بيئة مصرفية غير مؤهلة
التسعير بالدولار يربك تجار سوق “الهال” والزبائن بإدلب
عنب بلدي – جنى العيسى
نهاية تموز الماضي، أصدرت وزارة الاقتصاد في حكومة “الإنقاذ” بإدلب قرارًا يلزم التعامل بالدولار الأمريكي بدلًا من الليرة التركية للبيع والشراء في سوق “الهال”، وعزت قرارها إلى عدم استقرار سعر صرف الليرة التركية، وتعرض المزارعين والتجار لخسائر كبيرة بسبب البيع الآجل.
وتضمن القرار الالتزام بالدولار في جميع حلقات البيع والشراء بالسوق، وفي حال الدفع مباشرة بالعملة التركية فإنه يُحسب بالحد الأعلى حسب الشاشة المعتمدة في السوق، تحت طائلة المساءلة للمخالفين.
وقبل قرار اعتماد الدولار في سوق “الهال”، قررت الوزارة في وقت سابق بيع الأدوية محليًا أيضًا وفق سعرها بالدولار، تزامنًا مع انخفاض غير مسبوق شهدته الليرة التركية أمام العملات الأجنبية.
تراجعت الليرة التركية إلى مستويات غير مسبوقة لها مقابل الدولار، بالتزامن مع فترة الانتخابات الرئاسية في تركيا.
وتجاوزت خلال الفترة الماضية 27 ليرة للدولار الواحد في الشمال السوري، في قيمة غير مسبوقة منذ اعتماد الليرة الجديدة في تركيا عام 2005.
للبيع الآجل فقط
مسؤول العلاقات العامة في وزارة الاقتصاد بحكومة “الإنقاذ”، حمدو الجاسم، قال إن القرار جاء بعد عدة جلسات بين الوزارة وعدد من المزارعين والتجار وأصحاب الاختصاص من الاقتصاديين، لتصدر التعميم القاضي بالتعامل بالدولار في أسواق “الهال”، وتبقي عمليات التداول اليومي بالليرة التركية.
وأوضح الجاسم لعنب بلدي، أن القرار لا يتضمن الإلزام بتسعير الخضار في أسواق التجزئة بالدولار الأمريكي، لكن نتيجة لشكاوى المزارعين والتجار في أسواق “الهال” (الجملة) بسبب التعامل بالليرة التركية وتحديدًا البيوع الآجلة بين المزارع والتاجر، فُرض على هذه الفئات التعامل بالدولار.
التجار والزبائن غير راضين
لم يلقَ قرار “الإنقاذ” استحسان التجار في أسواق “الهال” لعديد من الأسباب، بحسب ما رصدته عنب بلدي.
محمد قطيع، تاجر في سوق “الهال” بإدلب، يرى أن من الصعب تطبيق القرار ضمن التعاملات اليومية لسلع محلية تتغير أسعارها مع العرض والطلب، كما أنه قيمتها الشرائية منخفضة ومعظمها ما دون دولار واحد.
وقال محمد لعنب بلدي، إنه لو توفرت قطع نقدية صغيرة (سنتات) من الدولار لربما كان يمكن التعامل بها، إنما مع هذا القرار سيضطر التجار لشراء الخضار من المزارعين بالدولار والبيع للزبائن بالليرة التركية، ومع كل تذبذب لليرة سيكونون مهددين بالخسارة.
مصطفى الزير، وسيط للبيع في سوق “الهال”، قال لعنب بلدي، إنه يمكن تطبيق القرار على سلع موسمية كالزيتون والبطاطا مثلًا، لأن لها تجارًا يشحنون بكميات كبيرة، ويكون الدفع بعد مدة ربما تصل إلى الشهر، أما في حالة البيع لأصحاب محال بيع الخضار والفواكه بالمفرق، فإن التعامل بالليرة التركية أفضل من ناحية توفر القطع النقدية، ولأن السلع تباع للمستهلك بالليرة أيضًا.
ومنذ صدور القرار يتخوف الأهالي في إدلب من ارتفاع أسعار الخضار والفواكه تأثرًا بالقرار، وفق تقلبات سعر صرف الدولار أمام الليرة التركية.
