كشفت وثائق بريطانية أُعلن عنها للصحافة مؤخرًا، رفض إنجلترا دعم رفعت الأسد في مسعى خطط له عام 1986 للإطاحة بحكم شقيقه رئيس النظام السوري السابق، حافظ الأسد.
وبحسب ما جاء في تقرير شبكة الإذاعة البريطانية (BBC)، الأحد 20 من آب، فإن الحكومة البريطانية حينها رفضت طلب رفعت الإقامة في المملكة المتحدة، أو التدخل لدى دولة أخرى لمنحه جنسيتها والعيش فيها بشكل دائم، إذ كانت العلاقات بين لندن ودمشق تمر بمرحلة وصفها البريطانيون بأنها “حساسة”، ووضعت الحكومة البريطانية “نظامًا صارمًا يصعِّب إجراءات منح السوريين تأشيرات دخول” إلى بريطانيا.
وتكشف الوثائق أن محاولات رفعت للتواصل مع بريطانيا بشأن سعيه لإسقاط النظام السوري بدأ بعد عامين من اختيار رفعت العيش في المنفى بعد فشل محاولته الانقلاب عسكريًا على النظام.
وفي تموز عام 1986، اكتشفت الخارجية البريطانية بأن رفعت وصل إلى لندن بجواز سفر مغربي، وكان حينها لا يزال رسميًا نائبًا للرئيس لشؤون الأمن القومي، وعضو القيادة القطرية لحزب “البعث” وقائد “سرايا الدفاع”.
وتضمنت تصريحات رفعت للخارجية البريطانية بحسب ما نقل عنه حينها أحد أعضاء البرلمان البريطاني، ادعاءه بأنه يشكل المعارضة في سوريا، وأن خلافه مع النظام يتعلق بالصلة بالاتحاد السوفييتي حينها، والسياسات الاشتراكية “غير الفاعلة” في سوريا، مشيرًا إلى دعم ولي العهد الأردني، الأمير الحسن، والسعودي، الأمير عبد الله، كخليفة محتمل لرئاسة سوريا، حسب قوله.
ورد وزير الخارجية البريطاني حينها كان بأنه “سيكون من غير الملائم أن نقبل اقتراح دعوة رفعت للعودة إلى لندن للقاء الوزراء، خاصة عندما تكون علاقاتنا مع سوريا في مرحلة تتسم بحساسية خاصة”، ومثل هذه الزيارة “سوف يُساء فهمها في دمشق”.
وأضاف، “لا أستبعد رفعت كخليفة محتمل لشقيقه، ووزارة الخارجية السورية أوضحت لنا أيضًا أن الحكومة السورية لا تقبل أي مسؤولية عن أفعاله”، وفق التقرير.
سألت بريطانيا المغرب عن خلفيات منحه جواز سفر لرفعت، ليرد السفير المغربي في المملكة المتحدة حينذاك، مهدي بن عبد الجليل، بأن الجواز أعطي لرفعت “لكونه مصدرًا مفيدًا بشكل خاص للاستخبارات بشأن ما يحدث داخل سوريا”.
كما أبلغ السفير البريطانيين بأن “مسؤولًا مغربيًا استخباراتيًا كبيرًا زار لندن للاجتماع مع رفعت خلال زيارته إلى بريطانيا”، وأن المغاربة يرونه “رئيسًا بديلًا محتملًا لسوريا”، مشيرًا إلى أن اثنين من أبنائه مستشاران للملك الحسن، ما يؤكد “أهمية العلاقة معه”.
“سيطرة سوفييتية”
بعد نحو شهرين من زيارة رفعت لبريطانيا، دعا وسيطه مع الحكومة البريطانية، عضو مجلس العموم، جوليان إيميري، لزيارته في مكان إقامته حينها بإسبانيا.
وبحسب ما نقل عنه النائب البريطاني لحكومته، فإن رفعت يرى أن السوفييت يسيطرون سيطرة شبه تامة على الاقتصاد السوري وقوات النظام، وهذه السيطرة تمارس عبر المستشارين الماليين والتقنيين والعسكريين والاستخباراتيين، والقليل للغاية يمكن فعله دون تعاونهم.
وأبدى إيميري ملاحظته عن “لفتة سخية” من جانب رفعت، اعتبرها “إشارة إلى الأهمية التي يوليها لصلته ببريطانيا”، فقال إنه بعد أن فاتته الطائرة، أعاده رفعت إلى لندن بطائرته الخاصة من طراز “بوينغ 727”.
وفي أواخر عام 1986، صارح رفعت البريطانيين بمشروعه لإسقاط نظام شقيقه، وبحرصه على الحصول على مساندتهم، فيما استبعد طلب مساعدة الأمريكيين، حسب إيميري، الذي قال إن رفعت “كان حذرًا بشأن التوجه نحو الولايات المتحدة”، وهو “لم يكن لديه الكثير من الثقة في تفكيرهم (الأمريكيين)”.
وانتهى النقاش البريطاني الداخلي إلى أنه “بينما ينبغي لنا ألا نكون أفظاظًا تجاه رفعت، فإن علينا توخي الحذر من أن نرعى رسميًا حكومة في المنفى”.
وكانت الرؤية البريطانية حول رفعت بأنه رغم انفتاحه النسبي الواضح على الغرب، فهو يُعتبر من جانب كثيرين في سوريا “جزارًا شاذ الطباع مفرطًا في القتل، ويمكن أن تقرِّب عودتُه سوريا من الحرب الأهلية”، فلا يمكن أن تكون هناك ضمانة لاستمرار الاستقرار الداخلي إذا تولى رفعت السلطة في سوريا.
كما تساءلت حينها الخارجية البريطانية، بشأن إن كان رفعت، الذي يتسم “بتقلب المزاج والترف بالملذات وغرابة الأطوار”، يمكن الاعتماد عليه في اتباع سياسة خارجية إقليمية بناءة.
وبحسب تقرير الحكومة الأمريكية إلى “الكونجرس” عن رفعت الأسد فإنه في محاولة فاشلة للاستيلاء على الحكم عام 1984، احتفظ بمحفظة أعمال كبيرة في سوريا حتى العام 1999 عندما طرد رسميًا من البلاد بعد اشتباكات عنيفة في اللاذقية بين مؤيديه ومؤيدي شقيقه حافظ.
وصادرت الحكومة الإسبانية أصول رفعت في إسبانيا عام 2017، بعد أن ورد اسمه في تحقيق أوروبي بشأن غسل الأموال.
وقضت محكمة فرنسية، في حزيران 2020، بسجن رفعت لأربع سنوات بتهمة غسل الأموال المنظم والاحتيال الضريبي المشدد واختلاس أموال سورية، كما قضت بمصادرة ممتلكاته وحساباته في باريس ولندن.
وقُدّرت محفظة رفعت العقارية الإجمالية قبل مصادرتها بحوالي 850 مليون دولار، ثم عاد إلى سوريا في تشرين الأول 2021 هربًا من السجن.
–