عنب بلدي – خالد الجرعتلي
حسمت الولايات المتحدة الأمريكية الجدل المثار بشأن عمليات عسكرية تستهدف مجموعات موالية لإيران في سوريا تنشط على الحدود العراقية.
ولكن رغم النفي الأمريكي الرسمي، لا يمكن الجزم بشأن آلية واشنطن لإدارة استراتيجيتها وخططها المقبلة في المنطقة.
وقال السكرتير الصحفي لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، العميد بالقوات الجوية الأمريكية بات رايدر، في 17 من آب الحالي، إن حماية الحدود السورية- العراقية ليس من ضمن مهام القوات الأمريكية الموجودة في سوريا.
لا استراتيجية “حاسمة”
الباحث في مركز “عمران للدراسات” سامر الأحمد، يرى أن أمريكا لا تدير استراتيجية حاسمة في سوريا سوى قتال تنظيم “الدولة الإسلامية” والمنظمات التي تعتبرها “إرهابية”.
ويمكن التماس التوجه الاستراتيجي الأمريكي في العقوبات المعلَنة مؤخرًا على أمراء حرب في سوريا، بينهم شخصيات بارزة في النظام السوري أو في بقية فصائل المعارضة.
ومن حيث الوجود الأمريكي في الشرق السوري، فإنه يهدف علنًا لقتال تنظيم “الدولة”، لكنه يحمل هدفًا آخر واضحًا أيضًا، وهو حرمان النظام وداعميه روسيا وإيران من الاستفادة من الموارد الموجودة شرقي سوريا.
وأضاف الأحمد أن الأهداف الأمريكية الواضحة في سوريا، يمكن حصرها فيما سبق، لكن إذا تحدثنا عن احتمال شن عمل عسكري ضد الميليشيات الإيرانية بشكل رسمي من قبل القوات الأمريكية، فهذا يعني تغيير استراتيجية واشنطن بالشرق الأوسط القائمة على محاربة “الإرهاب”، وهذا حاليًا غير وارد على أقل تقدير.
الباحث قال لعنب بلدي، إن الترويج لهذه العملية العسكرية يقتصر على تأمين حاضنة شعبية محلية بالنسبة للقوات الأمريكية المنتشرة في المنطقة، يمكن الاعتماد عليها في حال حصلت تفاهمات أمريكية- تركية من أجل إبعاد أو إضعاف حزب “العمال الكردستاني” عن الشرق السوري.
وتحاول أمريكا من خلال الحاضنة الشعبية الجديدة ضمان عدم انهيار حليفتها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) كقوة محلية تتبع للولايات المتحدة، وتعزيزها بقوة فصائلية عشائرية يمكن الاعتماد عليها في هذه المنطقة لتحقيق الاستراتيجية الأمريكية، أي حرمان النظام وداعميه من الموارد شرق الفرات.
ولا يمكن في الوقت نفسه تجاهل المساعي الأمريكية في التصدي للمشروع الروسي- الإيراني بمشاركة من النظام، وهو محور يحاول الضغط على أمريكا في سوريا على الصعيد الأمني لدفعها نحو الانسحاب من المنطقة، بحسب الأحمد.
مدير مركز “جيواستراتيجي للأبحاث” (مقره ألمانيا)، إبراهيم كابان، يرى أن واشنطن تسعى باتجاه تقليص الدور الإيراني في سوريا، من خلال الضغط على الميليشيات الإيرانية في المناطق الشرقية والجنوبية.
وقال لعنب بلدي، إن النظام سيكون الخاسر الأكبر في سياسة الضغط المحتملة التي تطرحها الولايات المتحدة نحو إيران، نظرًا إلى حجم المد الجغرافي الإيراني شرقي البلاد.
كابان أضاف أن النظام السوري سينحصر وجوده داخل مناطق محددة، وبالتالي سيتجه نحو الخناق الاقتصادي والسقوط الداخلي، نظرًا إلى الإسهامات التي تقدمها إيران في دعم اقتصاده عبر الطريق الذي تسيطر عليه من إيران وحتى بيروت، مرورًا بالعراق وسوريا.
وفي تموز 2021، قال أحد كبار مسؤولي إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إن 900 جندي أمريكي سيبقون في سوريا لتقديم الدعم والمشورة لـ”قسد”، في حربها ضد تنظيم “الدولة”.
ونقلت صحيفة “POLITICO” الأمريكية حينها عن أحد كبار مسؤولي البيت الأبيض، أن أمريكا تنوي الإبقاء على 900 جندي أمريكي في سوريا لتقديم المشورة والدعم لـ”قسد”، مشيرًا إلى أن الوجود الأمريكي في سوريا اقتصر على دعم “قسد” في الحرب ضد تنظيم “الدولة”.
ومنذ تحديد الوجود العسكري الأمريكي في سوريا بـ900 جندي، تفاوتت وتيرة الحديث عن تعزيزات أمريكية إلى سوريا، لكن لم يصدر أي إعلان رسمي من واشنطن حول طبيعة هذا الوجود، أو زيادة في أعداد الجنود، أو تغيّر بطبيعة المهام.
هل تتغير الاستراتيجية الأمريكية؟
الباحث في مركز “عمران” سامر الأحمد، يرى أن السؤال الواجب طرحه هنا، هل بدأت الولايات المتحدة فعلًا تغير استراتيجيتها نحو النظام من حرمانه من الموارد والتضييق عليه اقتصاديًا وسياسيًا إلى التضييق عليه عسكريًا وميدانيًا، من خلال إدخاله بحرب استنزاف؟
الأحمد قال لعنب بلدي، إن استخدام الولايات المتحدة قوة عشائرية في المنطقة سيكون بمنزلة “حرب استنزاف” للميليشيات الإيرانية وللنظام، لكنه “استنزاف” أيضًا بالنسبة للعشائر، لأن إشعال فتيل هذه المعركة يعني الدخول في أزمة وأن الصراع طويل.
هذا النوع من “حروب الاستنزاف” سيحمل معه “انقسامًا عشائريًا”، إذ تستغل إيران بعض العشائر، وتعارض أخرى النظام السوري، بينما تعارض عشائر ذات توجه آخر “قسد” والنظام معًا.
ثلاثة سيناريوهات
في دراسة نشرها مركز “رامان للدراسات، حملت عنوان “سيناريوهات ومعوقات العملية العسكرية الأمريكية المتوقعة باتجاه فصل الحدود العراقية- السورية”، طرحت ثلاثة سيناريوهات محتملة لها.
تركز السيناريو الأول على عملية عسكرية أمريكية تشارك بها فصائل محلية، انطلاقًا من القواعد الأمريكية شرق الفرات خاصة قاعدتي “حقل العمر” و”كونيكو” وبمشاركة من “جيش سوريا الحرة” في قاعدة “التنف”، وبالتالي وصل تلك القواعد ببعضها وقطع الطريق على المشروع الايراني العابر للحدود من العراق وصولًا إلى دمشق.
لكن السيناريو الأول يحمل معوقات عديدة، ومشروط أيضًا بتصعيد كبير للقوات الأمريكية وبحضور كبير لها، وهو ما لا يتوفر حاليًا.
أما السيناريو الثاني، فهو السيطرة على مدينة البوكمال والحدود العراقية- السورية من الداخل السوري، ويحتاج إلى مشاركة أعداد كبيرة من القوات والأفراد من جهة سوريا، وإلى تنسيق مع الحكومة العراقية.
وتهدف العملية في هذا السيناريو لقطع الطريق على القوات الإيرانية من الداخل السوري وإضعاف المشروع الايراني في سوريا، من خلال السيطرة على مدينة البوكمال المدخل الرئيس لها نحو سوريا.
بينما يواجه هذا المشروع معوقات أخرى، أبرزها عدم ضمان قبول “قسد” الانخراط في هذا النوع من العمليات ضد إيران.
ويتضمن السيناريو الثالث عملية عسكرية على القرى السبع التي تسيطر عليها إيران وقوات النظام شرق الفرات، والتي تشكل رأس حربة للعمليات الإيرانية المحتملة ضد القواعد الأمريكية وهي: الحسينية، الصالحية، حطلة، مراط، مظلوم، خشام، طابية جزيرة.
ويعتبر هذا السيناريو الأكثر ترجيحًا لعدة أسباب، أهمها أنه ليس مكلفًا على الصعيد البشري واللوجستي بالنسبة لواشنطن.
الباحث سامر الأحمد يرى أن سيطرة أمريكا مع حلفاء محليين على مناطق من الشرق السوري ليست مهمة صعبة على الصعيد العسكري، في ظل التفوق الأمريكي، لكن في الوقت نفسه ستنتج عنها “حرب استنزاف” طويلة سيكون أبناء المنطقة وقودها.
حليف واشنطن على الحياد
جميع السيناريوهات السابقة تحمل معها عوائق جمّة، بحسب الأحمد، لكن جزئية أن “قسد” أعلنت عدم مشاركتها بأي معركة ضد الإيرانيين يمكن النظر إليها على أنها عائق كبير باعتبارها الحليف الأول لواشنطن في سوريا.
سامر الأحمد يرى أن مصالح حزب “العمال الكردستاني” المرتبط بإيران تمنع “قسد” من الدخول بهذه المعركة حاليًا، ومن جهة أخرى ليس من المضمون أن توافق تركيا على فتح هذه المعركة في حال نظرت إليها على أنها توسيع لرقعة نفوذ المجموعات الكردية شرقي البلاد.
مدير مركز “رامان للأبحاث”، والباحث المتخصص في الشأن الكردي، بدر ملا رشيد، أكد لعنب بلدي أن إمكانية موافقة “قسد” على المشاركة بالعملية العسكرية لا يمكن الجزم به، بسبب العلاقات الإيرانية مع التنظيمات المرتبطة بحزب “العمال الكردستاني”، وانعكاس مشاركة “قسد” في العملية على تلك العلاقات.
وأضاف أن العلاقة بين إيران و”العمال” تمتد جغرافيًا من داخل الأراضي الإيرانية وصولًا إلى جبال قنديل، ومحافظة السليمانية في كردستان العراق، وتمتد إلى جبال سنجار/شنكال لتصل إلى الجانب السوري في محافظة الحسكة.
العلاقة الممتدة جيوسياسيًا وأمنيًا هي أحد الخطوط المتعددة التي تربط إيران بـ”العمال الكردستاني”، لذا فإن أي عملية أمريكية شرقي أو جنوبي سوريا ستصطدم برفض من “قسد”، وهو ما أكده مدير المركز الإعلامي في “قسد “، فرهاد الشامي.
ملا رشيد أشار إلى حدث إقالة القائد السابق لـ”قوى الأمن الداخلي” (أسايش)، جوان إبراهيم، عام 2017، إثر تصريحه خلال مقابلة مع صحيفة “عكاظ” السعودية بأن “مشروع إيران أخطر من (داعش)، ولا مانع لدينا من دخول بيشمركة روج آفا”، ولا يزال جوان غائبًا عن المشهد منذ ذلك الحين.
وكان مدير المكتب الإعلامي في “قسد” قال لقناة “اليوم” الكردية، في 17 من آب الحالي، إن فصيله لن ينخرط في أي عملية عسكرية ضد إيران في سوريا، مشيرًا إلى أن مهمتها الأساسية هي “الحفاظ على الأمن والاستقرار على الساحة السورية”.
وأضاف أن ما يشاع عن عملية عسكرية للتحالف الدولي ضد إيران لم تطرح ولم تناقش مع التحالف الدولي، مشيرًا إلى أن “قسد” ليست بوارد إشعال أي جبهة، إذ تركز مهمتها على محاربة خلايا تنظيم “الدولة”.
“إثارة مثل هذه الإشاعات تهدف لتشتيت الانتباه عن متابعة خلايا (داعش) واستئصالها وإفشال مشاريعها الاستراتيجية في محاولات إعادة الانتعاش من جديد”، أضاف فرهاد شامي.