درعا – حليم محمد
تشهد حركة بيع وشراء الأراضي الزراعية في ريف درعا الغربي، جنوبي سوريا، جمودًا كبيرًا انعكس على أسعارها مقارنة بالسنوات السابقة.
ومقابل انخفاض الطلب على الأراضي لأسباب عدة، يزداد العرض بشكل كبير لعدة أسباب، منها رغبة أصحاب العقارات بالهجرة وحاجتهم إلى مبالغ كبيرة لتغطية النفقات، فضلًا عن جفاف الأراضي وما فرضه على الفلاحين من مصاريف إضافية للزراعة.
الهجرة دافع
زاهر (25 عامًا)، وهو من سكان المزيريب، باع قبل نحو ثلاث سنوات أربعة دونمات لتأمين ثمانية آلاف دولار تكلفة رحلة الهجرة، موضحًا أنه لم يجد أي وسيلة لجمع هذا المبلغ سوى بيع عقاره الزراعي.
فيما شهدت أسعار العقارات الزراعية مؤخرًا انخفاضًا في قيمتها، جراء قلة الطلب.
محمد (28 عامًا) قال لعنب بلدي، إنه باع عقاره بمساحة نحو عشرة دونمات، في أيار الماضي، بسعر 15 مليون ليرة سورية (تعادل 1200 دولار أمريكي) للدونم الواحد.
باع محمد الأرض بهدف الهجرة أيضًا، معتبرًا أن سعر مبيعها أقل مما تستحق، إلا أن انخفاض السعر تأثر بانخفاض قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية.
عبود الزعبي، صاحب مكتب عقاري في مدينة طفس بريف درعا الغربي، أرجع انخفاض أسعار العقارات الزراعية لكثرة طلبات البيع، مشيرًا إلى أن معظم البائعين هم من الراغبين بالهجرة، وهذا ما أسهم بقبولهم البيع بأسعار متدنية.
وحول متوسط أسعار العقارات، قال عبود الزعبي لعنب بلدي، إنه من غير الممكن تحديد سعر موحد للعقارات الزراعية، إذ تتأثر الأسعار بموقع الأرض ومدى قربها من وسط المدينة، ومدى وصول الخدمات إليها.
وقدّر الزعبي أن العقارات المعروضة تعادل أضعاف الطلب، ومعظم المشترين حاليًا هم من أهالي المنطقة المقيمين خارج سوريا، والذين هاجروا إلى أوروبا في السنوات الأخيرة.
تقلبات الليرة تؤثر
يعلَن عن أسعار مبيع الأراضي الزراعية بالليرة السورية لا بالدولار، رغم الانخفاض الكبير في قيمتها، ما يؤثر على قيمة العقار الحقيقية.
وتشهد الليرة انخفاضًا متواصلًا في قيمتها أمام العملات الأجنبية، إذ وصل سعر صرف الدولار الواحد إلى نحو 13200 ليرة سورية، لحظة تحرير التقرير.
أحمد (38 عامًا)، يعمل وسيطًا بين الباعة والمشترين في قطاع العقارات، مقابل مبلغ يحصله من الطرفين، قال لعنب بلدي، إن بعض أصحاب الأراضي المعروضة للبيع يثبتون أسعارها بالدولار شفويًا، ولكن عند تسجيل العقد يجب أن يكون بالليرة السورية.
يوسف (35 عامًا)، عرض قطعة أرض للبيع تبلغ مساحتها خمسة دونمات، منذ سنة تقريبًا، وقد سجل العقار مع مميزاته في مكتب عقاري، ولم يُدفع له السعر المطلوب حتى الآن من قبل الراغبين بالشراء.
قال يوسف لعنب بلدي، إنه تلقى عرضًا في 2020 لبيع الأرض بسعر “مغرٍ”، وصل إلى ستة ملايين للدونم الواحد، ما يعادل ثلاثة آلاف دولار حينها، إلا أنه رفض بيعها بهدف الحصول على سعر أفضل.
وحاليًا يتلقى يوسف عروضًا تقدّر سعر شراء الدونم الواحد بـ15 مليون ليرة سورية، تعادل 1200 دولار أمريكي، ما يعني انخفاض قيمة المبيع لأكثر من النصف خلال ثلاثة أعوام.
الجفاف “يطفّش”
بعد جفاف معظم الينابيع والآبار الجوفية في ريف درعا الغربي، هبطت أسعار الأراضي الزراعية وقل الطلب عليها.
الوسيط أحمد قال، إن المشتري أصبح يفضّل مناطق ما زالت غنية بالمياه الجوفية، لذا أصبح وجود الماء عاملًا مهمًا في رفع أسعار العقارات الزراعية، مضيفًا أن جفاف المياه في ريف درعا الغربي زاد من ركود بيع العقارات، وخفض أسعارها، لأن الزبون يشتري أرضًا بعلية تعتمد على مياه الأمطار فقط.
وجفت خلال تموز الماضي ينابيع “الساخنة” و”عيون العبد” وبحيرة “زيزون”، سبقه جفاف بحيرة “مزيريب” بالإضافة إلى عدد كبير من الآبار الجوفية.
خدمات “غير موجودة” تتحكم بالسعر
يتغير سعر العقار ويرتفع في حال قربه من المدينة، أو ما إذا كان ضمن المخطط التنظيمي، أو في حال إشرافه على طريق عام أو وجود شبكات كهرباء وهاتف وصرف صحي.
وقال عبود الزعبي، إن العقار المطل على طريق يزيد سعره، وكذلك في حال قربه من المدن، لأن التمدد العمراني سيرفع من قيمة العقار مستقبلًا، مقللًا بنفس الوقت من أهمية وجود كهرباء قريبة، إذ تخضع معظم المناطق لتقنين طويل يصل إلى خمس ساعات قطع وساعة وصل، وهذه الخاصية لا تخدم المزارعين حاليًا، إذ أصبح اعتمادهم على الطاقة الشمسية كمصدر رئيس لضخ المياه.
بينما قال الوسيط أحمد، إنه على الرغم من عدم أهمية الكهرباء، فإنها تدخل بحسبان المشتري، لأن وصول الشبكة إلى الحقل سيرفع من قيمة العقار في حالة عودة الكهرباء لطبيعتها.
وتغيب الجهود الحكومية عن تحسين مواصفات العقارات في درعا، إذ توقفت منذ عام 2011 عن شق طرق رئيسة أو إيصال الخدمات للأراضي الزراعية، كما توقفت مشاريع ضخ مياه الري بسبب الجفاف الذي لحق بالينابيع.