حمّل قرار رفع سعر الأدوية بنسبة 50% أغلبية السوريين أعباء إضافية، تضاف إلى أعبائهم الاقتصادية والمعيشية، نتيجة التضخم وانخفاض قيمة الليرة، وانتشار “الفساد” وسوء إدارة الموارد المتاحة.
عبد اللطيف، سبعيني وموظف متقاعد من مدينة اللاذقية، لا يزال يواجه صعوبة كبيرة في إيجاد دوائه الخاص بمرض الضغط من نوع “لودتان”، لدرجة أن الصيدلاني اقترح عليه تناول دواء آخر بعيار أقوى بشرط أن يتناول نصف حبة وليس حبة كاملة.
قال عبد اللطيف، إنه وكثيرًا من الأشخاص الذين يعانون مرضه لجؤوا إلى هذه الحيلة، كما أنهم باتوا يشترون دواءهم بنصف الظرف عوضًا عن العلبة الكاملة نتيجة ارتفاع سعره أولًا، وبانتظار أن يتوفر دواؤهم بأي لحظة ثانيًا، فلا يضطرون لرمي ما دفعوا ثمنه.
يشتري السبعيني نصف الظرف من الدواء حاليًا بسعر 8000 ليرة، بينما لا يتجاوز ثمن علبة دوائه من نوع “لودتان” 6000 ليرة، واليوم أخبره الصيدلاني أن سعر هذا الدواء صار 9000 ليرة.
وأضاف أن “الحسبة توجع الرأس، الصيدلاني أخبرني أن سعر أدويتي مجتمعة بات يكلفني شهريًا 43 ألف ليرة، من أين أحضرهم؟ أحسن شي الله يأخذ أمانته ويريحنا جميعًا”.
يبلغ راتب عبد اللطيف نحو 80 ألف ليرة، ومع زيادة الرواتب التي أُقرت بالتزامن رفع الدعم ورفع سعر المحروقات، في 15 من آب الحالي، لن يزيد راتبه على 150 ألف ليرة وربما أقل بعد اقتطاع ضريبة الدخل، وبالتالي فإن نحو ثلث راتبه سيذهب للأدوية، دون أن يُحسب ثمن الطعام وبقية احتياجاته الرئيسة.
وفي 10 من آب الحالي، نشرت مديرية الشؤون الصيدلانية في وزارة الصحة قائمة أسعار جديدة شملت أكثر من 12 ألف زمرة دوائية من مختلف معامل الأدوية المحلية.
الأدوية النفسية غير متوفرة
من بين الأدوية التي فُقدت في الصيدليات بأزمة الدواء المستمرة، الأدوية النفسية، التي يقبل عليها سوريون كثر نتيجة انتشار الاكتئاب بسبب الأوضاع المعيشية الضاغطة.
“وكأن همي برؤية ابني الشاب مصابًا بالاكتئاب ليس كافيًا، ليأتي هم تأمين الأدوية”، قالت منى (57 عامًا)، التي انقطع ابنها عن أدويته منذ نحو سبعة أيام حين انتهت آخر حبة دواء لديه، ليستعيض عنها ببدائل أخف فعالية قياسًا بحالته، إلا أن الطبيب أخبرها بأن ذلك أفضل من أن ينقطع عن الدواء تمامًا.
ابنها سامر (25 عامًا) خريج قسم التاريخ من جامعة “تشرين”، فشل بإيجاد أي عمل سواء باختصاصه أو خارجه، كما تعرض للاحتيال بينما كان يجهز أوراقه للسفر، إذ إن الشخص الذي وعده بتأمينه لخارج البلاد، نصب عليه وأخذ منه 1500 دولار أمريكي، حصلت عليها العائلة بعد بيعها لكل مدخراتها من الذهب وقطعة أرض كانت تمتلكها لتمنح ابنها مستقبلًا أفضل.
الظروف السابقة أوقعت سامر بحالة اكتئاب لدرجة أنه فكر بالانتحار، إلا أن والدته “لحقت به على آخر نفس” وأسعفته إلى المستشفى، ليُكتب له عمر جديد كما قالت، وتابعت أن عدم توفر دوائه اليوم يهدد بتدهور حالته وربما يعيد الكرة بالانتحار مجددًا كما أخبرها طبيبه.
أوضحت منى أن ابنها يحتاج إلى دواء “هيلابسين”، الذي كانوا يشترونه بـ13500 ليرة، وبعد ارتفاع سعر الأدوية ذهبت إلى الصيدلية لتسأل عنه، ليخبرها الصيدلاني أنه لم يتوفر بعد، وبأن سعره بات اليوم نحو 21 ألف ليرة، وهو ما سيزيد من الضغط على العائلة التي تضم والدين متقاعدين وابنة أخرى تعمل بالقطاع الخاص، إضافة إلى سامر الذي يبقى حبيس المنزل.
الأدوية لن تتوفر قبل 15 يومًا
قالت “لمى” 37 عامًا (اسم مستعار)، صيدلانية في مدينة اللاذقية، إن الأدوية لن تتوفر قبل 15 يومًا، كما أخبرها مندوبو توزيع الأدوية الذين تواصلت معهم لمدها بالدواء، منذ إعلان رفع الأسعار.
وأضافت الصيدلانية أن أغلبية الأدوية المقطوعة كانت للأمراض المزمنة مثل الضغط والسكر والقلب، إضافة إلى أدوية الأمراض النفسية، لافتة إلى أن تلك الأدوية هي الأكثر طلبًا في السوق السورية اليوم.
وأضافت لمى، نقلًا عن مندوبي معامل الأدوية الذين تتواصل معهم، أن المعامل غير راضية عن السعر الجديد، حيث طالبت برفع الأدوية بنسب متفاوتة بين 100 و150%، إلا أن الزيادة التي حصلت عليها فقط 50%، وهو ما يهدد باختناقات جديدة وأزمات أخرى مقبلة، خصوصًا بعد رفع سعر المحروقات، الذي يسهم بزيادة التكاليف على المعامل.
بالحبة
الصيدلاني جورج (45 عامًا) يمتلك صيدلية في شارع “الأميركان” بمدينة اللاذقية، قال إن الأدوية التي انقطعت مؤخرًا كانت من عيارات محددة، وهي العيارات الأكثر طلبًا من المرضى، مثل “ديفولتان 5/80” الخاص بمرض الضغط والذي كان سعره 7000 واليوم بات نحو 12 ألف ليرة.
وأضاف أن أدوية السكري أيضًا مثل “غلاميد” بات سعرها اليوم 8000 ليرة بعدما كان 5000، والأدوية النفسية مثل “هيلابسين” و”فيليبسين” ارتفعت من 13500 إلى 20 ألفًا و21 ألف ليرة.
ذكر الصيدلاني أنه ورغم وجود صيدليته بحي يعتبر أحد الأحياء المترفة في المدينة، فإن مرضى كثرًا كانوا يأتون إليه لشراء ظرف واحد من علبة الدواء رغم حاجتهم إلى العلبة كاملة، وحين يسألهم عن السبب، يخبرونه بأنهم يقننون دواءهم، فلا يتناولونه بانتظام إنما خففوا الكمية للنصف نتيجة ارتفاع سعر الدواء فوق طاقتهم على التحمل.
لفت الصيدلاني إلى خطر هذه الظاهرة، وأقسى ما يؤلمه، بحسب ما قاله، أن إحدى السيدات جاءت تطلب منه شراء دوائها للضغط بالحبة، لأنها لم تكن تمتلك المال بانتظار أن تحصل على راتبها التقاعدي.
ومثل بقية الملفات الأخرى، فشلت حكومة النظام في سوريا بإدارة ملف الأدوية، وبقيت وزارة الصحة تحت رحمة معامل وشركات الأدوية، التي تلجأ في كل مرة يتم رفض طلبها رفع سعر الدواء إلى قطعه من الأسواق والتوقف عن إنتاجه وتوزيعه، ريثما تخضع وزارة الصحة لمطالبها، في ظاهرة تكررت عدة مرات سابقًا.
وبات الدواء يقتصر على طبقة الأغنياء والميسورين، وأما الفقراء فلا يملكون سوى المكابرة على ألمهم، دون أن تفلح خطابات حكومة النظام بـ”الصمود”، بمنحهم جرعة دواء شافية لأمراضهم المزمنة.
وكان وزير الصحة، حسن الغباش، قال في أيار الماضي، إنه لا توجد نية لرفع سعر الأدوية حاليًا، لكن بعد ثلاثة أشهر، ارتفعت أسعار الأدوية، وهو الرفع الثاني خلال العام الحالي، بعد رفع مشابه في كانون الثاني وصل إلى 80%.
وفي نيسان الماضي، قال نقيب صيادلة دمشق، الدكتور حسن ديروان، في تصريحات لإذاعة “ميلودي إف إم” المحلية، إن رفع سعر الدواء، قلّص الطلب على الأدوية وخفض المبيعات بنسبة 40%.
–