الحكومة الكندية إجراء مفاوضات رسمية، بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، لمحاسبة الحكومة السورية على الانتهاكات ضد الشعب السوري منذ عام 2011، مشددة في طلبها المعلن عنه في 2021، على دعواتها المتكررة التي وجهتها للحكومة، مطالبة إياها بإنهاء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ضد الشعب السوري.