عبد المجيد المحمد، من سكان مدينة إدلب، رفض شراء كيس بصل من أحد محال سوق “الهال” بعد أن وجد سعره مسجلًا بالدولار، موضحًا أن البائع سيضرب قيمة السلعة بأغلى سعر للصرف تجنبًا للخسارة، وهو ما سيرفع سعر البضائع، وهذا يدفع الأهالي للتقليل منها أو الاستغناء عنها.
تسعير لا تعامل
المدير المالي ونائب المدير الإداري في “المؤسسة العامة لإدارة النقد” في إدلب، مصطفى العكوش، قال لعنب بلدي، إن جميع المحال والمهن في المنطقة تتعامل بشكل أساسي بالدولار الأمريكي حتى دون قرار رسمي، وقد ظهر هذا التوجه مؤخرًا بشكل واضح بسبب تذبذب قيمة الليرة التركية المعتمدة رسميًا للتعامل.
وأوضح العكوش أن أي سلعة ستباع بالآجل الأصل تثبيت سعرها بالدولار، بسبب التغيرات التي تطرأ على العملة التركية لضمان عدم خسارة التجار.
ولأن المسألة تتعلق فقط بالتسعير بالدولار لا بالتعامل النقدي به، اعتبر العكوش أنه لا يوجد أي مانع يتعلق بالبيئة المصرفية من هذا التعامل.
المنظومة المصرفية “متواضعة”
هناك عديد من الدول التي اعتمدت على الدولار في التعاملات اليومية إلى جانب العملات الوطنية، مثل لبنان والعراق، والتجربة في كلا البلدين نجحت نتيجة عدة أسباب، منها وجود دخل مستقر من الدولار، بحسب ما أوضحه الباحث في الاقتصاد السياسي الدكتور يحيى السيد عمر.
وأوضح السيد عمر، في حديث إلى عنب بلدي، أن العراق لديه عوائد النفط التي تقدّر بمليارات الدولارات، ولبنان كان يعتمد على عوائد السياحة والخدمات المصرفية وتحويلات المغتربين، مشيرًا إلى أن نجاح أي تجربة، بشكل عام، يرتبط بوجود عدة عوامل.
وحول قرار تسعير الخضراوات بالدولار في إدلب، يرى الباحث أن القرار جيد من الناحية النظرية، فهو بالفعل يحمي المزارع والمستهلك من الخسائر الناجمة عن التذبذب في قيمة الليرة، كما يحد من الأرباح غير المبررة التي يجنيها قطاع الصرافة، ويعكس استقرارًا في السوق.
لكن من الناحية التطبيقية فإن القرار غير فعال لعدة أسباب، أولها أن المنظومة المصرفية في المنطقة متواضعة وبسيطة، ولا تدعم حرية تبادل العملات خاصة الدولار، كما أن التبادل اليومي يحتاج إلى فئات صغيرة من الدولار، كأجزاء الدولار، وورقة الدولار وغيرها من الفئات النقدية الصغيرة، وهذا غير متوفر، فأغلبية الفئات الموجودة هي 100 دولار و50 دولارًا، وفق السيد عمر.
وأكد الباحث أن الكمية الإجمالية من الدولار في المنطقة لا تدعم فرضه كعملة تداول يومي، فهي لا تكفي للحد الأدنى.
ووفق المعطيات الحالية، يعد انتقال القرار إلى قطاعات أخرى مستبعدًا، فمن المتوقع أن يبقى في سوق “الهال”، وحتى على هذا المستوى سيشهد القرار تراخيًا في تطبيقه، بسبب عدم وجود مقومات كافية لاستمرار اعتماده، وفق الدكتور يحيى السيد عمر.
واعتمدت حكومتا “الإنقاذ” و”السورية المؤقتة”، العاملتان في الشمال السوري، الليرة التركية كعملة للتداول في حزيران 2020، كونها أكثر استقرارًا من الليرة السورية، إلى جانب تداول الدولار الأمريكي في التعاملات التجارية الخارجية.
وجاء استبدال العملة التركية بالسورية في الشمال السوري بعد وصول سعر الصرف إلى حدود 3500 ليرة سورية للدولار الواحد في حزيران 2020، وسط مطالبات من سوريين بأن يكون الاستبدال حلًا مؤقتًا لحين الوصول إلى حل سياسي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :