"نصف مليون ليرة لتجهيز الطالب"..
مستلزمات المدرسة لم تعد في متناول السوريين
عنب بلدي – براءة خطاب
عادت غادة الصرفي (45 عامًا) إلى منزلها في مدينة دمشق خالية الوفاض، لعدم قدرتها على شراء مستلزمات أبنائها من القرطاسية والحقائب المدرسية جراء ارتفاع أسعارها، إذ وصل سعر الدفتر الكبير لابنتها الطالبة في المرحلة الابتدائية إلى نحو 7000 ألف ليرة سورية، أما الدفتر العادي فوصل سعره إلى نحو 3500 ليرة.
غادة التي تعمل في البنك التجاري بدمشق، بدخل شهري لا يتجاوز 147 الف ليرة سورية، تجولت في عديد من المحال لشراء مستلزمات مدرسية لأبنائها وتفاجأت بارتفاع أسعارها للضعف، إذ بلغ سعر الحقيبة العادية ما بين 100ألف و175 ألف ليرة وهي ذات نوعية سيئة.
توجهت غادة مع صديقتها إلى معمل لصناعة الحقائب، إذ سمعت من أحد أصدقائها أن أسعار الحقائب فيه تصل إلى نحو 75 ألف ليرة، واشترت حقيبتين بسعر 145 ألف ليرة، وترى غادة أنه خيار أفضل، على الرغم من ضعف جودة الحقائب، بحسب ما قالته لعنب بلدي.
وشهدت محال القرطاسية جمودًا كبيرًا مع قرب بداية العام الدراسي الجديد، بسبب ارتفاع أسعار القرطاسية والحقائب المدرسية وعدم القدرة على شرائها.
نصف مليون لتجهيز الطالب
وسام المسالمة، موظف من محافظة درعا، وأب لخمسة أطفال في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، تحدث لعنب بلدي عن مدى الفارق الكبير بين راتبه الذي لا يتعدى 115 ألفًا، وبين ارتفاع الأسعار “الكبير جدًا”، مشيرًا إلى أن راتبه لا يكفي لشراء حذاء لأحد أبنائه.
قال وسام، إن تجهيز كل واحد من أولاده للمدرسة يكلّفه نحو نصف مليون ليرة سورية وسطيًا، في حال كان الشراء “من قريبه”، حسب وصفه، دون حساب القرطاسية والحذاء.
أضاف وسام أن المستلزمات المدرسية لأبنائه توازي عمله خمسة أشهر وأكثر، لكن أمامه التزامات كثيرة منها الطعام ودفع الفواتير، وغيرها كثير مما يجب أخذه بعين الاعتبار خلال الحياة اليومية.
وتابع وسام أن التجهيزات المتاحة في وضعه المالي ليست عملية، وأرخص حقيبة مدرسية سعرها 120 ألفًا، وهي ذات نوعية سيئة، وأرخص دفتر سعره 4000 ليرة.
من جهته، جمال زين العابدين، وهو صاحب محل قرطاسية بدرعا، برر لعنب بلدي ارتفاع الأسعار ما بين العام الماضي والحالي بارتفاع أسعار الدولار.
وأوضح أن البائعين ليس باستطاعتهم خفض أسعار القرطاسية، “خصوصًا أننا لا نستطيع تعويض الخسارة، لأن سعر الصرف يتغير”، مضيفًا أن ارتفاع الأسعار عن العام الماضي وصل إلى الضعف ومنه إلى الضعفين في بعض المستلزمات، حسب قوله.
وأضاف جمال، “لا يوجد إقبال على شراء المستلزمات المدرسية هذه السنة بسبب ارتفاع أسعارها بشكل كبير، والأسواق لم تشهد هذا الجمود من قبل، كما أن الأسعار لا تناسب أصحاب الدخل المحدود رغم زيادة الرواتب لأنها ارتفعت بشكل كبير”، وقليل من المواطنين يرتادون السوق، ومنهم من يسأل عن الأسعار فقط من دون أن يشتري.
ونقلت صحيفة “البعث” الناطقة بلسان الحزب الحاكم عن أصحاب المحال في مدينة طرطوس، أن غلاء الأدوات المدرسية والفوضى في الأسعار بسبب ارتفاع أسعار الورق عالميًا، وما يتحمله التاجر من تكاليف مالية “باهظة” يفرضها عليه المورد الأساسي، وبالتالي يتحكم بالسوق، ويفرض ما يريده، وينطبق الأمر على الألبسة المدرسية، وبقية القرطاسية من أقلام وغيرها.
وبلغ سعر قلم الحبر والرصاص 4000 آلاف ليرة، وهو أربعة أضعاف سعره العام الماضي، أما الممحاة والمبراة فبلغ سعر كل قطعة منها 1500 ليرة، بحسب جمال صاحب محل قرطاسية.
مرونة في التدقيق على المستلزمات
في محافظة درعا، أشارت المدرّسة سهام الرفاعي إلى أن معظم الطلاب لا يمكنهم تخصيص دفتر لكل مادة.
وأكدت سهام لعنب بلدي، أنها وجميع زملائها لا يفرضون احتياجات لا يستطيع الطالب تأمينها بسبب الوضع المادي للعائلات.
وأعطت المدرّسة مثالًا أن طلاب المرحلة الأولى بحاجة إلى ثلاثة دفاتر من فئة 100 ورقة لكامل العام تقريبًا، ودفتر من فئة 200 ورقة لمواد اللغة العربية كلها من قراءة وإملاء ونحو وتعبير ونشيد، ودفترين من فئة 100 ورقة للرياضيات والعلوم والفيزياء والكيمياء لطلاب المرحلة الإعدادية.
