لم توقف “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عمليات حفر الأنفاق العسكرية على جبهات القتال وفي الأحياء السكنية في معظم المناطق والقرى التي تسيطر عليها على مقربة من الحدود السورية- التركية.
وشملت عمليات حفر الأنفاق شوارع رئيسة في مدينة القامشلي وما حولها، إذ وصلت أنفاق “قسد” إلى شارع القوتلي وسط مدينة القامشلي، وهو شارع رئيسي لمرور السيارات.
وأفاد مراسل عنب بلدي في القامشلي أن الحفر وسط المدينة مستمر منذ شهرين، ويمكن ملاحظته من خلال عمليات قطع الطرق والأزمات المرورية التي يسببها، وآثار الحفر الظاهرة في المنطقة، حتى بعد انتهاء عمليات الحفر.
عمال مدنيون ومتعهدون
اعتمدت “قسد” في حفر الأنفاق على عمال مدنيين بأجور يومية متفاوتة بحسب المنطقة التي تشهد عمليات الحفر، وترفع أجور حفر الأنفاق على خطوط التماس، مقارنة بتلك التي تدفعها مقابل الحفر في الأحياء السكنية.
نظرًا لمخاوفه الأمنية تحدث عامل في حفر الأنفاق قابلته عنب بلدي شرط عدم الكشف عن اسمه، وقال إنه أصيب بقصف تركي شمالي محافظة الحسكة خلال عمله في الحفر إلى جانب أربعة عمال آخرين.
وبعد إسعافه إلى مستشفى قريب من نقطة الاستهداف، لم يحصل على تعويضات، ومنع من استخراج أي أوراق من المستشفى.
ويرى الرجل الأربعيني أن منعه من استخراج الأوراق تهدف لـ”عدم تمكينه من إثبات الحادثة التي تعرض لها”.
الرجل زوّد عنب بلدي بصور لإصابته، تعتذر المؤسسة عن عدم نشرها لأسباب أمنية، أضاف أن فرصة العمل في حفر الأنفاق على خطوط التماس تمنح مرة واحدة، إذ لا يسمح للعامل بالمشاركة في حفر نفقين منفصلين، ويمنع من العودة إلى مكان الحفر بعد الانتهاء من العمل، أو المشاركة بحفر نفق آخر.
ويأخذ العامل أجرته عبر متعهد بناء يشرف على الورشة، ويشكل وسيلة الربط بين “قسد” والعمال، كما أنه المسؤول عن دخول العمال إلى منطقة العمل مجردين من أي معدات إلكترونية من ضمنها الهواتف المحمولة.
عزيز، اسم وهمي لشاب يبلغ من العمر 26 عامًا، كان متطوعًا في “قسد”، تحققت عنب بلدي من وثائق انتسابه للقوات، وبعد انتهاء خدمته العسكرية، سمحت له علاقته مع عسكريين بالعمل في حفر الأنفاق في ناحية تل تمر، وهو ما كان يراه مناسبًا نظرًا لـ”المردود المادي الجيّد”، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
في نيسان الماضي، خلال عمله في حفر إحدى الأنفاق، أصيب بقصف تركي، لكن إصابته لم تمنعه من الاستمرار بالعمل في هذا القطاع، إذ لا يزال يتنقل بين قرى ومدن الحسكة، لحفر الأنفاق العسكرية.
وأضاف عزيز، خلال حديثه لمراسل عنب بلدي في الحسكة، أنه كان يتقاضى 50 ألف ليرة سورية لليوم الواحد مقابل عمله في حفر الأنفاق، وارتفعت أجور العمل منذ مطلع آب الحالي، لتصل إلى 80 ألف ليرة (الدولار يقابل حاليًا نحو 15 ألف ليرة).
وتختلف أسعار اليوميات من متعهّد لآخر، بحسب عزيز، وتختلف التسعيرة أيضًا بناءً على نوعية وتوقيت العمل، إذ يضطر العمال للمبيت في مكان الحفر أحيانًا، وفي هذه الحالة يتقاضى العامل أجورًا مضاعفة.
عزيز قال إن المتعهد المسؤول عن ورشة الحفر يتحكم بطريقة تسليم الأموال، فمنهم من يسلّمها بشكل يومي، وآخرون بشكل أسبوعي.
الأنفاق تعيق السكان
ومنذ أكثر من شهرين، قطعت المياه عن منطقة قريبة من دوار “القوتلي” في مدينة القامشلي، بحسب ما قاله أحد سكان المنطقة لعنب بلدي، بسبب عمليات حفر الأنفاق، علمًا أن “الإدارة الذاتية” (المظلة السياسية لـ”قسد”) لا تمنح موافقات لحفر آبار المياه في المنطقة نفسها، حتى مع أزمة المياه التي تشهدها الحسكة.
وفي حي الصناعة بمدينة القامشلي، وبالتحديد شارع الكراجات، بدأت عمليات حفر الأنفاق منذ تموز الماضي ولم تنته حتى الآن، إذ يشتكي أصحاب محال صيانة السيارات من إغلاق منتصف الشارع، وبالتالي إعاقة عملهم، والتسبب بأضرار لهم.
“تارة يقطعون الشارع من اليمين، وتارة من اليسار، وعلى هذا الحال في الكثير من شوارع القامشلي أنا مجبر على ترك سيارتي بمكان بعيد، إذ لا يمكنني دخول الشارع بسبب عمليات الحفر فيه، التي تعيق وصول سيارات الزبائن أيضًا”، قال صاحب محل لصيانة السيارات في المنطقة.
ويشكل حفر الأنفاق خطورة على حياة المدنيين من عدة جوانب منها انهيار المنازل على رؤوس ساكنيها وتسببت هذه الأنفاق بمخاوف لدى السكان من جراء حفرها أسفل منازل سكنية وأحياء كاملة، وهو ما ظهر في مناطق انسحبت منها “قسد” شمالي سوريا.
المزيد من الأنفاق
مطلع تموز الماضي، باشرت “قسد“، بحفر شبكة من الأنفاق الجديدة في مدينة القامشلي للاستخدام العسكري.
ورصد مراسل عنب بلدي في المنقطة عمليات الحفر في محيط مديرية المياه التابعة “للإدارة الذاتية” جنوب حي الأربوية بالمدينة، وعلى امتداد شارع الكورنيش.
وعلى مقربة من شبكة الانفاق الجديدة أنشأت “قسد”، في حي المحطة، نقاطًا عسكرية في قبوين ببنائين متجاورين، يصل بينهما نفق، ويتصلان بشبكة الأنفاق الجديدة.
وإلى جانب ذلك، بدأت “قسد” بحفر أنفاق جديدة بالقرب من كراج الصناعة شرقي القامشلي، وبالتحديد شرق صوامع المدينة بالقرب من سكة القطار.
وخلّفت أيضًا الأنفاق المستخدمة لأغراض عسكرية في الحسكة أعطالًا في شبكات الماء، والكهرباء، والاتصالات، مؤدية إلى انقطاع الخدمات بشكل متكرر عن السكان.
ومنذ نحو عام، بدأت “قسد” ببناء شبكة من الأنفاق وصفها بعض السكان بـ”الضخمة”، وتركز في بداية الأنفاق على طريق حي الهلالية القريبة من مقبرة القامشلي، المحاذية للحدود السورية- التركية.