أصدر تنظيم “حراس الدين” الجهادي بيانًا حمل عنوان “نحن أولياء الدم”، طالب خلاله “هيئة تحرير الشام”، صاحبة النفوذ بمناطق من شمال غربي سوريا، بإنشاء لجنة تحقيق مستقلة للتحقيق مع الموقوفين لدى “الهيئة” بتهمة نقل المعلومات للتحالف الدولي الذي تقوده أمريكا في سوريا.
وحمل البيان الذي تداوله خبراء في شؤون الجماعات الجهادية عبر موقع “إكس” (تويتر سابقًا)، الأربعاء 23 من آب، مطالب التنظيم بإقامة “تحقيق مستقل يشرف عليه خيرة مجاهدي الشام، وقضاء مستقل يقوم به خيرة القضاة من أهل الشام بحق هؤلاء الجواسيس والعملاء القابعين في سجون الفئة التي تدعي سيطرتها على المناطق المحررة”.
وأضاف أن التنظيم خسر عناصر وقادة، أبرزهم “أبو فراس السوري” و”أبو الفرج المصري” و”أبو الخير المصري” و”أبو محمد السوداني” و”قسام الأردني” و”أبو خلاد المهندس“، باستهدافات للتحالف الدولي في سوريا، نتيجة للمعلومات التي نُقلت من قبل مخبرين قابعين اليوم في سجون “تحرير الشام”.
وطالب البيان بالكشف عن أسماء الموقوفين بتهمة التخابر مع التحالف الدولي.
وتستهدف المسيّرات الأمريكية التابعة لقوات التحالف الدولي قياديين وعناصر من تنظيم “حراس الدين” المصنف على “قوائم إرهاب” دولية، ودائمًا ما تقع هذه الاستهدافات في مناطق نفوذ “تحرير الشام” شمال غربي سوريا.
وترافقت استهدافات التحالف الدولي لـ”حراس الدين” مع تضييق وملاحقة من قبل “هيئة تحرير الشام”، صاحبة النفوذ في محافظة إدلب وريف حلب الغربي وسهل الغاب شمالي حماة، وتلال وريف اللاذقية الشرقي، بقيادة “أبو محمد الجولاني”.
ومع كل استهداف لعناصر “حراس الدين”، تُتهم “تحرير الشام” بأنها تقف خلف هذه العمليات، وأنها تعطي معلومات استخباراتية للتحالف الدولي للخلاص من “الحراس”، رغم نفي “الهيئة” وجود سياسة ممنهجة تجاه المهاجرين “الأجانب” بشكل عام.
أصابع الاتهام نحو “تحرير الشام” عزّزتها خلافات سابقة بين الفصيلين، تجلّت بملاحقة “الهيئة” عناصر “حراس الدين” وزجّهم بالسجون، حتى وصلت الخلافات إلى الاشتباك المباشر في حزيران 2020، الذي انتهى باتفاقية وسعت سيطرة “تحرير الشام” على حساب الجماعات “الجهادية” الأخرى.
اقرأ أيضًا: استراتيجية “الجولاني” وضربات “التحالف” تنهكان “حراس الدين”
حملة اعتقالات بتهمة “العمالة”
مطلع نيسان الماضي، اعتقلت “هيئة تحرير الشام” ثمانية “جهاديين”، بحسب ما رصدته عنب بلدي عبر “تلجرام”، في حسابات تتبع لـ”جهاديين” موجودين شمال غربي سوريا.
وذكرت هذه الحسابات أن “تحرير الشام” اعتقلت “أبو عروة كنصفرة” العامل ضمن جماعة “أنصار الإسلام”.
واعتقلت في الفترة نفسها سبعة “جهاديين” مستقلين، هم “أبو الليث معبر” و”أبو أسامة الجزائري” و”أبو الدرداء الجزائري” في مدينة إدلب، إضافة إلى اعتقال “معاذ التركي” في قرية الحمامة، و”عبد الرحيم التركي” في القنية، و”عبد الرحمن التركي” في اليعقوبية.
وتصدّرت قضية وجود اختراقات في صفوف “تحرير الشام”، ومتعاملين لمصلحة التحالف الدولي وروسيا والنظام السوري، الواجهة الإعلامية، وأثارت جدلًا واسعًا في المنطقة.
من بين المعتقلين شخصيات تشغل مناصب حساسة في “الهيئة” على مستوى الإدارة والعسكرة، ومقربون من قيادات الصف الأول ومن الشرعيين فيها، وتأكدت عنب بلدي من اعتقال بعض الأسماء التي أوردتها وسائل إعلام وقياديون منشقون عن “تحرير الشام”.
القيادي السابق في “تحرير الشام” والمنشق عنها صالح الحموي، وحسابه المعروف بـ”أس الصراع في الشام“، ذكر أن عدد معتقلي “خلايا التحالف وروسيا” في صفوف “الهيئة” وصل إلى 220 معتقلًا، لافتًا إلى أنه ليس كل معتقل متورطًا، إنما هناك تصفيات وخصومات داخلية.
وفي منشور آخر قال الحموي، إنه تم تسريب حوالي 72 ألف ملف بطاقة شخصية من البطاقات الجديدة التي تصدرها حكومة “الإنقاذ” إلى النظام السوري، في حين لم تؤكد “تحرير الشام” أو تنفِ هذه التفاصيل.
اختراق من مستجدين
مع استمرار الحديث عن قضية اختراق “تحرير الشام” من قبل جهات عدة، خرج “جهاز الأمن العام” (الجهاز الأمني التابع لـ”الهيئة”) بتوضيحات، ناسبًا الاختراق إلى “منتسبين جدد” للفصيل العسكري.
وقال المتحدث باسم “الأمن العام“، ضياء العمر، في 31 من تموز الماضي، إن النظام السوري استغل فتح “الأمن العام” باب الانتساب إلى صفوفه من أجل اختراق “هيئة تحرير الشام” ومكوناتها، وزرع عملاء في صفوفها.
وذكر العمر أن “خلية العملاء” التي اعتقلها “الأمن العام” في إدلب مؤخرًا، هي عناصر منتسبون بينهم شخصيات تتبع لـ”تحرير الشام”، وشخصيات مدنية وفي فصائل عسكرية وبحكومة “الإنقاذ”.
وذكر العمر أن المتورطين يتبعون للمخابرات الروسية وأفرع النظام، ويتلقون الأوامر بشكل مباشر منهم، وبعضهم لديه تواصل مع جهات خارجية (لم يسمِّها)، لافتًا إلى أن التحقيق لا يزال مستمرًا.
وأضاف أن حجم المعلومات التي طلبتها المخابرات ركّزت على جمع معلومات متعلقة بالجانب العسكري من محاور ونقاط رباط وخطط عسكرية، لافتًا إلى أنها لم تستطع الوصول سوى إلى المعلومات الظاهرة منها أو المعروفة لدى الجميع.
وعن عدم الإعلان مبكرًا قال العمر، إن القضية تتطلب “السرية والكتمان”، معتبرًا أن الاختراق أمر طبيعي يحصل مع أجهزة أمن واستخبارات ومؤسسات دول عديدة.
ماذا عن “أبو ماريا القحطاني”؟
في 17 من آب الحالي، أعلنت “تحرير الشام” عن تجميد صلاحيات ومهام عضو مجلس الشورى والقيادي في الصف الأول “أبو ماريا القحطاني”، بسبب “خطئه في إدارة تواصلاته دون اعتبار لحساسية موقعه”، حسب قولها.
وقالت “الهيئة” في بيان، إنها جمّدت صلاحيات ومهام “أبو ماريا القحطاني” بعد استدعائه لورود اسمه في بعض التحقيقات التي أجرتها “تحرير الشام” بخصوص “العمالة” مؤخرًا.
وذكرت أنها ساءلته بكل شفافية ووضوح تقديرًا منها لدرء الشبهات وإزالة اللبس، وتبين للجنة أن “القحطاني” أخطأ في إدارة تواصلاته دون اعتبار لحساسية موقعه أو ضرورة الاستئذان وإيضاح المقصود من هذا التواصل، وفق قولها.
وفي الوقت الذي غاب فيه تعليق “الهيئة” أو قياديون فيها أو إعلامها الرديف على ما تم تداوله حول الاختراق، قال “أبو ماريا القحطاني” في 10 من تموز الماضي، عبر “تلجرام”، إن الأخبار المتداولة عن اتهامات مرة بـ”الإرهاب” ومرة بـ”العمالة” هي محاولة لـ”تقويض البناء وهدم الثقة وتشكيك الناس بحملة المشروع الإسلامي”.
واعتبر “القحطاني” أنه ليس من المعيب أن “يكشف أهل الإيمان في أحد جيوشهم عينًا للأعداء، وأن تطهير أي جماعة لصفها من فرد تدور حوله شبهات لهو دليل طهر وصدق”.
–