اللاذقية – ليندا علي
لم يزر هاشم (46 عامًا) البحر في اللاذقية هذا العام سوى مرة واحدة في بداية الصيف، إذ اصطحب عائلته المؤلفة من خمسة أشخاص إلى شاطئ “نقابة المعلمين”، في رحلة كلفت العائلة نحو 165 ألف ليرة سورية (تعادل 11 دولارًا أمريكيًا)، وهو أكثر من راتب موظف حكومي رغم الزيادة الأخيرة في المرتبات.
وقال هاشم الذي يعمل موظفًا حكوميًا صباحًا، وبائعًا على “بسطة” خضار في السوق مساء، إن أجرة الطاولة 50 ألف ليرة، وأجرة “التاكسي” التي أقلّتهم 50 ألف ليرة ذهابًا وإيابًا، والبقية كانت ثمن بزر من نوع “عباد الشمس” و”الجبس”، وهما أرخص أنواع “البزورات” المتوفرة في السوق السورية.
وباتت الشواطئ الشعبية أو شواطئ “المعترين” كما يطلق عليها في اللاذقية صعبة المنال والارتياد لأهالي المحافظة هذا العام، نظرًا إلى ارتفاع تكاليف زيارتها، رغم أن خدماتها محدودة وغير نظيفة، وغير آمنة نسبيًا، في حين ترتاد مجموعات من الأشخاص شواطئ غير مجهزة نظرًا إلى عدم وجود أجور دخول ورسوم.
تراجع القدرة الشرائية لعموم السوريين، وانعدام الدخل المناسب، جعل من السباحة رفاهية كبيرة للأغلبية، في حين فشلت السلطات المحلية بإتاحة شواطئ شعبية لائقة وبأسعار مناسبة للعامة.
سباحة مع “زيت وزعتر”
قال هاشم إن زوجته أعدّت سندويشات “الزيت والزعتر” مع كيلوغرامين من الخيار، وعلبة متة بسعر 15 ألف ليرة، لأن من المستحيل أن يستطيع شراء الفطائر كما اعتادوا سابقًا.
ويزيد سعر قطعة الفطائر على 3000 ليرة أحيانًا، ويحتاج الشخص غالبًا إلى أكثر من ثلاث قطع، وهذه تكاليف كبيرة على العائلة.
وأضاف هاشم أن شاطئ “نقابة المعلمين” يفتقد إلى كثير من الخدمات، كما أن كل ما فيه متهالك، فالطاولات والكراسي عفا عليها الزمن، والحمامات غير نظيفة أبدًا، وغالبًا ما يتحاشى الزائرون الدخول إليها سوى للحاجة القصوى.
في العام الماضي كان كل شخص يدفع مبلغ 5000 ليرة كرسم دخول لشاطئ “نقابة المعلمين”، ثم يحظى بطاولة وكراسي دون أن يدفع أجرتها، لكن هذا العام تغيّر الواقع، وبات حجز طاولة مع أربعة كراسي في الأيام العادية يستوجب دفع 35 ألف ليرة، وفي أيام العطل يرتفع المبلغ إلى 50 ألف ليرة، سواء جلس الزائرون ساعة أو النهار كله، وفق ما قاله هاشم.
وتابع أن من اعتاد زيارة الشواطئ الشعبية في اللاذقية بشكل مستمر كل عام، يدرك كيف أن أعداد الزائرين قد تقلّصت بشكل كبير جدًا، ففي السابق كان حجز طاولة مع كراسي يومي الخميس والجمعة مستحيلًا، نظرًا إلى الازدحام الكبير، وتغير الأمر هذا العام مع تدهور الوضع المعيشي.
التعرفة واحدة
رصدت مراسلة عنب بلدي أوضاع الشواطئ الشعبية، أو شواطئ “المعترين” كما يطلق عليها في اللاذقية، حيث يسود نظام واحد لناحية الأجور، ففي شاطئ “الكرنك” و”نقابة المعلمين” بمدينة اللاذقية، وشاطئ “الشقيفات” في جبلة، تبلغ أجور الطاولة 35 ألف ليرة في الأيام العادية، وترتفع إلى 50 ألف ليرة في أيام العطل والأعياد.
شاطئ “الكرنك” الذي يقع في منطقة الشاطئ الأزرق، يتميز بأنه الأكثر تخديمًا، قياسًا بالشواطئ الأخرى، إلا أن الخدمات مأجورة، مثل “الجيت سكي” (موتور البحر)، وتبلغ أجرة ركوبه ربع ساعة نحو 100 ألف ليرة تقريبًا، في حين توجد رحلة بحرية عبر قارب صغير بأجرة بين 5000 و7000 ليرة للشخص الواحد في شاطئ “نقابة المعلمين”.
في 11 من آب الحالي، كانت فاتن (27 عامًا) تتفاوض مع الجابي في شاطئ “الكرنك”، ليمنحها وصديقاتها الأربع طاولة بسعر مخفض، إذ إنهن حضرن عند الساعة السادسة مساء، ولن يبقين سوى ثلاث ساعات، وبالتالي فإن دفع 50 ألف ليرة يعتبر مبلغًا كبيرًا.
وحصلت الشابة على طاولة لها ولصديقاتها بأجرة 30 ألف ليرة، إذ سبحن وجلسن قليلًا حتى جفّت ملابسهن ثم غادرن المكان.
قالت فاتن لمراسلة عنب بلدي، “نأتي إلى هنا بمعدل مرتين شهريًا، ونتقاسم التكلفة فيما بيننا، وغالبًا ما تدفع كل واحدة منا بين 20 ألفًا و25 ألف ليرة، موزعة على أجور الطاولة والنقل، وفي حال أحبت إحدانا أن تأكل فإنها تحضر طعامها معها أو تشتري من هنا”.
أكثر ما يزعج الشابة أن من المستحيل أن تأتي مرة إلى هذا الشاطئ دون أن تشهد حادثة ضياع طفل وانشغال الأغلبية بالبحث عنه، وهذا بسبب عدم وجود أي من عوامل الأمان، وقالت إن الرقابة على شواطئ “المعترين” غائبة تمامًا و”لا أحد يكترث”.
شواطئ أخرى غير آمنة للسباحة
خلف المدينة الرياضية على طرق الشاطئ في اللاذقية، يوجد شاطئ صغير يُطلق عليه اسم “شاطئ الخضر” لوجود مزار ديني فيه، لا يحوي الشاطئ أيًا من مقومات السباحة الآمنة، إذ لا يوجد منقذ ولا يشهد اكتظاظًا، وفقط مجموعة من الأشخاص يأتون للسباحة فيه، أو يحضرون كراسيهم وطاولتهم للجلوس.
وغالبًا ما يأتي إلى هذا المكان سائقو الحافلات (الباصات) مع عائلاتهم، إذ من السهل عليهم إحضار الطاولات والكراسي، كما أن ميزة هذا المكان أنه مجاني بالكامل، أي لا طاولات لحجزها ولا رسم دخول.
وبحالة مشابهة هناك شاطئ “الصنوبر” في منتصف المسافة بين جبلة واللاذقية، الذي يشتهر بأنه مكان غير آمن للسباحة، وسبق أن حدثت به عديد من حوادث الغرق.
وبحسب أهالي المنطقة، تكثر الدوامات البحرية في شاطئ “الصنوبر”، ومن غير المستحب السباحة فيه، وربما يكون هذا السبب وراء عدم استثماره كما في شاطئ “الشقيفات” القريب منه مثلًا.
شواطئ بعيدة
فيما مضى كان رأس البسيط ووادي قنديل مقصدًا لذوي الدخل المحدود، إذ إن الشواطئ واسعة والسباحة فيها مجانية، لكن اليوم تكمن المشكلة بأجرة النقل، كما رصدت مراسلة عنب بلدي خلال لقائها أبناء المنطقة.
وحسب الشهادات، بات الوصول عبر الحافلات إلى تلك الشواطئ مستحيلًا نسبيًا جراء أزمة النقل، وفي حال أراد أحدهم أن يأخذ سيارة أجرة، فإن تكلفتها تصل إلى 150 ألف ليرة للحافلة وأكثر من 400 ألف ليرة لـ”التاكسي”.
ولو أرادت عائلة قضاء عطلة نهاية الأسبوع في رأس البسيط، فإنها ستدفع نحو 300 ألف ليرة أجور مواصلات فقط بحال اختارت الحافلة، و800 ألف ليرة بحال اختارت سيارة الأجرة، وهذه المبالغ تعتبر كبيرة جدًا بالنسبة لأغلبية السوريين اليوم.
المنتجعات ليست للأهالي
وبينما تعجز أغلبية أهالي اللاذقية عن زيارة البحر والسباحة فيه رغم بعده عنهم أمتارًا قليلة، تمتلئ المنتجعات بالمصطافين في عطلة نهاية الأسبوع، رغم ارتفاع أجورها بشكل كبير.
ففي منتجعات “الشاطئ الأزرق” و”الميرديان” و”روتانا أفاميا”، تبلغ أجرة الدخول من 50 ألفًا إلى 75 ألف ليرة، دون أي مزايا فيما عدا السباحة والجلوس على الشاطئ.
وعلى طول الشاطئ السوري، ليس هناك مكان آمن للسباحة المجانية، حتى الشواطئ المفتوحة التي تعود ملكيتها لوزارة السياحة في ثلاثة مواقع، هي مسبح “الشعب”، و”لابلاج”، إضافة إلى شاطئ مفتوح في وادي قنديل، غير مجانية، ويبلغ رسم الدخول إليها 3000 ليرة، وحجز الطاولة من 5000 إلى 10000 آلاف ليرة.
ورغم أن شاطئ “وادي قنديل” هو أفضلها، فإن بعده عن المدينة نحو 30 كيلومترًا يجعله غير جاذب في ظل أزمة النقل الخانقة وارتفاع أجور السيارات الخاصة.