على وقع هتافات الثورة السورية التي اندلعت عام 2011، تستمر الاحتجاجات في محافظة السورية لليوم الـ11 على التوالي، إذ طالب المحتجون بإسقاط النظام السوري وتطبيق القرار الأممي “2254” الذي يقضي بتحقيق انتقال للسلطة في سوريا.
محاولات النظام للوصول إلى حل، وإرسال وفود للتفاوض مع وجهاء المحافظة، ورجال الدين فيها، لم توقف الاحتجاجات، على الرغم من تغييرات طرأت في مواقف وجهاء المنطقة عبر بيان شيخ عقل الطائفة الدرزية يوسف جربوع، بعد اجتماعه مع محافظ ريف دمشق صفوان أبو سعدة مبعوثًا عن رئيس النظام بشار الأسد، بحسب ما قالته “شبكة السويداء 24” المحلية.
وأظهر يوسف جربوع، وهو أحد شيوخ العقل البارزين في السويداء، انحيازه لـ”القيادة السورية” بحسب ما قال خلال الاجتماع الذي ضم عددًا من وجهاء المدينة، الثلاثاء 29 من آب، بينما يرى البعض من ممثلي الفعاليات في السويداء أن الحراك الشعبي مهتم بوقفة وجهاء المحافظة، لكنه لا يعول على البيانات.
الحراك مستمر بمطالب سياسية
أحدثت الاحتجاجات في السويداء خلال أيامها الأولى جدلًا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي حول مطالب المحتجين فيها، إذ تركزت في الأيام الأولى، وحتى في موجات الاحتجاج السابقة، على تحسين الأوضاع المعيشية، بينما ارتفع سقف المطالب مع مرور الوقت إلى إسقاط النظام السوري.
ليث البلعوس، نجل مؤسس حركة “رجال الكرامة” الشيخ وحيد البلعوس، وقائد ما يعرف محليًا بـ”مضافة الكرامة” قال لعنب بلدي، إن المتظاهرين خرجوا في السويداء بسبب انتهاكات النظام في المحافظة، والظلم والقهر الذي مارسه بحقهم، معتبرًا أن التفاف مشايخ العقل والوجهاء والمنظمات الإنسانية والجمعيات الخيرية حول المتظاهرين والمطالب كان “مشرفًا”.
وأضاف أن المتظاهرين لا يطالبون بتحسين الوضع المعيشي والخدمي بالمحافظة، إنما يريدون تطبيق القرار الأممي “2254”، ورحيل الأسد، معتبرًا الترويج لغير ذلك “أمرًا مرفوضًا”، خصوصًا وأن احتجاجات السويداء أخذت ملامح واضحة عندما هتف المحتجون فيها “الشعب يريد إسقاط النظام”، بحسب البلعوس.
وكشف البلعوس عن محاولات التنسيق بين القوى العسكرية والسياسية في السويداء لخلق “مجلس سياسي” يعطي وجهًا جديدًا للمحافظة، مشيرًا إلى أن المشروع مطروح مع القوى السياسية، بهدف توحيد الجهود تحت مجلس ورأي وحد.
السياسي السوري المعارض يحيى العريضي، وهو من أبناء السويداء، قال لعنب بلدي، إن الحراك السلمي في المحافظة لن يتوقف، ولن تصدق “سرديات النظام” بأن مطالب الاحتجاجات معيشية، خصوصًا وأنه غير قادر على التعامل مع الناس كضحايا بل يتعامل مع سوريا أنها مزرعة له، بمن فيها من سكان.
وأضاف أن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أخذ البلد كـ”رهينة” في خضم خدمته لجهات دولية، وحماية دول أخرى له.
العريضي قال، إن جميع المحاولات السياسية مؤخرًا لإعادة تكرير النظام وإعادة لم تنجح، إذ لا يمكن للنظام أن يقدم شيئًا على أرض الواضع في سوريا سوى “إهانة كرامة هذا الشعب”.
منذ البدء أو في أي نقطة من سوريا، المسألة ليست مسألة جوع، إنما مسألة سياسية بامتياز.
الدكتور يحيى العريضي. |
الحراك “لا يعوّل على البيانات”
مع استمرار الاحتجاجات في السويداء باركت الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية الاحتجاجات، إذ حضر الشيخ الروحي للطائفة حكمت الهجري للقاء محتجين في بلدة قنوات بريف السويداء، في 21 من آب الحالي، معبرًا عن دعمه للحراك السلمي.
وقال الهجري، “لا نزال نعتبر أن القائمين على الدولة السورية هم إدارة وطنية، سننتظر ماذا يمكن أن نرى منهم خلال الأيام المقبلة (…) محتاجينكم في الساحات والميادين”.
“مضافة الكرامة” التي تشكل مرجعًا لشريحة من أبناء السويداء، ويمثلها الشيخ ليث البلعوس، أصدرت بيانًا من جانبها، أيدت عبره “مطالب الشعب المحقة”، وأبدت جاهزيتها لرد أي اعتداء على “الشعب الثائر”.
وفي 24 من آب الحالي، صدر بيان مشترك عن شيخي عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز، حمود الحناوي، ويوسف جربوع، طالب “القيادة” بتغيير حكومي وتشكيل حكومة جديدة قادرة على إدارة الأزمة وتحسين الواقع، وإيجاد الحلول وعدم ترحيل المسؤوليات، إلى جانب مطالب اقتصادية أخرى.
وقال ليث البلعوس لعنب بلدي، إن المحتجين لا يعولون على البيانات، مشيرًا إلى أن شيوخ الطائفة الدرزية وقفوا “وقفة مشرفة” من الحراك الذي تشهده المحافظة، لكن الكلمة المفصلية تبقى للشارع.
هل يصعّد النظام؟
في أحدث لقاء أجراه بشار الأسد مع قناة “سكاي نيوز” الإماراتية، قال في إجابة على سؤال الصحفي حول الطريقة التي واجه النظام بها الأحداث في سوريا: “لو عاد بنا الزمن إلى الوراء سوف نبني ونتبنى نفس السياسة في مواجهة الأحداث في سوريا”.
ومن حيث المضمون تختلف الطريقة التي واجه بها النظام احتجاجات السويداء عن التحركات الشعبية في محافظات أخرى منذ عام 2011، إذ لا تعتبر المرة الأولى التي يتجمع فيها متظاهرون في ساحات المدينة الواقعة جنوبي سوريا.
ليث البلعوس لا يرجّح أن يفتح النظام جبهة جديدة على الصعيد العسكري مع أبناء السويداء، خصوصًا مع الوضع سيئ الذي يعاني منه في ظل الوجود الأمريكي شرقي المحافظة للضعة كيلومترات (قاعدة التنف)، وفق ما قاله لعنب بلدي.
وأضاف أن سياسة الأسد واضحة اليوم في الجنوب، إذ يحارب أبنائها بالتجويع، إذ تعمد الحواجز الأمنية على طريق دمشق- السويداء إلى منع سيارات البضائع من دخول المحافظة، بحجة وجود مظاهرات فيها، علمًا أن المتظاهرين لم يمنعوا دخول سيارات البضائع نحو المحافظة.
البلعوس أكد أنه ومجموعات أخرى شاركوا على الأرض في الحراك بشكل محدود، إذ يتجول العناصر بين المتظاهرين، بهدف منع أي تجاوزات.
وتابع، في حال حاول النظام التصعيد على الصعيد الميداني فإن المجموعات العسكرية المحلية ستكون حاضرة للدفاع عن المنطقة.
السياسي السوري يحيى العريضي، يرى من جانبه أن جميع الاحتمالات مفتوحة أمام النظام السوري في تعامله مع السويداء، لكن أي تصعيد سينعكس عليه بشكل “مدمر”.
وأضاف أنه من المرجح أن يعتمد على الميليشيات الإيرانية، لكن أبناء المنطقة يدركون هذه المسألة، ولا يمكن أن يقفوا مكتوفي الأيدي خصوصًا أن سوريا بمجملها باتت مسلحة اليوم.
تضامن دولي
خلال كلمتها في جلسة مجلس الأمن، الأربعاء الماضي، قالت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد “في الأيام الأخيرة، شهدنا احتجاجات سلمية في مدن مثل درعا والسويداء، حيث دعا السوريون إلى تغييرات سياسية وطالب جميع الأطراف باحترام القرار (2254)، هذه هي المناطق التي بدأت فيها الثورة، ومن الواضح أن المطالب السلمية لم يتم التجاوب لها”.
وأشاد المبعوث الألماني إلى سوريا، ستيفان شنيك، من جانبه بشجاعة أهالي السويداء ودرعا، المطالبين بالعدالة والحرية والمواطنة.
وقال شنيك عبر موقع “إكس” (تويتر سابقًا)، “نقف مع المطالبين بالحوار السلمي وإطلاق سراح المعتقلين وتحقيق تطلعاتهم المشروعة، يستحق كل مواطن أن يكون له صوت والحق في العيش بكرامة”، ودعا النظام السوري إلى الامتناع عن ممارسة العنف ضد الاحتجاجات السلمية.
تزامنت الاحتجاجات في السويداء مع أخرى في مناطق متفرقة من محافظة درعا، ولا تزال مستمرة بشكل متواز مع جارتها السويداء التي تجري مظاهراتها بحضور نسائي، وبمشاركة عشائر البدو في المحافظة.
للسويداء سوابق
واجه النظام السوري الاحتجاجات في المحافظة بإطلاق الرصاص منذ أول هتاف خرج في شوارعها، بينما أدخل وسطاء لتهدئة الشارع في السويداء، ما دفع للسؤال عن خصوصية تعامله مع المحافظة ذات الأغلبية الدرزية.
الصحفي سالم ناصيف، وهو من أبناء المحافظة، قال في حديث سابق لعنب بلدي إن تعامل النظام مع السويداء لا يعود إلى أمر مميز فيها، إنما هو تمييز متعلق بالنظام نفسه، إذ حاول على مدار السنوات الماضية الترويج لنفسه على أنه “حامي الأقليات الدينية” في سوريا، للحفاظ على كرسي الحكم.
اقرأ أيضًا: فعاليات من السويداء: الوجه الجديد للنظام ينذر بصدام مسلح
وفي كانون الأول 2022، احتج المئات من أبناء محافظة السويداء، مطالبين بتحسين الواقع المعيشي، إلا أن دورية لـ”أمن الدولة” أطلقت الرصاص باتجاههم، أعقب ذلك اقتحام المحتجين، الذين وصفتهم وسائل إعلام النظام بـ”الخارجين عن القانون”، لمبنى “السرايا” (المحافظة) الحكومي، وتصاعدت الأحداث نحو إحراق المبنى، وتدمير الأثاث، وتمزيق صور رئيس النظام، بشار الأسد.
وسائل الإعلام السورية الرسمية، وأخرى مقربة من النظام، اعتبرت ما حصل حينها بأنه “أعمال شغب وتخريب مدفوعة بأجندات خارجية”، في تكرار للرسالة التي روّج لها ذات الإعلام بعد حراك الثورة عام 2011.
الاحتجاجات التي شهدتها السويداء نهاية 2022 في محافظة السويداء لا تعتبر الأولى، لكنها تميّزت عن سابقاتها، إذ قُتل أحد المحتجين برصاص قوات النظام، قابله إطلاق رصاص من السكان المحليين، ما أسفر عن مقتل عنصر أمن.
وشهدت محافظة السويداء، مطلع عام 2020، احتجاجات شارك فيها المئات من سكان المحافظة، نادت بإسقاط النظام السوري، ومزقت صور بشار الأسد، لكنها لم تشهد تصعيدًا وانتهت بوساطات من وجهاء المحافظة.
وتكررت هذه الاحتجاجات في أوقات متفرقة خلال العامين الماضيين ولأسباب مختلفة، لكنها غالبًا ما كانت متعلقة بالوضع المعيشي الذي تعانيه البلاد.