السويداء تعيد توحيد السوريين

  • 2023/08/27
  • 1:08 م
الكاتب السوري إبراهيم العلوش

الكاتب السوري إبراهيم العلوش

إبراهيم العلوش

هتافات السويداء صارت تدوّي في قلب منظومة الفساد والاستبداد الأسدية، الجميع صار يردد صداها حتى وصلت إلى الساحل السوري، الذي كان كثيرون فيه يربطون وجود سوريا بوجود عائلة الأسد، ولكن الجوع والدولة الفاشلة و”الكبتاجون” والاحتلال الأجنبي جعل السوريين يلتقطون إشارة السويداء ويرددون هتافاتها.

تعيد احتجاجات السويداء المتواصلة أجواء ثورة 2011، وتصدّق على أهمية الشعارات التي رفعها ثوار سوريا وحتمية مطالبهم التي تتمثل بالحرية والكرامة، ومشروعية مطالبتهم برحيل نظام الأسد، الذي تملص من زخمها عبر العصابات الطائفية والميليشيات الإيرانية والطائرات الروسية، التي لا تزال تهيمن على البلاد وتضمن استمرار النظام، وتغفر انتهاكاته وتصمت عن تجارته للمخدرات، كممول لأمراء الحرب ولممارسة الابتزاز السياسي ضد دول الجوار، التي سبق أن احتضنته بكل خطاياه وأعادت ضمه خلال الأشهر الماضية إلى جامعة الدول العربية عله يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام.

صاح أحد المتظاهرين “بدنا نعيش ما بدنا شِعر”، فقضايا النظام “الخلبية” لم تعد تمشي في زمن الجوع الكافر، وشعارات إيران في الممانعة وتحرير فلسطين، ونداءات روسيا للتصدي للغرب المتآمر لم تعد تجدي أمام صرخات الجوع في الأمعاء الخاوية.

كان اغتيال الشيخ وحيد البلعوس عام 2015، الذي رفض التحاق الشباب في السويداء بجيش النظام، هو المفصل الذي وحّد أهالي المحافظة ضد عصابات الأسد وقائد فرع “المخابرات العسكرية”، وفيق ناصر، الذي فتح المدينة كساحة لتجارة المخدرات وعصابات المرتزقة التي تمتهن التخويف، من إرهاب “داعش” حينًا، والتخويف من أهالي درعا حينًا آخر، ومن البدو، ومن الانفصال، ومن العمالة لإسرائيل، ومن العمالة لوليد جنبلاط، وما إلى ذلك من قوائم التخوين التي يحتفظ بها النظام مضغوطة ومقدّدة من أيام حافظ الأسد، مؤسس هذا الخراب!

بعد نهب الفوسفات وحقول الغاز والمواني، قررت القاعدة الاستعمارية الروسية في حميميم توزيع حصص أرز وزيت على أهالي السويداء، لكن المعتصمين في ساحات الاحتجاج قطعوا الطرقات أمامها قائلين إنهم لا يحتاجون إلى الصدقة، بل يريدون الكرامة والحل السياسي المبني على القرار الأممي “2254”، الذي يتملص منه الروس والإيرانيون لحماية مصالحهم وحماية استمرار نظام الأسد.

مطالب الناس العملية في العيش وحفظ كرامة السوريين وعدم تجويعهم هو ما دفع الجميع إلى الاحتجاج، والمطالبة بتطبيق القرار الأممي الذي تجففه روسيا وتقضم أطرافه يومًا بعد يوم، وتحوله إلى مجرد قرار أجوف لا ضرر فيه على النظام ولا على أمراء الحرب الذين يضمنون استمرارها في احتلال ما تبقى من البلاد بالمشاركة مع إيران.

استجاب ناشطو الساحل السوري لنداءات السويداء، وبدؤوا ينتقدون علانية بشار الأسد وزوجته أسماء الأخرس ومنظومته الفاسدة والمستبدة، وصرنا نسمع أصواتًا من أمثال أيمن فارس، الذي طالب بخلع بشار الأسد علنًا وتحدى سلطته ومخابراته، ثم أعلن انتقاله من طرطوس إلى دمشق غير مكترث بانتقام أجهزته الأمنية المتوحشة.

لم تعد شعارات ناشطي الساحل تقتصر على تغيير محافظ أو حكومة مثل أيام زمان، عندما استوطن شعار تغيير محافظ حمص “كتنفيسة” سياسية تحافظ على مساحة الانتقادات، دون أن تطال العائلة ونظام أمراء الحرب، بل إن كثيرين من أبناء الساحل صاروا يتحسرون على الدماء التي بذلها المؤيدون من أجل حماية كرسي بشار الأسد الذي يقودهم اليوم إلى الجوع والحرمان، بعدما انتهت مسرحيات الإرهاب وحماية الأقليات والمؤامرة الكونية.

في الطرف الآخر، استجاب معارضو النظام في المناطق الخارجة عن سيطرته، وهتفوا للسويداء ولرجال الكرامة ولتحقيق حل سياسي عادل، وتداول الناشطون فيديوهات الترويج لإضرابات وتجمعات السويداء، ولاحتجاجات الناشطين في الساحل السوري وكل السكان الذين لا يزالون تحت هيمنة نظام الأسد، وأعلنوا عن تنظيم تجمعات في الشمال السوري والرقة ودير الزور وفي دول الهجرة، وصار موضوع انتفاضة السوريين الذي تقوده السويداء يعيد تأريخ الثورة السورية ويعيد إحياء رجالاتها ويربطها بثورة عام 1925 ضد الاستعمار الفرنسي، وصولًا إلى هذا اليوم الذي تنتفض فيه ضد الاحتلال الروسي والإيراني لمناطق سيطرة النظام.

منظومة الأسد الإعلامية تجاهلت انتفاضة السويداء وأصوات الناشطين في الساحل السوري، وقللت من أهميتهما واعتبرت أن كل النواقص الموجودة اليوم هي بسبب المؤامرة الغربية، متجاهلة دور النظام في جر البلاد إلى الخراب، بالإضافة إلى الاستبعاد التام لذكر أي مطالب تتعلق بالحل السياسي وبالقرار الدولي “2254”.

وقام أفراد من عائلة الأسد، مثل وسيم الأسد صديق تاجر المخدرات اللبناني المقرب من “حزب الله” نوح زعيتر، بنصيحة السوريين بممارسة الزراعة وتحرير التنف من الأمريكيين، بدلًا من الاحتجاج على الجوع والفساد!

كما قامت شخصيات نافذة بتهديد المحتجين ووصفهم بالعملاء لإسرائيل والسفارات الأجنبية، وهي نفس الاتهامات المحفوظة منذ بدايات اندلاع الثورة السورية 2011، وارتفع صوت أحد رموز الفساد، وهو اللواء رياض شاليش ابن عمة الأسد، مطالبًا بإبادة المحتجين، الذين يعكّرون صفو تجار الحروب و”الكبتاجون”، وهدّد النائب السابق خالد العبود بإعادة تشغيل قطار التدمير والتهجير ليمر من السويداء!

انتفاضة السويداء، وأصوات الناشطين في الساحل السوري، والأنين العميق للجياع، تلقى صدى كبيرًا في درعا وإدلب وفي بلاد الهجرة، وهي توحد السوريين، وتعيد لهم الأمل بالخلاص من النظام المتوحش، وتعيد الأمل أيضًا لدول الجوار والمجتمع الدولي في إنهاء معاناة السوريين وفتح باب الحل السياسي وإنهاء إرهاب الدولة الأسدية.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي