خطيب بدلة
يجب علينا أن نتحدث عن الفلاحين باحترام، هذه قناعتي، وأنا أُلزم نفسي باحترامهم قبل الآخرين. ولكن لهذه القاعدة استثناءات، فعندما نتحدث عن الفلاحين الذين استولوا على السلطة في سوريا، بانقلاب عسكري، وأنزلوا بالشعب الويلات، ونهبوا ما تيسر لهم من أمواله، مثل عائلة الأسد، ومخلوف، وشاليش، ودوبا، وبقية أفراد العصابة، لا يجوز أن نُظهر لهم أي نوع من الاحترام.
مناسبة هذا الكلام ما نشرته صحيفة “عنب بلدي”، عن وثيقة مسربة تنص على أن كِندا محمد مخلوف، أخت المليونير الزاهد ذي الرقبة المعووجة رامي مخلوف، تطالب نسوان والدها محمد مخلوف، خال حافظ الأسد، بدفع مبالغ مستحقة لها بذمتهم، وهي عبارة عن شوية ملايين، باليورو، وبالفرنكات السويسرية، بالإضافة إلى بضعة أرطال من الذهب، إلى آخر ما هنالك من هذه الحباشات!
ثمة أناس لا يحبون إلقاء الكلام على عواهنه، سيسارعون إلى تصحيح ما ذكرتُه أعلاه، قائلين إن آل مخلوف مزارعون، وليسوا فلاحين كآل الأسد، ولكن، يا سيدي، هذا الحكي لم تعد له قيمة، فبماذا يفيدنا إن كانوا مزارعين ملاكي أراضٍ، أو فلاحين أقنان، طالما أن مجمل ما يمتلكونه كان يُحسب بألوف الليرات السورية، في حين أن حافظ الأسد، بعدما انقض على السلطة، جعلهم يتحدثون بمليارات الدولارات، وأصبحت أي امرأة مخلوفية، آتية من زواج ثانٍ، تطالب شركاءها في الميراث، بمئات الملايين من اليوروهات والفرنكات، عدا الذهب والفضة والألماس؟
هل تعرفون ذلك الصعلوك المدعو جميل الأسد، مثلًا؟ كانت الميزة الوحيدة التي يمتلكها أنه شقيق حافظ الأسد، ولكنه كان، من ناحية جمع المال، مُطَعَّمًا على بالوعة سالكة، وحينما مات بدأ الصراع بين أهله ونسوانه يدور حول 900 عقار منتشرة على طول الأراضي السورية وعرضها، عدا عن خمسة مليارات دولار سائلة.
وجميل الأسد هذا يستحق، في الواقع، أن نتوقف عنده، فعلى الرغم من وجود نقص واضح في مستواه العقلي، وضعف في تحصيله العلمي وثقافته، أدرك، بحسه الفطري، أن وجود أخيه في السلطة ضربة حظ لا يمكن أن يحصل عليها كبار مليارديرية العالم، لذا سارع إلى الاستيلاء على مرفأ اللاذقية، وأنشأ شركة للتخليص الجمركي، وفتح لها فروعًا على كل المنافذ الحدودية، وصار أي إنسان يريد أن يعمل في هذا القطاع يتعرض لخطر الاصطدام به، وبرع في تبييض الأموال، لأن أخاه الحاكم كان يريد لإخوته كلهم أن يأكلوا لقمتهم بالحلال، وفي الثمانينيات، عندما بدأت أزمة فقدان المواد التموينية في سوريا، افتتح قافلة للتهريب، تعمل بين القرداحة وحلب، فكانت بضع سيارات مرسيدس شبح مفيَّمة تعبر طريق اللاذقية- حلب القديم، بسرعة البرق، فيها عناصر مسلحون، مطعمون على بغال شموسة، مرة كل يوم، ولكيلا يقال إنه لا يفهم بالسياسة، سارع إلى ترشيح نفسه لعضوية مجلس الشعب، وافتتح جمعية باسم الإمام المرتضى، ومن أطرف ما مر معي بشأنه، أن صحيفة “تشرين” نشرت، ذات يوم، خبرًا صغيرًا على الصفحة الأخيرة، يقول: عضو مجلس الشعب السوري جميل الأسد، يطالب الحكومة بتشديد الرقابة على التهريب!