نصف عام بانتظار التعويضات
اللاذقية.. متضررو الزلزال يشتكون الإيجارات و”تخاذل” المسؤولين
اللاذقية – ليندا علي
تعيش زينب (37 عامًا) مع طفليها وزوجها في منزل شقيقتها بمدينة اللاذقية، منذ الزلزال الذي ضرب المنطقة في 6 من شباط الماضي، بعد تهدم المنزل المستأجر الذي كانت تقطن فيه وخسارة كل أثاثه ومدخراتها.
لا تخفي زينب الشعور الكبير بالحرج نتيجة اضطرارهم إلى البقاء كل تلك المدة في منزل شقيقتها، إلا أنها لا تملك أي خيار آخر، فإيجارات المنازل تضاعفت مرة واحدة على الأقل بعد ليلة الزلزال.
قالت زينب، “بحثنا طويلًا عن منزل نستأجره، لكنهم يطلبون مبالغ جنونية، مثل 700 ألف و800 ألف وحتى مليون ونصف، ولا قدرة لنا على تحمل هذه الأعباء”.
زوج زينب يعمل في إحدى شركات القطاع الخاص بمرفأ “اللاذقية”، وراتبه يعتبر جيدًا قياسًا برواتب القطاع الحكومي، ويصل إلى مليون ليرة (نحو 80 دولارًا أمريكيًا)، أما زينب فتعمل في إحدى المدارس الحكومية معلمة للمرحلة الابتدائية، وراتبها لا يتجاوز الـ160 ألف ليرة سورية قبل الزيادة الأخيرة مع التعويضات.
ويتشابه وضع زينب مع عائلات وأشخاص كثيرين تضرروا في الزلزال، إذ تجاوز عدد المتضررين في اللاذقية 142 ألفًا، وسجلت في المحافظة 805 حالات وفاة، و1131 مصابًا، وعدد المباني المنهارة بشكل كامل وصل إلى 967، إضافة إلى 3833 بناء بحاجة إلى التدعيم والترميم.
“راح البيت”
كان مهند (37 عامًا) قد انتقل إلى منزله في مدينة جبلة بعد سنوات من الانتظار والقروض السكنية التي لم تنتهِ أقساطها بعد، لكن فرحته لم تكتمل، ومنزل العمر الذي يعيش فيه منذ نحو عام تهدم بالكامل، وبالكاد نجا مع عائلته المؤلفة من زوجة وثلاثة أطفال.
قال مهند، إنه ومنذ ليلة الزلزال يعيش في منزل أهله بالريف البعيد، واضطر لتغيير نظام حياة عائلته بالكامل، وتسجيل أطفاله في مدرسة القرية، لأنه من المستحيل أن يتمكن من استئجار منزل في اللاذقية.
ويرى مهند أن المسؤولين عن ملف الزلزال والتعويضات “متخاذلون، لا يقدّرون قيمة الوقت”، مضيفًا، “لأنهم ليسوا متضررين، لو أنهم متضررون بالفعل ربما كانوا أدركوا معاناتنا”.
وأعلنت الحكومة، في تموز الماضي، عن تعويضات الزلزال، وتنص على منح كل من تهدم منزله ضمن المخططات التنظيمية مبلغ 160 مليون ليرة، على أن يتم صرفه على دفعتين لمن يباشر البناء خلال العام الحالي.
كذلك نص القرار على منح المتضررين الذين تحتاج منازلهم السكنية إلى تدعيم مبالغ تتراوح بين 25 مليونًا و75 مليون ليرة، بحسب تقارير نقابة المهندسين الفنية المعنية بتقدير حجم الضرر.
ويتخوف متضررون كثر من “الفساد” في هذا الملف، مثل سائر (39 عامًا) الذي تهدمت جدران منزله بالكامل في ريف اللاذقية، وقال، “بكرا المهندس المسؤول بيطلب إكرامية لحتى يحط ضرر كبير لنحصل على الـ75 مليون، ويلي ما بيدفع بياخد 25 مليون، مين رح يضمن إنو ما رح يصير هيك شي”.
وتبدو مخاوف سائر مشروعة استنادًا إلى التجربة السورية، وقياسًا بالواقع المعيشي اليوم مع انتشار الفساد والرشى، سواء بين الموظفين أو المديرين، لعدم كفاية الراتب، وعدم منح الحكومة العاملين في ملف الزلزال تعويضات كافية.
“ظلم مزدوج” لأصحاب المخالفات
أصحاب منازل في مناطق المخالفات، قالوا إنهم تعرضوا للظلم مرتين، الأولى حين حرمتهم الحياة من امتلاك منزل بمناطق التنظيم لعدم كفاية أموالهم، والثانية حين قررت الحكومة عدم تعويضهم سوى بمبلغ لا يتجاوز 40% من قيمة المنزل.
وبحسب قرار “مجلس إدارة صندوق دعم متضرري الزلزال”، فإنه يحق للمتضررين الذين فقدوا منازلهم بمناطق المخالفات، الاكتتاب لدى المؤسسة العامة للإسكان على مسكن جديد بإحدى المناطق التنظيمية، على أن تدفع الدولة لهم 40 مليون ليرة من قيمة المنزل، وما تبقى يسدد عبر قرض من أحد المصارف العامة.
ويرى ممدوح (67 عامًا)، وهو أحد الذين خسروا منازلهم في حي الدعتور باللاذقية، أن القرار فيه ظلم كبير، قائلًا إن عائلته اعتادت الحياة في الحي منذ عشرات السنين، متسائلًا لماذا عليه أن يتكبد دفع ثمن المنزل مجددًا، وأن يغير مكان سكنه.
المشكلة الأخرى التي يتخوف منها المتضررون في العشوائيات والمناطق المخالفة، هو توقيت منحهم منزلًا، ومدى جاهزيته للسكن، خاصة أن للمؤسسة العامة للإسكان باعًا طويلًا بالتأخر في تسليم المنازل، وغالبًا ما يتجاوز التأخير عشر سنوات كمشروع “السكن الشبابي“، الذي كان من المفترض الانتهاء منه منذ عام 2012.
أوضح ممدوح أنهم اليوم يعيشون في منازل مستأجرة، يدفعون إيجارها من “دم قلبهم”، على حد تعبيره.
أصحاب السيارات منسيون
لم يتضمن إعلان التعويضات ذكر المتضررين الذين خسروا سياراتهم ومحالهم التجارية، ولا يوجد أي بند لتعويضهم، ومعظم تلك الممتلكات تشكل مصدر دخلهم الرئيس.
حسام (34 عامًا)، موظف حكومي خسر السيارة التي كان يمتلكها إثر تضررها بالزلزال، وكان اشتراها بعد أن باع أرضه في الريف، ليتمكن من إيجاد مورد إضافي لعائلته التي تعيش في مدينة جبلة، قال إن اعتمادهم كعائلة كان على مورد السيارة، إذ إن الراتب لا يكفي، وهو اليوم لا يدري إن كان سيتم تعويضه أم لا.
حاول حسام تقديم اعتراض لدى رئيس البلدية، كذلك لدى المحافظة، ولكن الجميع أخبروه بأنهم لا يمتلكون أي صلاحية، ولا يعرفون، وطالبوه بالانتظار، مضيفًا، “إذا كان تعويض الذين تهدمت منازلهم جاء بعد ستة أشهر، فنحن ربما لن يحين دورنا قبل عام كامل، هذا إذا قرروا أن يعوضونا”.
وفي 6 من شباط الماضي، ضرب زلزال مدمر ولاية كهرمان مرعش جنوبي تركيا، وألقى بتأثيراته التي لا تزال واضحة حتى الآن على أربع محافظات سورية، موقعًا أكثر من 55 ألف قتيل في سوريا وتركيا.
ووفق أحدث حصيلة، وصلت أعداد ضحايا الزلزال المدمر إلى 50 ألفًا و96 حالة وفاة في تركيا، وإصابة 107 آلاف و204 أشخاص.
وفي شمال غربي سوريا، أسفر الزلزال عن تسجيل أكثر من 4500 حالة وفاة و10400 إصابة، وفي مناطق سيطرة النظام السوري، تسبب الزلزال بوفاة 1414 شخصًا في محافظات حماة وحلب واللاذقية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :