لم يخف عبد الله الحلبي المقيم في إدلب صدمته، بعدما اكتشف غش وتلاعب المقاولين ومدى هشاشة البناء الذي دفع كل ما يملك لشراء شقة فيه، بعد سقوط منزله بفعل الزلزال الذي ضرب المنطقة في شباط الماضي.
انهيار مئات المباني في الشمال السوري خصوصًا الجديدة منها، أدى لوضع المقاولين الذين شيدوا الأبنية في موقف الاتهام، بعدما رجح عدد كبير الأهالي أن الدمار الواسع ناجم عن غش في عمليات البناء وعدم وضع كميات كافية من الأسمنت والحديد أثناء البناء.
الأربعيني عبد الله الحلبي، قال لعنب بلدي، إنه باع الأراضي التي ورثها عن والده وجمع جميع ما يملك لشراء شقة في بناء مشيد حديثًا في منطقة حارم بإدلب شمالي غربي سوريا، نجا منها بأعجوبة في أثناء وقوع الزلزال المدمر، إذ انهار البناء انهيارًا جزئيًا من أحد جوانبه وتصدع من بقية الجوانب، ولم يعد صالحًا للسكن، بينما نصحت اللجان الهندسية بضرورة هدم البناء كاملًا وإقامة آخر جديد.
بعد انخفاض وتيرة الهزات الارتدادية، توجه عبد الله الحلبي للبناء لإخراج ما يمكن إخراج من أغراض المنزل، وفي أثناء معاينة الجانب المهدم من البناء لاحظ الأهالي قلة كبيرة في كميات الحديدة المستخدمة في عمليات البناء وقلة سماكة أسقف الشقق ما يشير إلى غش في عملية التشييد.
بدوره قال هاشم صبحي (55 عامًا)، وهو مهجر يقيم في إدلب، ويعمل عامل بناء (نجار باطون) منذ 35 عامًا، إنه بعد وقوع الزلزال مباشرة شكّل فرقة تطوعية لإخراج العالقين تحت الأنقاض، وخلال محاولات الإنقاذ اكتشف هشاشة الأعمدة والأسقف الأسمنتية المشيدة حديثًا ما يعني قلة كميات الأسمنت المستخدمة.
وقال هاشم صبحي، لعنب بلدي، إن بعض المقاولين يلجأون لتقليل تكاليف البناء من خلال إنقاص كميات الحديد والأسمنت والرمل والحصى، بهدف تعزيز فرصهم في المنافسة والحصول على المزيد من الأرباح، على حد تعبيره، مضيفًا أن عمليات الغش لا تتوقف عند التلاعب بالمواصفات بل يمكن أن تشمل أيضًا التلاعب بالقياسات كتقليل حجم الأعمدة وسماكة الأسقف ما يؤدي لتقليل كميات مواد البناء اللازمة.
واعتبر صبحي، أن عملية التأسيس للأبنية في الشمال السوري لا تتم بالوسائل التقنية المدروسة، بسبب عدم وجود دراسة كافية عن مدى تحمل الأرض وطبيعتها ولا مخططات هندسية لعملية التأسيس أو إشراف هندسي على عملية البناء والتشييد.
غياب المخططات الهندسية
عادة ما تتعاون الحكومة مع نقابة المهندسين في حماية المواطنين ومنع أي عملية بناء لا تتم ضمن الأصول المتبعة ودون مخططات هندسية مدققة من النقابة وموافق عليها الجهات المختصة.
المهندس علي غبشا، تحدث لعنب بلدي عن الأصول المتعبة في عملية البناء في إدلب، موضحًا أن المكتب الهندسي يضع مخططات هندسية ودراسة قبل عملية البناء، تخضع لعلمية تدقيق من قبل مهندس برتبة “مهندس رأي” يملك خبرة تزيد عن 20 عامًا على الأقل في نقابة المهندسين لأن المخططات الهندسية يمكن أن تحتوي على بعض الأخطاء وأثناء عملية التدقيق يكتشف الخطأ ويتم إصلاحه.
بعد عملية التدقيق يقوم المقاول باستصدار التراخيص اللازمة لعملية البناء من الجهات المختصة، لكن في عام 2020 أصدرت وزارة الإدارة المحلية قرارًا بمنع قبول المخططات الهندسية المصدقة في نقابة المهندسين، الأمر الذي أدى لصدور مخططات هندسية تحتوي على بعض الأخطاء وتنفيذها بدون تدقيق كافي بالتالي سببت الكثير من الكوارث في أثناء الزلزال، وفق قول المهندس علي غبشا.
المهندس جميل كطو، قال لعنب بلدي، إن الأصل أن تحفظ النقابة جميع المخططات الهندسية لجميع المباني المشيدة، وذلك بهدف حفظ حقوق المهندس الدارس لعملية البناء وواضع المخطط في حال انهيار البناء أو حدوث أي مشكلة، أما حاليًا فلا توجد عملية حفظ للمخططات ولا أصول للعمل الهندسي، ما أضر شريحة واسعة من المواطنين والمهندسين.
لم يتوقف الأمر عند بناء أبنية بمخططات هندسية معيبة، بل امتد ليشمل عمليات بناء من دون أي دراسة هندسية ومن دون مخططات، كشف الزلزال بعض هذه الحالات، وفق المهندس جميل طكو.
إعادة هيكلة لضبط التجاوزات
بعد الزلزال، اتخذت وزارة الإدارة المحلية في حكومة “الإنقاذ”، جملة من القرارات التي تهدف لضبط عمليات البناء والتأكد من تطبيق الشروط الفنية للازمة وتنظيم الملف الفني إداريًا وهندسيًا للرقي بالفن العمراني في المحافظة.
مستشار وزير الإدارة المحلية، المهندس سعيد الأشقر، قال في تصريح لعنب بلدي، إن عدم الالتزام بالشروط الفنية لنيل تراخيص البناء لجميع المباني السكينة أو المنشآت الصناعية ظهر واضحًا في حادثة الزلزال، فكان لابد من اتخاذ إجراء لتوحيد القرار الفني عبر إحداث بلديات في المناطق.
وأضاف الأشقر أن المجالس المحلية لم تكن ملتزمة بموضوع المخططات التنظيمية ونظام الضابطة والشروط الفنية التي تتطلب تطبيق “الكود السوري” على جميع الأبنية المراد إنشاءها في شمال غربي سوريا.
وستعمل الوزارة خلال الأشهر المقبلة على إصدار عدد من المخططات التنظيمية لعدد من المدن والبلدات بحسب ما قاله المستشار، مشيرًا إلى تشكيل لجان هندسية تقوم بتسوية البناء القائم سابقًا والطلب من أصحاب هذه الأبنية التقدم بمخططات هندسية وتقارير فنية تؤكد سلامة المبنى وخلوه من العيوب التي من الممكن أن تشكل خطرًا على السلامة العامة.
كما فعّلت الوزارة عن طريق البلديات في المناطق إذن الصب للأبنية الحديثة والتأكد من سلامة التنفيذ على مستوى التسليح والمخطط الانشائي ومطابقته للدراسات الهندسية المقدمة، وفق الأشقر.