تشهد الأسواق المحلية في مناطق سيطرة النظام فقدانًا شبه تام بمادة زيت الزيتون، أرجعه عدد من التجار لتصدير المادة، دون تعليق حكومي رسمي على الأزمة.
غياب المادة أدى لارتفاع أسعارها لمستويات غير مسبوقة، إذ وصل متوسط سعر مبيع الليتر الواحد منها لنحو 70 ألف ليرة سورية، في ارتفاع بلغ نحو 20 ألف ليرة سورية خلال نحو شهر ونصف فقط، بحسب ما رصدت عنب بلدي.
واحتلّت سوريا المرتبة الرابعة عالميًا بين الدول المنتجة لزيت الزيتون من عام 2004 وحتى 2008، ليتراجع ترتيبها إلى المرتبة السابعة خلال عام 2018، ويتذرع المسؤولون الحكوميون بالعقوبات والحرب، بينما أحد الأسباب الرئيسة صعوبة تأمين الفلاحين مستلزمات الزراعة، وقلة الدعم.
شبه مفقود
جهاد، تاجر يملك محل لبيع المواد بالجملة في بلدة المزيريب بريف درعا الغربي، قال لعنب بلدي، إن مادة زيت الزيتون شبه مفقودة من السوق المحلية، موضحًا أن سعر التنكة الواحدة بسعة 16 ليترًا يصل لنحو مليون و100 ألف ليرة سورية، ما يعادل 70 ألف ليرة لليتر الواحد.
وأوضح جهاد الذي تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، أنه عادة في شهر آب من كل عام، ومع اقتراب توقيت نضوج الموسم الجديد، تنخفض أسعار المادة، بسبب رغبة التاجر ببيع الزيت من الموسم الماضي، والحصول عليه من الموسم الجديد، الأمر الذي لم يحدث هذا العام.
وبيعت الكميات التي كانت تخزن حتى هذا الشهر عادة، لتجار الجملة منذ أشهر، وفق التاجر، موضحًا أن قرار الحكومة بتصدير المادة خارج سوريا دفع نحو نفاذ الكميات في الأسواق المحلية.
عدنان الكور، أحد تجار مادة زيت الزيتون، في حي الكاشف بمدينة درعا، قال لعنب بلدي، إن سعر ليتر زيت الزيتون يصل لنحو 75 ألف ليرة سورية، مشيرًا إلى أن غالبية الكميات في المنطقة نقلت للتصدير، فضلًا عن وجود حركة احتكار حاليًا للمادة من قبل بعض التجار، وذلك لبيعه بسعر أكثر لاحقًا تذرعًا بانخفاض قيمة الليرة أمام الدولار، ما سبب ارتفاع سعره.
بينما أرجع التاجر أحمد السكري، المقيم في بلدة الكرك الشرقي بدرعا، ارتفاع الأسعار، إلى أجور النقل التي يتكبدها التجار لنقل المادة تأثرًا بارتفاع أسعار المحروقات من جهة، وانخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار من جهة أخرى.
ورصدت عنب بلدي في عدد من المحافظات الواقعة تحت سيطرة النظام في دمشق وريفها وحمص فقدانًا شبه تام للمادة من الأسواق المحلية، أرجعه العديد من التجار لعدة أسباب، أبرزها غياب توفر المادة لدى مستودعات التخزين.
سامر أبو منير، صاحب معصرة للزيتون في مدينة حمص، وأحد تجار مادة الزيت في المنطقة، قال لعنب بلدي، إن فقدان زيت الزيتون من الأسواق، يعود لبيع المزارعين أغلب محصولهم في الموسم، لتصريف سعر مبيعه للدولار، بدل من تخزينه لديهم لفترات طويلة واحتمال تعرضهم للخسارة.
قرار قيد الدراسة
في بيان صادر عن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، في 19 من آب الحالي، إن تدرس القرار المناسب فيما يتعلق بمنع تصدير زيت الزيتون من قبل الوزارات المعنية واللجنة الاقتصادية، بناء على المعلومات والبيانات التي يتم تقديمها على صعيد كميات الإنتاج المتوقعة للموسم القادم والكميات التي تم تصديرها هذا الموسم.
وتضمن البيان نفي الوزارة لما جرى تداوله مؤخرًا حول السماح باستيراد كميات من زيت الزيتون من كل من تونس والجزائر.
في تشرين الأول 2022، سمحت حكومة النظام بتصدير زيت الزيتون، وأعلنت موافقتها على تصدير 45 ألف طن زيت من حجم الإنتاج الذي بلغ حوالي 200 ألف طن، وأثار القرار جدلًا واسعًا وانتقادات عديدة.
واعتبر وزير الزراعة في حكومة النظام، محمد حسان قطنا، أن قرار السماح بتصدير مادة زيت الزيتون جاء بسبب انخفاض القدرة الشرائية للمواطن الذي صار يشتري كميات قليلة، وهي كميات فائضة في الأسواق.
الأسباب “عالمية”
لم تعلق حكومة النظام حتى ساعة تحرير هذا الخبر على فقدان مادة زيت الزيتون من الأسواق، فيما اعتبرت أن وراء ارتفاع أسبابها محليًا، أسباب عالمية.
مديرة مكتب الزيتون في وزارة الزراعة، عبير جوهر، قالت في حديث لصحيفة “تشرين“، أمس الاثنين، إن أسباب ارتفاع أسعار زيت الزيتون الحاصلة حاليًا تعود لارتفاع أسعار زيت الزيتون عالميًا بسبب زيادة الطلب عليه بعد سحب كميات كبيرة من الإنتاج من قبل الدول المنتجة له، وفق قولها.
فيما اعتبر مدير الاقتصاد الزراعي في وزارة الزراعة، أحمد دياب، أن وراء الارتفاع عدة أسباب، منها تراجع الإنتاج على المستوى العالمي وانخفاض قيمة الليرة السورية، معتبرًا أنه رغم أن إنتاج زيت الزيتون محلي، إلا أن أشجاره تحتاج أسمدة ومبيدات ومحروقات وجميعها مستوردة، فضلًا عن حالة احتكار التجار للمادة والتصدير.
أقل بـ34 ألف طن
خلال الموسم الحالي، وصل إنتاج مناطق سيطرة النظام من مادة زيت الزيتون لنحو 125 ألف طن، فيما تصل حاجة البلاد للاستهلاك المحلي لنحو 80 ألف طن، بحسب بيانات صادرة عن وزراتي الزراعة والاقتصاد، نقلتها صحيفة “الوطن” المحلية، في 10 من تموز الماضي.
مديرة مكتب الزيتون في وزارة الزراعة، عبير جوهر، قالت في تصريح صحفي حينها، إن مادة زيت الزيتون متوفرة والاحتكار القائم من التجار، لأنهم جمعوا الزيت وتحكموا بالسوق، معتبرة أن الحكومة وافقت على تصدير فقط الكميات المحددة من الفائض، وعلى ألا تكون من حساب السوق الداخلية.
واعتبرت جوهر، أن الأسواق الداخلية تحتاج إلى ضبط وتكثيف الرقابة وملاحقة المحتكرين.
وحول تقديرات إنتاج المادة للموسم المقبل، قدرت وزارة الزراعة، في 19 من آب الحالي، إنتاج نحو 91 ألف طن من زيت الزيتون، بانخفاض قدره 34 ألف طن عن الموسم الماضي.
وأشارت عبير جوهر، إلى أن تقديرات الإنتاج للموسم المقبل، تعتمد بشكل أولي وفق البيانات الصادرة عن مديريات الزراعة والجولات الميدانية في حقول الزيتون، مع مراعاة انخفاض مردود الزيت في المعاصر نتيجة جفاف الثمار وانخفاض نسبة الزيت فيها نتيجة التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة لفترات زمنية طويلة نسبيًا وفي فترات حرجة من نمو وتطور الثمار.