جريدة عنب بلدي – العدد 52 – الأحد – 17-2-2013
إن إشاعة المعرفة بالحقوق والممارسات الديمقراطية والمساواة بين الجنسين والعمل الجماعي، وتوسيع المعرفة بالحقوق الدستورية وتمكين المشاركة في المجتمع المحلي وصولًا إلى رسم السياسات في المؤسسات الحاكمة، تعتبر من أهم الركائز التي تتبناها التربية المدنية كأدوات لتطوير الفرد وتنمية معارفه مدنيًا.
فالهدف الأساسي الذي تسعى إليه التربية المدنية هو تنمية الإحساس بالمصلحة العامة، واحترام القانون والعمل على تكوين الفرد تكوينًا حضاريًا يؤهله للعيش كمواطن صالح يشعر بالمسؤولية وواع للالتزامات والواجبات ومتقبلًا للآخر.
وقد أفردت العديد من الدول في مناهجها التعليمية موادًا كاملة لتدريس التربية المدنية، سواءً في الجامعات أو في المراحل التعليمية الانتقالية وذلك بهدف تعزيز الديمقراطية والقيم المدنية.
ولعل أهمية التربية المدنية تنبع من كونها الحامل الأساسي لمنظومة من القيم والأفكار الضرورية لأن تكون ذات صبغة تشاركية بين فئات المجتمع بكافة أطيافه العمرية والدينية.
وتبرز الحالة الملحة لإدراج التربية المدنية في الجامعات والمراحل التدريسية الانتقالية، من كونها أساسًا لتهيئة الأجيال وجعلهم على إطلاع دائم واهتمام بمسائل الحريات والعيش المشترك وخاصة في بلدان تعاني من الحروب وتتسم بتكوين ديموغرافي وسكاني متنوع.
ولحل الحالة السورية بكافة تداعياتها تتطلب من جميع العاملين في حقل العمل المدني البدء بنشر هذه التربية، وتهيئة التربة من أجل نمو صالح لمفاهيم التربية المدنية. وذلك لما نشهده الآن في سوريا من تناحر ومحاولات لإقصاء الآخر وانتهاكات لحقوق الإنسان بكافة أشكالها.
ولابد من القول أن السماد الطبيعي لهذه التربة والذي يدعم مكوناتها، يكمن في دعم القوانين الضامنة لنمو الأفكار والقيم الممثلة للمدنية، والتي تؤسس لحالة مدنية مجتمعية شاملة، بدءًا من السماح بقيام المنتديات والمحاضرات والجمعيات والمنظمات المهتمة بالشأن المدني وصولًا لمشاركة واسعة لأطياف المجتمع في صنع القرارات ورسم السياسات.
إن نمط الأنظمة القائمة والديكتاتوريات الحاكمة كمثل الحالة السورية، قد قوض من انتشار تربية مدنية مؤثرة. وذلك لأنها بمضمونها تشكل تهديدًا لبقائهم..
فقد تعرض المهتمون بالشأن المدني للاعتقالات والنفي الممنهج، والتقييد بقوانين وبيروقراطية معيقة لتطوير هذا الجانب كما تغول الجانب الأمني في التربية خلال فترة حكم البعث في سوريا، فقد أممت كل مراحل التعليم لصالح النظام عبر منظمات طلائع البعث وشبيبة الثورة واتحاد الطلبة، واستعيض عن ترسيخ القيم المدنية بتمجيد الفرد والحزب القائد بحيث تشكلت فجوة كبيرة، وبات الشعب سوريا مفتقرًا لأية مؤسسة أو وسيلة إعلامية تعبر من خلالها وبات التلقين واستظهار مبادئ حزب البعث هي (القيم) التي تعمل عليها الدولة لترسيخها عبر تسخير كل الوسائل بينما ضيق على أية مبادرة أو منتدى أو تجمع أو نقابة أو إعلام حر يتم من خلاله طرح القيم المدنية وإبرازها.