وأضافت أنه في السابق كان المعلمون يطلبون دفترًا لكل مادة، أما الآن ومع الأوضاع المادية المتردية، فأصبح المعلمون أكثر مرونة في هذا الأمر، إذ يقبلون بتقسيم الدفتر الواحد الى أكثر من مادة، أما الأقلام فاقتصر الأمر على القلم الأزرق.
وبالنسبة للباس المدرسي، أبدت وزارة التربية مرونة في التدقيق عليه، وقبلت أي لباس يتوفر لدى الطلاب، بحسب المدرّسة.
وسبق أن أصدرت وزارة التربية في مناطق سيطرة النظام تعميمًا، في 22 من آب 2021، بعدم التشديد على اللباس المدرسي، وسمحت لمدير المدرسة بقبول أي لباس قريب أو مناسب، مع الاكتفاء بالحد الأدنى من القرطاسية المدرسية.
وأضافت المدرّسة سهام أن جميع المعلمين والمعلمات لا يفرضون على طلابهم أي احتياجات كما كان الأمر سابقًا قبل عام 2011، بل يحاولون النقاش الإداري بشكل دائم للتخفيف عنهم وعدم إكثار الطلبات من الطلاب، والتغاضي عن بعضهم عندما يأتون بدفترين لجميع المواد.
جمانة الحسن، تسكن مخيم “الجولان” في درعا، تبرر ترك أحد أبنائها (14عامًا) للدراسة بغلاء الأسعار والوضع المعيشي السيئ، وعدم قدرتها على تلبية احتياجات أبنائها المدرسية.
قالت جمانة لعنب بلدي، إنها كانت تعمل في محل لبيع الملابس في مدينة درعا لكنه أُغلق مؤخرًا دون أن تذكر الأسباب.
جمانة أم لطفلين توفي زوجها منذ أربع سنوات، يعمل أحد أبنائها بالنجارة في المنطقة الصناعية، والآخر طالب في الصف الثالث، وتحاول جمانة أن تؤمّن له ما يلزمه للعام الدراسي من دفاتر وأقلام وألوان، وتجليد للكتب والدفاتر، إذ أصبح سعر المتر منه 4000 ليرة سورية.
أكدت جمانة أن عمل ابنها وحده لا يكفيهم قوت يومهم، ويحاول بعض الناس ممن يملكون حقائب قديمة أو ملابس مدرسية مساعدتها بتأمين ما تبقى لإكمال اللوازم الأساسية لابنها.
هذه الحال لا تنطبق على جمانة فقط بل على كثير من العائلات التي قابلتها عنب بلدي، فأغلبهم يعانون صعوبة في تأمين احتياجاتهم، وخاصة المستلزمات التي تضمن لهم الاستمرار في الدراسة.
وتتراوح أسعار الملابس المدرسية للمرحلة الإعدادية والثانوية بين 70 ألفًا و100ألف ليرة سورية بالنسبة للقميص من النوع العادي، أما النوع الجيد فوصل سعر القميص منه إلى 150 ألفًا، وتجاوز سعر البنطال 100 ألف ليرة بحسب النوع والجودة، أما الجاكيت المدرسي فتوفره في الأسواق نادر جدًا، وهو بحكم الملغى.
ووصل سعر “الصدرية” المدرسية إلى 50 ألفًا للنوع العادي، ويتجاوز 70 ألفًا للنوع الجيد.
هنادي الجاموس من مدينة داعل بريف درعا، أم لثلاثة أطفال وأرملة منذ سبع سنوات، قالت لعنب بلدي، إن اثنين من أطفالها في المرحلة الابتدائية والثالث في الإعدادية.
فسرت هنادي عدم استطاعتها شراء مستلزمات مدرسية لأبنائها بعدم وجود عمل يعولها، وأضافت أنه مع بداية كل عام دراسي تقوم عائلة مقتدرة ماديًا بتأمين هذه المستلزمات المدرسية لهم.
وتحصل هنادي على مساعدة ببعض المال من أقربائها لتلبية حاجات أطفالها الأساسية، قائلة، “أجد صعوبة كبيرة بتلبية جميع متطلباتهم طوال العام، فأضطر في بعض الأوقات أن أشتري لهم بالدَّين، ومن ثم السداد عندما أحصل على بعض المال”.
تتراوح أسعار الملابس المدرسية بين 500 ألف و 600ألف ليرة سورية للمرحلة الإعدادية والثانوية، بحسب ما قالته سحر العطار من محافظة درعا لعنب بلدي.
واكتفت سحر بشراء القمصان فقط لأبنائها قائلة، “بسبب الغلاء الكبير هذا العام لن أتقيد أنا وكثير من الأهالي باللباس بشكل كامل”.
وفي 15 من آب الحالي، أصدر رئيس النظام السوري مرسومًا نص على زيادة الرواتب والأجور المقطوعة للعاملين في الدولة بنسبة 100%، هذه الزيادة رافقها في الوقت نفسه رفع وزارة التجارة الداخلية في حكومة النظام أسعار المحروقات، ما أدى أيضًا إلى ارتفاع معظم أنواع السلع.
وبحسب مؤشر “قاسيون” الاستثنائي التابع لحزب “الإرادة الشعبية”، ارتفعت تكاليف المعيشة في سوريا بنسبة 58.3% منذ بداية تموز الماضي حتى النصف الثاني من آب الحالي.
وبلغ متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد 10.3 مليون ليرة سورية، وبلغ الحد الأدنى لأجر العامل نحو 185 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 12.6 دولار أمريكي شهريًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :