العرب يغرقون في التفاصيل.. لا ثقة في مرحلة بناء الثقة مع الأسد
تستمر محاولات الدفع العربي نحو تقدم ملموس في الملف السوري رغم غياب أي مؤشرات مبشرة على الأرض بهذا الصدد.
وعقدت “لجنة الاتصال الوزارية العربية” بشأن سوريا، في 15 من آب، لقاءً على مستوى وزراء الخارجية، في العاصمة المصرية، القاهرة، ضم وزراء خارجية كل من السعودية ومصر والعراق والأردن ولبنان، والنظام السوري.
ووفق البيان الختامي الصادر بعد اللقاء، جرى بحث تطورات الوضع في سوريا، واتصالات أعضاء اللجنة وحكومة النظام مع الأمم المتحدة و”الدول الصديقة” في إطار جهود تحريك “الأزمة” نحو التسوية الشاملة، اتساقًا مع المرجعيات الدولية ذات الصلة.
وأكد المشاركون أن الحل الوحيد لـ”الأزمة السورية” هو الحل السياسي، معربين عن تطلعهم إلى استئناف العمل في المسار الدستوري السوري (أعمال اللجنة الدستورية متوقفة منذ حزيران 2022)، وعقد الاجتماع المقبل لـ”اللجنة الدستورية السورية” في سلطنة عمان، قبل نهاية العام الجاري، مع التوافق على أهمية استكمال المسار بجدية، باعتباره أحد المحاور الرئيسية على طريق إنهاء “الأزمة” وتحقيق التسوية و”المصالحة الوطنية” المنشودة.
أجواء “إيجابية”.. لا تقدُّم
اللقاء الذي جاء تماشيًا مع قرارات “قمة جدة- 19 من أيار”، لمتابعة مخرجات “لقاء عمان التشاوري” حول سوريا، تزامن مع غياب ملامح أي تقدم في البنود أو الموضوعات التي تتضمنها “المبادرة الأردنية” المدفوعة بدعم عربي، والتي تتقاطع إلى حد بعيد مع مخرجات “لقاء عمان التشاوري”، وهو ما بدا بوضوح حين زار وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، دمشق، في 3 من تموز الماضي.
وإلى جانب اتخاذ المطالب العربية من النظام ضمن “المبادرة” أو “لقاء عمان التشاوري” منحى عسكيًا من حيث التطبيق، من خلال تفاقم الملفات التي تحتاج لمعالجة جادة، وجه رئيس النظام السوري، بشار الأسد، خلال حديثه الخاص إلى قناة “سكاي نيوز عربية” في 9 من آب، رسائل مضادة للعرب لا تتناسب مع التطلعات العربية للحل في سوريا.
ورغم أن “المبادرة الأردنية” تشدد على ضرورة تطبيق القرار “2254”، الذي يشكل بوابة للتغيير السياسي، نفى الأسد وجود مطالب داخلية برحيله عن السلطة رغم الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها المدن والبلدات السورية منذ عام 2011، كما قلل من حجم الاحتجاجات التي طالبت برحيله، معتبرًا أن العدد الكبير للمتظاهرين لم يتجاوز في أحسن الأحوال مئة ألف ونيّف، على حد زعمه.
الأسد حمّل ما قال إنه “الإرهاب” مسؤولية الدمار في سوريا، وتطرق أيضًا إلى العلاقات مع الدول العربية، ووصف العلاقات العربية- العربية بـ”الشكلية”، موضحًا أن العودة إلى الجامعة العربية ستبقى شكلية مالم يجري الوصول إلى مرحلة وضع الحلول، وأن الجامعة العربية لم تتحول إلى مؤسسة بالمعنى الحقيقي.
على ضوء هذه المعطيات، جاء اجتماع “لجنة الاتصال العربية” في القاهرة، والذي انتهى باتفاق على لقاء مقبل في بغداد، وحديث عن “أجواء إيجابية” طغت على اللقاء الوزاري الجماعي، واللقاءات الثانية التي أجراها فيصل المقداد مع نظرائه المصري، والأردني، والسعودي، بشكل منفصل.
“الأجواء الإيجابية” تلك تتزامن مع مواصلة محاولات تهريب المخدات من سوريا نحو دول الخليج، بأكثر من طريقة، إلى جانب تراجع اقتصادي غير مسبوق في مناطق سيطرة النظام، وعدم تنفيذ أي من بنود “لقاء عمان التشاوري”، بما يتعدى التصريحات بهذا الصدد من قبل النظام.
بناء الثقة دون بناء ثقة
الخبير الاستراتيجي الأردني، الدكتور عامر السبايلة، أوضح لعنب بلدي، أن اللقاءات السياسية في هذا الإطار تستمر كون المرحلة الحالية هي المرحلة التي يفترض أن تبنى فيها الثقة، من خلال تكثيف المشاورات ووضع الأطراف كلها بصورة التطورات، معتبرًا أن التشاور المستمر مطلوب للتقييم، وقياس فاعلية الفكرة وبقائها أو توسعها أو انتقالها لمرحلة أخرى.
وأوضح الخبير الأردني، أن ملف المخدرات، وهو أحد موضوعات “لقاء عمان” و”المبادرة الأردنية”، ما يزال في نقطة الصفر، مشددًا على أن مرحلة “بناء الثقة” تمر دون بناء ثقة، ما قد يؤثر على مسار الأمور في ظل الحديث عن تصعيد محتمل في سوريا، ما يعني أن على النظام استغلال الفرصة التي يقدمها العرب، عبر خطوات إجرائية وعملية.
لا يمكن فصل موضوع المخدرات عن السلاح والمتفجرات، إلى جانب وجود ميليشيات على الأرض. أعتقد أننا ما زلنا في مرحلة بناء الثقة التي لم تقطع شوطًا كبيرًا إلى الآن.
د. عامر السبايلة- خبير استراتيجي أردني |
وفيما يتعلق بحديث الأسد لـ”سكاي نيوز عربية” أوضح الخبير إلى أن قراءة تصريحات الأسد سيئة من كل الزوايا بالنسبة للعرب، عبر تهميش الدول العربية وسيادتها، وعدم تثمين الخطوة التي قام بها العرب تجاه دمشق، ووضعهم بمفاضلة مع إيران، ما يترجم عدم إيجابية الرسائل المقدمة، لكن مثل هذه الرسائل قد لا تؤثر في هذه المرحلة، كون التأثير الفعلي هو جدوى الانفتاح على النظام والتعاون معه على الأرض، وفق السبايلة.
وأوضحت قراءة تحليلية صادرة عن مركز “جسور” للدراسات، أن النظام يسعى لإغراق “لجنة الاتصال العربية” بالتفاصيل، وأن سلوكه في كل مسارات الحل التي فُرضت عليه واضطر للانخراط فيها كان قائماً بشكل أساسي على المماطلة وعدم الالتزام بأي إطار زمني، ما بدا بوضوح في مسارات “أستانة” و”جنيف” و”اللجنة الدستورية”، وبالتالي من غير المعلوم عدد الجولات التي ستعقدها اللجنة الوزارية العربية التي بدأت للتوّ عملها.
كما أشارت القراءة إلى أن الاجتماع انتهى بحالة عدم ارتياح من العرب (السعودية والأردن على الأقل) تجاه سلوك النظام في تنفيذ مخرجات “لقاء عمان” وقرارات “الجامعة العربية”، مع احتمالية تطور ذلك إلى مواقف رسمية تعبر عن الاستياء قبل انعقاد الجامعة على المستوى الوزاري، مطلع أيلول.
بحسب مادة رأي نشرتها صحيفة “عكاظ” السعودية، في 28 من تموز، للمحلل السياسي رامي الخليفة العلي، فلا بد من إطار يسمح بتكوين رؤية للحل مقبولة من المجتمع الدولي، لكن حكومة النظام السوري لم تبدِ موافقتها على أفق الحل المقترح عربيًا بشكل صريح وواضح، ما دفع المجتمع الدولي إلى حالة شك بإمكانية نجاح الدول العربية بإقناع النظام بهذا الإطار الجامع.
وقال المحلل السياسي إن “السعودية كما الدول العربية التي رسمت أفقًا لحل الأزمة السورية، بذلت جهودًا جبارة، وعملت على إقناع المجتمع الدولي بهذا الحل (…) لكن إذا لم تساعد نفسك فلا أحد يستطيع مساعدتك”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :